الجمعة 09/مايو/2025

الثقافة الصهيونية وقتل الأسرى المصريين

الثقافة الصهيونية وقتل الأسرى المصريين

صحيفة الاتحاد الإماراتية

تلقيت عدداً من الأسئلة من صحفيين وإعلاميين عرب تصب في سؤال جوهري يقول: “هل كان قتل الأسرى المصريين الذين ألقوا أسلحتهم عام 1967 نتيجة لضغوط المعركة كما يقول الضباط الإسرائيليون الذين ظهروا في فيلم “روح وحدة شاكيد” -وهي الوحدة التي كان يقودها بنيامين بن أليعازر الوزير الإسرائيلي الحالي- أم أن لهذا القتل العمد علاقة بالثقافة الصهيونية”؟

إن الإجابة الموضوعية على هذا السؤال، تقتضي استعادة جذرين رئيسيين في الثقافة الصهيونية النظرية، التي نشأت في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين من ناحية، ثم متابعة التطبيقات العملية لهذين الجذرين من الهجرات الصهيونية الأولى من أوروبا إلى فلسطين وحتى يومنا هذا.

إن الجذر الأول يتمثل في مشروع تحويل الشخصية اليهودية التي عاشت في أوروبا في وضع المذلة والانكماش، إلى حالة المبادرة والعدوان والاستعلاء مع الوصول إلى فلسطين. لقد سجل المفكرون والمؤرخون الصهاينة حالة المذلة التي ولدت شخصية يهودية اتسمت بالخوف الدائم ومشاعر الدونية التي وصلت إلى درجة انحناء الظهر، نتيجة للمعاملة الأوروبية التي فرضت على اليهود العيش في أحياء معزولة أشهرها حي “الجيتو” الذي انتشر في أوروبا الغربية والوسطى، و”الشتتل” وهو الحي اليهودي في المناطق الريفية في أوروبا الشرقية وروسيا. في هذه الأحياء التي بدأت بالإرغام، ثم استطاب اليهود العيش فيها ليستقلوا بعاداتهم، تجسدت روح المذلة اليهودية نتيجة للنظرة الأوروبية المسيحية التي رأت فيهم جماعة ذات ثقافة خاصة تقوم على العنصرية والاستعلاء على غير اليهود خاصة المسيحيين، وفيها اعتادت الجماعة اليهودية التعرض لحملات الاضطهاد الأوروبي، التي وصلت في بعض الأحيان إلى الهجمات المسلحة.

في إطار المشروع الصهيوني، نشأ نموذج نظري لليهودي الجديد معاكس لنموذج يهودي “الجيتو”، يسعى إلى إسقاط العدوان الذي عانت منه الجماعات اليهودية في المسرح الأوروبي على العرب في المسرح الفلسطيني. لقد أنتج هذا النموذج النظري موقف استعلاء على العرب نظر إليهم ككائنات متخلفة لا يجب الاختلاط بها ومعاملتها بمساواة، كما يقول المفكر الصهيوني “كلاوتزفر” عام 1907. ولقد قام “فلاديمير جابوتنسكي” الزعيم الروحي للأحزاب اليمينية الصهيونية، بترجمة هذا النموذج النظري في المجال العسكري بصك مصطلح الجدار الحديدي الذي يجب أن يبنى لعزل العرب عن مخالطة اليهود المهاجرين أو التجاسر عليهم.

في عام 1920 قام “جابوتنسكي” باعتباره قائداً لقوات “الهاجاناه”، بتطبيق حي للمصطلح، عندما انتهز فرصة العيد الشعبي الذي كان المسلمون والمسيحيون يحتفلون به وهو عيد النبي موسى، لبناء أول لبنة في الجدار الحديدي. في ذلك العيد جرت العادة على قيام العرب بالصلاة في المساجد والكنائس ثم إقامة مسيرات ومهرجانات شعبية احتفالاً بالنبي موسى. لقد وزع “جابوتنسكي” قواته في أماكن متعددة أهمها المسجد الأقصى، حيث فتحت هذه القوات النيران على جموع المصلين ليسقط مئات من القتلى والجرحى. لقد تكررت بعد ذلك عمليات الهجوم على العرب العزل في المدن والقرى تدعيماً لنموذج اليهودي الجديد، المبادر إلى العدوان والمتخلص من مشاعر المذلة والخنوع، ومع نشوب حرب 1948 تعددت المذابح التي كانت أشهرها مذبحة دير ياسين.

إن متابعة هذا النموذج إلى يومنا هذا تكشف عن سجل متواصل من المذابح التي لا تتوقف ضد العرب العزل، مدنيين وعسكريين، تأكيداً لنموذج اليهودي الجديد.

أما الجذر الثاني في الثقافة الصهيونية، فهو المتصل بمقولة الملكية التاريخية لفلسطين سواء في معناها الجغرافي الضيق أو في المعنى الموسع الممتد من النيل إلى الفرات. في البداية صيغت مقولة الأرض الفراغ التي تنتظر عودة أصحابها “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. مع وصول الهجرات اليهودية الأولى تبين زيف المقولة، فقد وجد المهاجرون شعباً راسخ الجذور في الأرض، وهنا جرى التحول إلى نظرية “الحقل المهجور” الذي هجره صاحبه لزمن طويل ثم عاد إليه ليجده ممتلئاً بالنباتات الشوكية البرية والحيوانات والزواحف. ترتيباً على هذا تبلورت فكرة تطهير الحقل بالمبيدات من هذه الآفات. إن التطبيق لهذا الجذر الثقافي الصهيوني ما زال قائماً، وما زالت كلمات الزعيم الروحي لحزب “شاس” عام 2000 التي قالها احتجاجاً على مفاوضات السلام بين باراك وعرفات وكلينتون حاضرة الأثر. فقد قال: “إن باراك قد فقد رشده، فهل يمكن إقامة سلام مع الأفاعي”؟ لقد ترسخت عملية تحقير العرب ونزع الصفات الإنسانية عنهم كوسيلة ممهدة لقتلهم في دم بارد كما تباد الحشرات.

إن تتبع تطبيقات هذين الجذرين تؤكد أن قتل الأسرى المصريين لم يكن حادثة معزولة عن الثقافة الصهيونية التي تشربتها الأجيال الإسرائيلية في معاملة العرب.  

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات