الخميس 08/مايو/2025

وهم السلام مقابل الأرض

وهم السلام مقابل الأرض

 

دراسة للكاتب الصهيوني “مردخاي كيدر” يتناول فيها الموقف الصهيوني من عملية التسوية رافضاً القاعدة التي قامت عليها، وهي الأرض مقابل السلام، ويشرح المطالب الصهيونية من الفلسطينيين والعرب للوصول إلى التسوية المطلوبة صهيونياً.

تتناول الدراسة تكرار القادة العرب للنص القاضي بان السلام مع الكيان الصهيوني يعتمد على الانسحاب إلى حدود ما قبل 1967، وخصوصاً منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، ويرى أن تعاقب اللهجة ذاتها في قرار القمة العربية الذي عقد في مارس 2002 لتأييد مبادرة السلام السعودية، من المفترض بان تحل مشكلة العالم العربي مع الكيان الصهيوني، وتركز الدراسة على خطأ هذا التأكيد، ويبقى المطلب العربي بعودة كل اللاجئين إلى ما قبل حدود عام 1967 لب الصراع الفلسطيني الصهيوني.

السلطة الفلسطينية

يرى الكاتب أن الموقف الرسمي للسلطة الفلسطينية إبان حكم حركة فتح ومنذ صعود حركة حماس إلى الحكم يتلخص بعدم التنازل عن حق العودة، ويتساءل: هل الفلسطينيون سيرضون بدولة في الضفة الغربية وقطاع غزة غداة الانسحاب الإسرائيلي إلى الخط الأخضر؟ إذ يشير الإصرار الفلسطيني على حق العودة للاجئين، وإنهاء الأغلبية اليهودية في إسرائيل إلى نية عدائية.

كما أن المحافظة على الموروث التاريخي للاجئين من خلال وسائل الإعلام والنظم التعليمية مقصود، من أجل منع التنازل عن حق العودة، فكل الرموز والصور تصور فلسطين كأرض من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن، وهذه الصور لا تشير إلى الدولة الفلسطينية مختزلة بالضفة الغربية وقطاع غزة.

سوريا

تشير الرسالة الرسمية للنظام السوري أن مرتفعات الجولات تتعلق بسوريا، وعلى إسرائيل أن تنسحب إلى حدود عام 1967، بغض النظر عن عقد اتفاقية سلام، ويتوقع أغلبية الإسرائيليين أن يتلقوا في مقابل هذا الانسحاب الهدوء من لبنان، ووفقا للمصادر السورية فان السلام يعتمد على منح إسرائيل” الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني” على أساس عودة الحقوق لأولئك الذين تم تهجيرهم، وهذه التصريحات التي تتردد في الخطاب السوري لها معنى وحيد في المعجم السياسي: عودة لاجئي عام 1948، ومنهم أحفادهم وأحفاد أحفادهم المولودين في سوريا إلى منازلهم الأصلية في إسرائيل.

في الوقت الحاضر، ثمة زهاء 350000 شخصاً بمكانة لاجئين في سوريا، وأغلبيتهم ولدوا في الدولة، ويتبعون للفلسطينيين الأصليين الذين هجروا عام 1948، وتمثل دليلا إضافيا على المطلب السوري بعودة اللاجئين إلى إسرائيل خلال مؤتمر مدريد، فقد أوقف حافظ الأسد نشاطات الهيئة المتعددة الأطراف عندما أدرك الاختلاف بين النظرة السورية والإسرائيلية للهيئة، حيث تفهمت إسرائيل دور اللجنة لإيجاد حل لمشكلة اللاجئين في الدول العربية، بينما اعتقدت سوريا أن اللاجئين يجب ترحيلهم إلى إسرائيل، وقد سار بشار الأسد على نهج أبيه مؤكداً على أهمية حق العودة للفلسطينيين في خطاب له في أواخر أغسطس 2006.

لبنـــان

لقد دافعت الحكومات اللبنانية المتعاقبة على عودة اللاجئين المقيمين في لبنان، ولم تمنحهم الجنسية اللبنانية منذ عام 1948، ووفقا إلى الأونروا فان هذا الرقم تجاوز الآن ليصل زهاء 300000 فلسطينيا، وقد دعم زعيم حزب الله حسن نصر الله هذا الموقف في الخطاب الأخير إبان حرب إسرائيل-حزب الله عام 2006 عندما اتهم إسرائيل أنها تحاول إجبار لبنان على منح الجنسية للاجئين، وقد كرر نصر الله والسياسيون اللبنانيون كلمات أشقائهم العرب بأن السلام مع إسرائيل مشروط بحق العودة للاجئين عام 1948 وأحفادهم.

وتعارض الفصائل السياسية في لبنان إعادة توطين لاجئي عام 1948، ومن أجل عدم إعادة توطين اللاجئين، اذ يمنع القانون اللبناني اللاجئين من العمل في 73 مهنة ويمنع من شراء العقارات، وفتح الأعمال أو تلقى الرعاية الصحية المنظمة، ومن الأهمية بمكان أن نلاحظ بان المسيحيين المارون، الحلفاء الأقوى لإسرائيل في لبنان، من اشد المعارضين لمنح الجنسية لأنهم يواجهون خطرا ديمغرافيا مماثلا.

بالإضافة لذلك فان النظام السياسي اللبناني غير مستقر والسياسة الخارجية الإسرائيلية يجب ان تتوافق مع النظام السوري، ومن غير الواضح هل ستنأى لبنان بنفسها عن الاملاءات السورية في المستقبل، ولهذا فان قضية اللاجئين في سوريا ولبنان بما يقارب 700000 فردا، ينبغي النظر بها كقضية منفردة.

الأردن

وقع الأردن اتفاقية السلام بدون إعادة اكتساب الأرض التي خسرها أمام إسرائيل عام 1967، وقطع الملك حسين الارتباط بين الضفة الغربية والأردن عام 1988، ليقيم ظاهرياً مكاناً لمنظمة التحرير، وبالمقابل تلقي موقفاً خاصاً ومميزاً كحامية للمواقع الإسلامية المقدسة على قبة الصخرة والمسجد الأقصى وهى محاولة أردنية للحصول علي الشرعية الإسلامية للعائلة الملكية الهاشمية.

وقد رفض الفلسطينيون في الأردن اتفاقية السلام التي وقعها الملك حسين لافتقارها لبند حق العودة، إذ أكدت المظاهرات السنوية التي جرت في مخيمات اللجوء الأمل الفلسطيني بأنهم سيعودون إلى بيوتهم في فلسطين التاريخية، واثر هذا الاعتقاد على العلاقات الإسرائيلية –الأردنية.

مصر

لقد قدم الإخلاء الكامل من سيناء سلاماً رسمياً مع الحكومة المصرية، ولكن لم يقضى على الحقد المصري لإسرائيل، فعلى مدار السنين المنصرمة وقعت أكثر من 50 اتفاقية بين البلدين في العديد من الحقول، كالسياحة والزراعة والتعليم والاقتصاد والصناعة والتبادل الثقافي، بيد أن القليل تم تنفيذه نظراً للرفض المصري، وهكذا يعد المصريون المعارضون الأكثر إزعاجا لإسرائيل، وثمة العيد من المبادرات المصرية التي هدفت لتقويض المكانة الدولية الإسرائيلية، من خلال محاولاتها على الدوام تصوير إسرائيل خطرا على المنطقة عبر البرنامج النووي الإسرائيلي.

وتستثمر مصر هذا المسعى لإقناع الأقطار العربية الأخرى ضد إقامة علاقات مع إسرائيل، والموقف الكلى ضد إسرائيل كان وما زال يعكسه الإهمال المصري لمواجهة تهريب ذخائر الأسلحة والمتفجرات إلى قطاع غزة، كما يزخر الإعلام المصري الحر بالإضافة للحكومي بالدعاية المناوئة لليهود وإسرائيل، مذكرة بالدعاية الذي انتهجها النظام النازي، فاحد الأغاني الشعبية الكبيرة في مصر التي غناها المغنى الشعبي شعبان عبد الرحيم كانت بعنوان “أنا بـ كره إسرائيل”.

الخاتمة

وفقا لهذه النظرة في الشرق الأوسط فان أغلبية العرب أنظمة ومجتمعات، تفضل أن يبقى اللاجئون عام 1948 في المخيمات لكي تبرر الحقد على إسرائيل، إذ أن العلاقات بين إسرائيل والجيران العرب لا تحكمها قضية الأرض المتنازع عليها بل قضية حق العودة، ووفقا للموروث التاريخي العربي فان الحل لمحنة هؤلاء اللاجئين لمدة 68 عاماً هي العودة إلى إسرائيل، ويميل المفاوضون الغربيون والإسرائيليون إلى وضع قضية اللاجئين تحت الطاولة، فبالنسبة لهم اللاجئون من دون وجه وأرض واسم، ولكن للمجتمعات العربية المجاورة لإسرائيل فان قضية اللاجئين لها شائكة وشخصية.

وأولئك الذين يقولون بان اللاجئين يتفهمون بأنهم لن يعودوا إلى إسرائيل لا يستطيعوا أن يوضحوا الوجود المكثف لمخيمات اللاجئين، والإقامة المطولة للاجئين هناك في ظل ظروف مهينة وإهمال حاد، كما أن المتحدثين الإسرائيليون الذين يؤمنون بان عودة الأرض سيجلب السلام إلى المنطقة عليهم أن يحللوا ويفهموا ما يقال في الإعلام والشارع العربي.

ووفقا للخطاب العربي الجماهيري فان تقويض الصلاحية القانونية والأخلاقية لحق العودة للفلسطينيين هو سابقة خطيرة وخيانة للشعب الفلسطيني والأمة العربية، ففي السياسة العربية صون حق العودة يعزز صلاحيته وينظر إلى إغلاق مخيمات اللجوء كعمل ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه، وثمة القليل من العرب الجاهزين للقبول بالموقف الإسرائيلي بغض النظر عن اللاجئين، وهناك تباين بسيط في الرأي بين الأحزاب الوطنية العلمانية والجماعات الإسلامية المتدينة، وعادة يتواجد القليل من هؤلاء المثقفين الذين يعترفون بالموقف الإسرائيلي في الأقطار الغربية، لكن تأثيرهم في العالم العربي قليل.

فإذا حدث الانسحاب الكامل من الجولان والضفة الغربية ومن ضمنها القدس، فإن إسرائيل ستحبط بشكل كبير لتكتشف بان المشكلة الأساسية بين إسرائيل وجيرانها، مشكلة وجودها لم تحل بعد، وستستمر لتشكل تركيز الصراع، وإذا أصرت على الحفاظ على الهوية اليهودية للدولة فلن تتمكن من تحقيق السلام، وبدلاً من النظر إلى الداخل وتلطيف أجواء الشرق الأوسط، فلابد على إسرائيل أن تتفهم جيرانها خصوصاً اللاجئين والدول والمجتمعات التي تستضيفهم.

 

 

 

 

 



1) مركز السادات-بيغن للدراسات الإستراتيجية.

2) د. مردخاي كيدر، محاضر فى قسم اللغة العربية في جامعة بار ايلان وزميل أبحاث في مركز السادات –بيغن للدراسات الإستراتيجية، متخصص فى النهج السياسي العربي، ووسائل الإعلام العربية والجماعات الإسلامية، والساحة السورية، وسبق له أن خدم خمسة وعشرين عاما في جهاز الاستخبارات العسكرية الصهيونية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات