فيلم «شكيد» يثير زوبعة في العلاقات المصرية – الإسرائيلية

نشرت القناة الأولى بالتليفزيون الإسرائيلي فيلًما يسمى «روح شكيد» يكشف عن قتل وتعذيب الأسرى المصريين إبان «حرب يونيو 1967» بلا رحمة كما يظهر لأي مدى يفكر الجنود الإسرائيليون في الانتقام من العرب وخاصة المصريين.

بدأت القصة عندما نشرت القناة فيلم «روح شكيد» الذي صور إبان حرب 67 أثناء قتل 250 من الأسرى المصريين، قيل إنها رد من الموساد على كشف المخابرات المصرية لشبكة تجسس تضم مصريا و إسرائيليين يعملان لصالح «إسرائيل» داخل وخارج مصر، وأظهر الفيلم كيف يتعامل الجنود الصهاينة بوحشية مع الجنود المصريين الُعزل والذين كانوا قد ألقوا سلاحهم في طريق عودتهم بعد وقف إطلاق النار.

على الفور غلى الدم في عروق المصريين وانتفض مجلس الشعب غضبًا، ووصف عدد من نواب المجلس وزير البنى التحتية الإسرائيلي الحالي بنيامين بن أليعازر المسؤول عن الوحدة التي قامت بهذه العملية الوحشية بـ«الكلب» وطالب آخرون برأسه وطرد السفير الإسرائيلي ووقف العمل باتفاقية «الكويز» الموقعة بين الحكومة الإسرائيلية والمصرية، فيما اكتفت وزارة الخارجية باستدعاء السفير الإسرائيلي شالوم كوهين إلى مقر الوزارة والاستفسار منه عما حدث، وبديهيا نفى السفير الصهيوني جملة وتفصيلا صحة ما ورد في الفيلم مؤكدًا أنهم أشخاص فلسطينيون وليسوا مصريين، ولم يكتف بذلك بل اتهم مجلس الشعب بـ«فبركة» القضية برمتها.

ولم يجد رئيس المخابرات المصري عمر سليمان بدًّا من أن يؤجل زيارته إلى «تل أبيب» لبحث كيفية الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير لدى المقاومة الفلسطينية «جلعاد شاليت»، كما طلب من وزير البنى التحتية بنيامين بن أليعازر تأجيل زيارته إلى مصر والتي كانت مقررة خلال الأسبوع المقبل إلى أجل غير مسمى.

وقال بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة للدراسات الحقوقية: «المشكلة في مقاضاة مرتكبي الجرائم الإسرائيلية ضد الأسرى المصريين أثناء حربي 1967 و1973، تكمن في أن الحكومة المصرية لا يتحرك لها ساكن تجاه هذه القضية، سواء داخليا أم دوليا، خاصة أنها لم توقع على اتفاقية المحكمة الجنائية».

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة: «الكشف عن هذه المذبحة ليس جديدا فهذا الأمر معلن منذ أيام إسحق رابين ولم نطالب وقتها بأي شيء في ظل الأبعاد السياسية والقيود المفروضة على حركة النظام السياسي المصري».

وأضاف: «ستضع الحكومة ودناً من طين وأخرى من عجين للتعامل مع هذا الأمر، وقد يأتي ممثل الحكومة في البرلمان ليلقي تبريرات أو حتى مزايدات على الأعضاء، ولكن سينتهي العرض بلا شيء».

وقال أستاذ الدراسات العبرية بجامعة الأزهر الدكتور محمد أبوغدير في موضوع إثارة قضية «شاكيد»: «هذا الموضوع معروف منذ أكثر من 50 عاما ولكن لا أحد يسمع أو ينفعل بما يقال على المستوى الرسمي، لدرجة أن الضابط الذي كشف عن المذبحة منذ سنوات أبدى تعجبه من التجاهل المصري الرسمي لها».

وأضاف ساخرا: «يبدو أننا أناس طيبون ونتسامح في كل شيء حتى أرواح أسرانا، رغم أن القضية موثقة بالأدلة والبراهين»، مشيرا إلى انتظار قضية أخطر تأتي قريبا وهي «مطالبة اليهود بممتلكاتهم في مصر»، وتابع: «هذا ما تعكف عليه حاليا رابطة «يهود مصر» بالولايات المتحدة التي انتهت بإحصاء جميع ممتلكات اليهود في أرض مصر، وهذه المعلومات يتم تجميعها منذ سنوات، والحل لمواجهة أي تحرك في هذا الاتجاه يجب أن يكون بسياسة الهجوم خير وسيلة للدفاع، أي بالمطالبة بالأوقاف المصرية في فلسطين والتي تتعدى قيمتها مليارات الجنيهات».

واعتبر الدكتور السيد عوض عثمان الخبير في الشؤون العربية أن إثارة قضية «شاكيد» تهدف إلى تجميل «إسرائيل» مثلما يحدث في الولايات المتحدة ليبدو الأمر وكأنه إفراز للديمقراطية.

وقال عثمان: «وفي سياق أشمل وأعمق نستطيع القول إن إثارة القضية دلالة على ما يسمى تيار المؤرخين الجدد في «إسرائيل» الذي يقدم روايات جديدة للكثير من الأحداث في تاريخ «إسرائيل» برؤية تختلف عن الروايات الرسمية وتأتي مذبحة «شاكيد» في هذا السياق، والرؤية المتحكمة هنا هي الإيحاء بأن هذا السلوك فردي بحصره في شخص «بنيامين بن أليعازر» الوزير الحالي وقائد وحدة شاكيد آنذاك».

وأضاف: «الأهم في ذلك هو التغطية على موروث ثقافة العنف المتأصلة في الشخصية الإسرائيلية، التي ارتبطت بنشأة الدولة العبرية من زاوية كونها حركة استعمارية استيطانية إحلالية، وبالتالي فإن سلوك العنف في هذه الثقافة هو تعبير عن ضمان الوجود، أي أن الإسرائيلي يتجذر فوق تراث الآخرين».

وأشار عثمان إلى أن هناك حراكاً في «إسرائيل» حالياً لكنه لا يتناول مبدأ نشأة الدولة على فكرة العنف والاستيلاء على أراضي الغير، باعتبارها حالة استثنائية ارتكبت فيها «إسرائيل» ما ارتكبت بدافع إنشاء الوطن.

وأضاف عثمان: «الرواية الجديدة لمذبحة الجنود المصريين في حرب ؟؟، تتفق مع الروايات الشعبية المصرية التي تقول إن «إسرائيل» ارتكبت جرائم إبادة ضد الإنسانية في حربي 1967 و1973 مثل سير الدبابات على جماجم الجنود المصريين، أو تركهم في العراء دون ماء أو طعام حتى الموت، بجانب إذلال بعض الأسرى من خلال تبادلهم مع بطيخة أو زجاجة مياه غازية للدرجة التي كان فيها الإسرائيليون يقتلون الأسير إذا لم تكن البطيخة حمراء».

وأكد أن المصريين يجب أن يلاموا لأنهم لم يتعودوا على توثيق قضاياهم، ومنها المذابح التي ارتكبتها «إسرائيل» ضدهم، لأن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم وما ليس متاحاً اليوم قد يكون متاحاً غداً، ومن ثم فلابد من توثيق مثل هذه القضايا بجهد شعبي وبدعم حكومي، من خلال مبادرة لإثارة القضية يتم فيها تجميع كل القرائن والدلائل على الممارسات الإسرائيلية.

ومن جانبه قال الكاتب السياسي أمين المهدي: «إن الحكومة المصرية لا تستطيع فتح أي ملف في الحرب مع «إسرائيل» لأنها لا تملك أي سجلات لضحايا هذه الحرب منذ عام 1948، فمصر لا تعرف أصلا ضحايا حروبها مع «إسرائيل» حتى الآن».

وأضاف: «حرب مثل حرب 1967 لم تفتح ملفاتها حتى الآن، وعندما كنت أبحث عن مادة متخصصة لكتابي عن الصراع العربي – الإسرائيلي لم أجد محاضر الهدنة في حرب 1948 في الأرشيف المصري ووجدتها في الأرشيف الصهيوني والأمم المتحدة».