الخميس 08/مايو/2025

الهجرة المعاكسة والتغيرات الديمغرافية في إسرائيل

الهجرة المعاكسة والتغيرات الديمغرافية في إسرائيل
منذ مطلع الألفية الجديدة، باتت ظاهرة الهجرة المعاكسة من (إسرائيل) والاستقرار نهائيا خارجها تشكل كابوسا حقيقيا للسياسيين الإسرائيليين. ولقد وصل الأمر بإسحق رابين، رئيس الوزراء الأسبق، إلى وصف المهاجرين من إسرائيل بأنهم “أحقر أنواع الطفيليات”، فيما اقترح زعيم حزب الليكود الحالي بنيامين نتنياهو فرض غرامات على الإسرائيليين عن كل يوم يقضونه خارج إسرائيل، بل وحرمان كل من يقضي سنتين وأكثر من أية مساعدة مادية حكومية. غير أنه في سياق مضاد، أظهر استطلاع أجراه المجلس الصهيوني أن أعدادا كبيرة من الإسرائيليين يفكرون أكثر من أي وقت مضى بمغادرة الدولة العبرية. بل أن نتائج الاستطلاع أكدت أن 50% من الإسرائيليين العلمانيين فكروا مؤخرا بالهجرة من إسرائيل أو هم التقوا بإسرائيلي هاجر أو يفكر في القيام بهذه الخطوة. ومما يجدر ذكره أن “لجنة الهجرة والاستيعاب والشتات” في الكنيست الإسرائيلي، وفي جلسة خاصة في (7 أكتوبر 2006) بحثت هذه الظاهرة “المقلقة”، حيث ذكر موقع صحيفة “يديعوت أحرونوت” الالكتروني في اليوم نفسه أن الإحصاءات التي عرضت في اجتماع “اللجنة” تؤكد أن عدد المهاجرين الإسرائيليين من أصول أوروبية شرقية هو خمسة أضعاف عدد المهاجرين الإسرائيليين من “أصول إسرائيلية”. وبحثت اللجنة، في دراسة أعدتها وزارة الهجرة والاستيعاب، وضع المهاجرين إلى إسرائيل من دول المنظومة السوفيتية السابقة بين عامي 1989 – 2002، حيث بينت تلك الدراسة أن نسبة 7.4 في المئة من هذه الشريحة عادت وغادرت إسرائيل خلال الفترة نفسها قياسا إلى نسبة 1.5 في الألف من الإسرائيليين المولودين في إسرائيل، وأن عدد الذين غادروا إسرائيل في الفترة المذكورة بلغ (72) ألفا من أصل (939) ألفا كانوا قد هاجروا سابقا إلى الدولة العبرية.

المخيف بنظر دوائر صنع القرار الإسرائيلي أن المهاجرين هم أساسا من فئة الشباب (25-42 سنة) وغالبيتهم العظمى من حملة الشهادات الجامعية. فقد أظهرت الدراسات أن من الأسباب الرئيسية لهجرة الإسرائيليين، بالإضافة إلى الاعتبار الأمني، وتدهور الاقتصاد، وارتفاع معدلات البطالة، وعنصرية وفوقية المتدينين، رغبة الطلبة والباحثين في متابعة دراستهم في الخارج حيث الظروف أفضل مما هي في إسرائيل، وأن العديد من الطلبة الذين يتخرجون من الجامعات الأجنبية يعودون إلى إسرائيل لكنهم لا يندمجون في الثقافة الإسرائيلية ويفضلون العودة إلى الدول التي اعتادوا على ثقافتها وأنظمتها، سواء الاجتماعية أو المالية. ورغم أن هناك تعتيما على الهجرة المعاكسة، إلا أن “الوكالة اليهودية” اعترفت ضمنا أن الهجرة من إسرائيل مستمرة، حيث قالت في تقرير حديث صدر في (الأول من يناير 2007) أن نسبة اليهود الذين يهاجرون سنويا إلى إسرائيل من أنحاء العالم قد انخفضت بعد العدوان على لبنان بشكل يثير الانتباه والقلق. وحسب هذا التقرير، وصل مستوى ذلك الانخفاض إلى درجة لم يكن لها مثيل خلال الثمانية عشرة سنة الأخيرة. كما أن صحيفة “هآرتس” نشرت في (7 يناير 2007) دراسة قام بها “مركاز شالوم” (مركز السلام) في القدس أكدت أن “العقول المفكرة والخبراء والباحثة تفر إلى خارج البلاد”، وأن إسرائيل أصبحت “الدولة رقم واحد في تصدير العقول إلى الولايات المتحدة قياسا بالنسبة السكانية”. وقد قال البروفيسور عومر مؤاف، الذي أشرف على هذه الدراسة، انه “من الخطأ قبول الاصطلاح الشائع أن هذه العقول تسافر إلى الولايات المتحدة لمدة سنتين أو ثلاث سنوات ثم تعود. الواقع، أن الأغلبية الساحقة من هذه العقول تبقى خارج البلاد”. كما أشارت الأرقام التي وردت في هذه الدراسة إلى أن: “96% من العقول المهاجرة قد بقيت في الخارج”، وأن نسبة الهجرة هذه قد زادت في أعقاب عدوان يوليو العام الماضي ضد لبنان.

يختلف الزعماء الإسرائيليون في تقييمهم لظاهرة الهجرة المعاكسة. فقد حمل أقطاب المعارضة حكومة ارييل شارون السابقة المسؤولية. إذ نقل عن الدكتور يوسي بيلين قوله إن سياسة الحكومة إزاء الفلسطينيين “أدت إلى إجبار أفضل سكان إسرائيل وأذكاهم على الهجرة منها، كما منعت من هو خارجها من العودة مرة أخرى”. بل أنه استهجن استقرار أبناء عدد من كبار المسؤولين الحاليين والسابقين نهائيا خارج إسرائيل، وعلى رأسهم: ابن ناتان فلناي، أحد قادة حزب أفودا ووزير العلوم والثقافة والرياضة السابق، وكذلك ابن رئيس بلدية تل أبيب السابق روني ميللو، وأيضا ابن الوزير دان ميريدور، وكذلك ابن رئيس الوزراء الحالي والوزير آنذاك إيهود أولمرت، إضافة إلى ابن الوزير السابق بنيامين بن أليعازر، وحفيد إسحق رابين، ناهيك عن ابن إيهود باراك. إلا أن “الأخطر” هو الخوف الإسرائيلي من التغيرات الديمغرافية المتوقعة في عدد السكان داخل فلسطين 48 والضفة الغربية وقطاع غزة، مما سيفقد اليهود الأغلبية لصالح الفلسطينيين. وفي إطار الخطوات العملية لتدارك هذه التغييرات، حث زعيم حزب “شاس” إيلي ييشاي على تهجير المزيد من يهود العالم لاستعمار فلسطين. كما دعا إلى إجراء نقاش عام حقيقي لدراسة الخطوات الواجب اتخاذها للمحافظة على الأغلبية اليهودية في فلسطين المحتلة، مشيرا إلى أن من بين المقترحات المطروحة تغيير قانون العودة وإقامة سلطة لشؤون الهجرة وتشجيعها، إضافة إلى إلغاء إجراءات قانون لم شمل العائلات الفلسطينية.

وكان رئيس مجلس الأمن القومي في إسرائيل عوزي دايان عرض أمام “لجنة الخارجية والأمن” في الكنيست الإسرائيلي توقعات ديمغرافية تشير إلى أنه بعد نحو 20 عاما لن تكون هناك أغلبية يهودية في فلسطين المحتلة. وحسب المعطيات التي عرضها دايان فإن خمسة ملايين يهودي يعيشون حاليا بين البحر والنهر، بينما سيعيش في نفس المنطقة والأرض 15 مليون شخص يشكل اليهود منهم 45% فقط. وهذا التطور الأخير أكدته دراسة أعدها البروفيسور أرنون سوفر من جامعة حيفا، وأشار فيها إلى أن الوضع السكاني بين اليهود والعرب يقترب بسرعة من حالة التعادل، إذ مقابل خمسة ملايين يهودي يوجد الآن 1.2 مليون فلسطيني في الـ “48”، إضافة إلى 1.2 مليون فلسطيني في قطاع غزة و2.8 مليون في الضفة الغربية. ويعتقد البروفيسور سوفر أن عدد اليهود سيصل في العام 2020 إلى 6.3 مليون نسمة تقريبا على افتراض ارتفاع الهجرة إلى إسرائيل بحجم 50 ألف يهودي في العام، علاوة على التكاثر الطبيعي القائم في إسرائيل حاليا بينهم 2.1 مليون عربي داخل حدود “48”، و2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة، و3.3 مليون فلسطيني في الضفة الغربية. وبالإجمال سيكون هناك ثمانية ملايين فلسطيني في المنطقة الواقعة بين البحر والنهر مقابل 6.5 مليون إسرائيلي فقط في عام 2020، وحبل التزايد الفلسطيني على الجرار!
 

* صحيفة الشرق القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يفرج عن 11 أسيراً من غزة

الاحتلال يفرج عن 11 أسيراً من غزة

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، عن 11 أسيرا فلسطينيا من غزة، حيث تم نقلهم إلى مستشفى شهداء الأقصى في...

10 أعمال للمقاومة في الضفة خلال 24 ساعة

10 أعمال للمقاومة في الضفة خلال 24 ساعة

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام تصاعدت أعمال المقاومة بالضفة الغربية المحتلة، خلال الـ 24 ساعة الماضية، ورصد مركز معلومات فلسطين "معطى"، تنفيذ...