السبت 10/مايو/2025

انتظروا أيمن فجاءتهم شؤمته!

رشيد ثابت

أقسم بالله العظيم أنني لو لم أكن منتميا لهذا الشعب الأعزل المعتدى عليه والمخذول من قومه لأعلنت انتمائي له لفرط ما ناله من عدوان وظلم وعسف وجور؛ ولارتفاع همته رغم كل ذلك في رد العدوان والتصبر له والمصابرة والمرابطة…

وأعجب ما يلفت النظر في عظمة هذا الشعب أنه مقاوم مجاهد ثائر بالفطرة وبشكل مطبوع لا تكلف فيه؛ وفيه استبسال نادر لا مثيل له…

ينقل الحاج أمين الحسيني في مذكراته عن محمد رستم حيدر وزير المالية العراقي السابق أنه كان راجعا من أوروبا صيف العام 1939 فقال:” لقد كنا في زياراتنا الماضية نتحاشى التظاهر بأننا عرب؛ لكننا هذه المرة بعد جهاد عرب فلسطين وبطولتهم التي طبق ذكرها آفاق أوروبا أصبحنا نفخر بعروبتنا وصرنا نلقى من الأوروبيين كل إجلال واحترام.”

أما هتلر “الفوهرر” الشهير فقد نقل عنه خالد القرقني مستشار الملك عبدالعزيز آل سعود في مقابلة رسمية معه عام 1938 أنه معجب كل الإعجاب بكفاح عرب فلسطين وبسالتهم. بل مالنا وللمستشار خالد؛ ولنتذكر البيان الرسمي المسجل للخطاب الذي وجهه هتلر لألمان اقليم “السوديت” المكافحين للاستقلال عن “تشيكوسلوفاكيا” من حيث يقول:” اتخذوا يا ألمان السوديت من عرب فلسطين قدوة لكم! انهم يكافحون انجلترا أكبر امبراطورية في العالم واليهودية العالمية معا ببسالة خارقة؛ وليس لهم في الدنيا معين أو نصير! أما أنتم فإنني أمدكم بالمال والسلاح؛ وألمانيا كلها من ورائكم!”

“ليس لهم في الدنيا معين أو نصير”…كاد أن يصدق هتلر!

والحقيقة أنني لو ثبت الآن كل ما تحت يدي من مواد تمتدح بسالة هذا الشعب وقوته؛ ما بين ثناء أحمد باشا التركي قائد بلاد الشام للعثمانيين مشيدا بصمود لواء غزة في الحرب العالمية الأولى؛ وبين كلام “ويلسون” قائد القوات البريطانية الأسبق في البحر المتوسط عن الوزن النوعي للثائر الفلسطيني؛ لرأى القارئ عجبا بخصوص الجسارة التي يتحلى بها هذا الفريق من الأمة في مواطن الرجال والقتال والجهاد والصمود!

ولأن هذا الشعب كذلك؛ فانه يسارع بالانحياز الفطري التلقائي لكل من اشتهر عنه خصام أعداء الأمة؛ لا الآن وحسب بل منذ القدم…

ففي العام 1882 نقل قناصل الدول الغربية من يافا في تقاريرهم لبلادهم أن عرب المدينة حانقون غاضبون ثائرون للهزيمة التي حلت بجيش أحمد عرابي في معركة التل الكبير في مصر والتي خضعت مصر بعدها لاحتلال بريطاني غاشم طويل ثقيل.

وفي العام الماضي عام 2006 شاهدنا كيف أن صورة حسن نصر الله واسمه باتا الأكثر انتشارا على ألسن الفلسطينيين ومآقيهم في الداخل والخارج؛ صغارا وكبارا؛ رجالا ونساء!

إذا هو شعب مقاوم مجاهد باحتراف ينحاز للبطولة والمقاومة والجهاد أنى كانت…

وهذا الشعب إذ ينحاز لكل من حمل لواء المقاومة والجهاد فانه يقف مع كل من خاصم أعداء الأمة كما تقدم؛ ولو كان خصامه هذا بالكلام وشقشقة للسان؛ فكان بعض أهل الضفة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي يتحدون نظام حلف بغداد بتسمية أولادهم بجمال حينا؛ وعبد الناصر حينا آخر! وكان أي زائر أو عابر سبيل أو موظف مبتعث من مصر يمر من فلسطين يلقى كل تكريم ومتابعة وبجود حاتمي عز نظيره؛ حتى سمع الكاتب نقلا عن ثقات أن ممثل الأزهر في مدينة نابلس في تلك الأيام كان لا يأكل في بيته أبدا؛ وكان يحل ضيفا على الناس حتى لطعام الإفطار في الصباح!

أما من لم يعش تلك الأيام؛ فحسبه أن يتذكر العشق العاطفي المفرط من الفلسطينيين لصدام حسين؛ إكراما لكلمة “والله لحرق نص اسرائيل”! أما حين سقطت صواريخه في تل أبيب؛ وقتلت من الصهاينة ما هو أقل من نصف عديد من تقتلهم عملية استشهادية واحدة؛ فقد صار الرجل قديسا في الوطنية ونصرة الأمة بروحانية صوفية؛ رغم منطلقاته الفكرية القومية العلمانية التي لا تخفى على أحد؛ وصار صدام حبيب هذا الشعب؛ رغم الآثار السلبية الجمة التي ترتبت على أحوال الفلسطينيين بسبب حرب الكويت عام 1990 وبما لم يعد خافيا على أحد.

لكن من كانت المقاومة والجهاد ديدنه وشغله الشاغل فهو يصنع ما صنع الفلسطينيون؛ ولا يقيم وزنا لغير وقفات الأحرار أو ما أشبهها من الوقفات بإخراج مصنوع يصدق أو يكذب!

ثم كانت القاعدة!

وكان يكفي الشيخ أسامة بن لادن أن يقسم باسم فلسطين قسما عشية حرب أمريكا على أفغانستان – اقسم بالله العظيم أن لا تعيش أمريكا في أمان حتى يعيشه أهلنا واقعا في فلسطين؛ أو كما قال – ليصير الرجل وحزبه إماما في أعين الناس في فلسطين؛ يشيعون ذكره بالدعاء والثناء؛ ويترقبون تسجيلاته وتسجيلات صاحبه أيمن؛ ويقومون الليل ركعا سجودا بكيا إن سمعوا أن أحد الرجلين حوصر في خندق أو جبل؛ ويفرحون لنجاتهما إن قيل إنهما انسلا من حصار ضرب عليهما!

فعل الفلسطينيون ذلك بعاطفة دفاقة ساخنة لا تعرف الحدود؛ ولا تقبل أن تقف وقفة حساب أو عتاب مع المجاهدين الذين غفلوا عنها عقودا طوال؛ فهل بين الطيبين حساب؟ وهل بين الجهاديين عتب؟ هكذا قال الفلسطينيون!

هكذا أحبوا أسامة وأيمن دون أن يسألوا أين الذي ضرب أمريكا عن ضرب عدونا؛ وأين الذي يرسل المقاتلين في أربع أركان الأرض ولا يمر من فلسطين؛ وأين الذي يرانا تتكسر فينا النصال على النصال؛ ونفرغ من جنازة قائد لنجهز جنازة غيره ولا يجلب علينا بخيله ورجله؟ حياؤهم ورحمتهم الوثيقة بالجهاد تمنعهم من التساؤل؛ وأمل منهم يدفعهم بحسن ظنهم للاعتقاد أن مدد القاعدة قادم؛ وأن ما يدخره القوم ليهود هو ضربة كبرى ستمحو ذكر ما قبلها من الضربات!

وحتى إذا استعر أوار الحرب على فلسطين ومقاومتها وجهادها – وحماس عموده ولواؤه – كان أمل الفلسطينيين المستضعفين بنصر ومدد يأتيهم من إخوانهم لا ينقطع يوما ولا يخبو!
لا يعقل أن يرانا إخواننا نقصف ونموت ونقتل ولا مدد!

لا يمكن أن نجوع ونحاصر لننطق بكلمة الكفر الوطني والشرعي ولا يقوم من ينقض صحيفة بوش!

فلما بلغ أملهم هذا حده وتعاظم رجاؤهم في أمثال الظواهري جازاهم أيمن جزاء سنمار وبالغ في الإساءة إليهم!

أملوا في يمنته ففجأهم بشؤمته!

فقد ظن الفلسطينيون في الظواهري خيرا وبالغوا في احسان الظن؛ ولم يقرأ أكثرهم ما في فكر الجماعة من استعلاء إقصائي يسلب عن رايتهم صفة الراية الإسلامية! ولعل كثيرا منهم بكى الشهيد “أبو أنس الشامي” – المنظر التشريعي للقاعدة في العراق – لكن معظمهم ولا شك لم يسمع بما قاله الرجل في شيخهم وشيخ جهادهم اذ يصف الشامي الشيخ الشهيد أحمد ياسين بالنموذج الجهادي المدجن! الله ما أقساها وأقبحها من كلمة تزن الجبال بما حوت من كراهية واستعلاء؛ ولو مزجت البحر لمزجته وعكرته وقتلت ما فيه من حياة! كلمة باطل وغلو في حق رجل بأمة؛ ومشاتمة في حق قعيد سيكتب التاريخ لاحقا أنه كان أحد عوامل قليلة تركت هذا الجيل من الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها!

هذا طبعا غيض من فيض من الكلام الجارح والآراء الاقصائية الملغية للآخرين في الساحة الإسلامية؛ والتي تصدر عن مدرسة “أبو أنس الشامي” وأقرانه؛ لكن تسجيل الظواهري الأخير كان نهاية الأرب في الإقصاء والعدوان السافر على حماس؛ عنوان الجهاد الفلسطيني الأول وعمود الإسلام في فلسطين!

فلم يختر الظواهري فقط أن يعقب الفلسطينيين السوء في أنفسهم ومقاومتهم وجهادهم؛ بل بالغ في التخلي عن خلق المسلم؛ ومروءة العربي؛ وحكمة القائد؛ وكياسة السياسي؛ وطلق كل ذلك طلاقا بائنا واشترى به ثمنا بخسا قليلا من المزايدة الرخيصة؛ وتسجيل موقف تلفزيوني مجاني لا يتحمل منه أي مسؤولية ولا يغرم عليه أية تبعات؛ بل اشترى عارا مقيما بالتعرض لحركة تضطلع بمهمة صيانة الحق الإسلامي في فلسطين؛ وتحظى بتأييد عارم من شعبنا وتقدير الأمة الإسلامية من مراكش الى جاوة.

فما الذي ينفع الإسلام والمسلمين حين يتم هدم حركة المقاومة الكبرى في فلسطين؟ وهل يغيب عن المتصدر لزعامة الأمة تبعات تخوينه لهذه الحركة وما يعنيه ذلك في فقهه من تكفير لها؟ وأي رأي فاسد قاده لهذا القرار المضر بالأمة والأقصى والجهاد؟!

وقد يتذرع البعض بالقول أن الرجل لم ينل إلا من حماس؛ فلأي شيء يظن أنه يسيء للفلسطينيين جملة؟ وهذا لعمري ذهول محض؛ لأن حماس كعميد لمشروع المقاومة باعتراف العدو والصديق باتت متماهية مع المشروع الجهادي في فلسطين؛ وأي طعن فيها هو طعن في المشروع الجهادي. أما تلاهي الأطفال بخصوص التفريق بين قادة حماس المجرح فيهم وباقي كوادر الحركة فحجة أسقط من الأولى؛ لأن حماس المؤسسة لم ينفرد قادتها بقرار دون شورى انتظمت كل العناصر في الداخل والخارج؛ أحرارا ومعتقلين؛ والطعن في القادة دون الكوادر يشبه حز الرقبة بسكين ماضية؛ فيما يكيل الجزار عبارات المديح للقلب والساعدين والكتفين!

الظواهري الذي لم يجلب على فلسطين بخيله ورجله بأي شيء يمتلك شرعية التوجيه؟ بأي شيء امتلك حق إسداء النصيحة وهو المقصر في حق فلسطين؟ فان كان له أن ينصح؛ فهل هكذا تكون نصيحة المؤمن فضيحة في العلن؟ وهل سبق كلامه العلني هذا نصح في السر؟ وهب أن حماس أخطأت – جدلا وفرضا – فهل تدفعها للخطأ دفعا وتعين عليها الشيطان بأن تقطع أملها من الصلاح وتسمها بالخيانة والكفر؟
الحمد لله الذي طهر حماس مما أثقل قلبك بأدران الحقد والضلال؛ فليست تقيم لشتائمك وزنا!

المؤمن الحق يا أيمن لا يصنع هذا الفعل المريض؛ ولا تغلي مراجل حقده إلى الحد الذي يسارع للفرح بسقوط أخيه – ألا بعدت أمانيكم في أن تتعطل مسيرة حماس – ويكون رجلا شهما ذا مروءة وخلق؛ لا لئيما وضيعا يرفع خسيسته بشتم الكبار ورجمهم – الكبار الذين ما كانوا لينزلوا لمستوى خطاب صاحب الكهف؛ الهابط جدا في مبناه ومعناه!

المؤمن الحق يعين أخاه المجاهد بالدم والمال؛ فان لم يستطع فانه يدعو له؛ فان رابه منه ريب فانه يعذره؛ فان لم يستطع فانه يسكت عنه؛ فان لم يستطع فانه يسأل ربه أن يميته فيرتاح المجاهدون والناس من سلاطة لسانه وقلة نفعه!

المؤمن الحق لا يفيض على إخوانه قيحا بجهله بأبسط معطيات ما أفتى فيه بتكفير الجيل المعاصر من الطائفة المنصورة في أكناف بيت المقدس؛ فيقدم مرافعة ركيكة جعلت للاحترام فضلا على الالتزام بما كان سيقر عين أولمرت لو كان حقا!

بيد أن اول

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات