آفاق التسوية السلمية في ظل حكومة الوحدة..!!

أثار الخبر التالي شجون الكتابة في قلمي لما يحمل هذا الخبر من تفاؤل وهمي بقرب انطلاق عملية التسوية مرة اخرى في المنطقة في الوقت الذي تواصل فيه امريكا القاء الحطب الغليظ في افران محرقتها الدموية في لبنان وفلسطين والعراق وقريبا في ايران.
واضاف الخبر: أن الملك عبد الله سيقوم بزيارة الى الولايات المتحدة في النصف الاول من الشهر القادم، وأن الرياض تبذل جهودا منذ الآن للحصول على دعم عربي للخطوات التي تنوي اتخاذها والقيام بها بعد القمة العربية، و أن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية والتوصل الى وقف لاطلاق النار بين الفلسطينيين والاسرائيليين لفترة زمنية طويلة سوف يساعد الرياض في تسويق أفكارها في امريكا والساحة الدولية لحل الصراع العربي الاسرائيلي.
واستطرد الخبر: أن بعض المصالح التي ترغب الولايات المتحدة في الحفاظ عليها في المنطقة قد تدفع ادارة الرئيس جورج بوش الى التعاون مع الخطة السعودية لدفع عملية السلام الى الأمام، وفي مقدمة هذه المصالح والقضايا العالقة التي تسعى أمريكا للحصول عليها، الوصول الى حل للمسألة العراقية التي تؤرق واشنطن” انتهى الخبر، ولم تنته التساؤلات المحيرة حول مصداقية النوايا الامريكية التي لا تتطابق ومخططاتها في المنطقة المبنية على ضمان مصالحها ومصالحها فقط.
وللوقوف على حظوظ الخبر من المصداقية لابد لنا من اطلالة على شيء من تاريخ عملية التسوية للقضية الفلسطينية.
ورغم ذلك تثبت الوقائع التاريخية ان مشروع التسوية العلنية الذي انطلق في مدريد عام 1991م لم يتمكن حتى الان من الوصول الى تسوية للقضية الفلسطينية خاصة فيما يتعلق بإحقاق الحقوق والتنمية والازدهار التي بشر بها اتفاق اوسلو الذي كان مهندسه الرئيس محمود عباس.
وفوق ذلك بقي الاحتلال والهيمنة والاذلال، لذلك بقيت اتفاقات مثل اوسلو 1993 واتفاقات وادي عربة 1994 مجرد حالات مؤقتة ونسبية، ولم تمنعا اندلاع عدد من الهبات الجماهيرية التي توجت بانتفاضة الاقصى.
لا يختلف المحللون في ان اتفاقات اوسلو السرية جاءت لانهاء الانتفاضة الفلسطينية الاولى التي اندلعت عام 1987 عن طريق اعادة احياء منظمة التحرير التي كانت في اضعف حالتها لتقف في جه المد الاسلامي الذي قادته حركة حماس التي وقفت بكل قوتها خلف الانتفاضة ونفذت خلالها اعنف العمليات الاستشهادية داخل الكيان الصهيوني ما طرح تساؤلات حقيقية حول مستقبل وجود الكيان الصهيوني.
فمشروع مدريد لم يكن قادرا على تحقيق السلام نظرا لانطلاقه من قاعدة تحقيق تسويات مؤقتة تحقق الامن لاسرائيل وتساعدها على الاندماج في محيطها العربي، ودون ان تغير اسرائيل اي من سياساتها التوسعية والاستيطانية والتسليحية، لذا فقد استحقت مدريد وصف العملية غير كاملة التصميم من حيث المبدأ.
لذا فقد رأينا ان عملية التسوية مرت ومنذ انطلاقتها وحتى اليوم بسلسلة غير منقطعة من الازمات على مدى كل ثلاثة اشهر تقريبا، تراوحت هذه الازمات بين ازمة تفاوضية وبين انقطاع لعملية التفاوض وصولا الى انقطاع الاتصال، وقد ارتبط ذلك بعدة عوامل، منها تغيير الحكومات في اسرائيل حيث تعيد كل واحدة منها تعريف عملية التسوية حسب وجهة نظرها، وقد تمثل ذلك في عدد من المؤتمرات منذ واي ريفر او واي بلانتيشن الى شرم الشيخ وطابا.
كما يلاحظ ان اغلب الاتفاقات التي نتجت عن هذه الاتفاقات لم تطبق اسرائيليا لا كليا ولا حتى جزئيا الا بما يخدم السياسية والمصلحة الاسرائيلية، حيث كانت اسرائيل تفسر بنود هذه الاتفاقيات وفق مصالحها.
اما على الصعيد الفلسطيني فلم يحقق رعاة عملية التسوية أي انجازات استراتيجية، فعلى صعيد ملف النازحين، لم يتمكن مشروع اوسلو من اعادة الا 120الف نازح من اصل اكثر من 330 الف نازح.
كما ادى التنكر الصهيوني للاتفاقات الى تآكل شعبية رعاة التسوية ومؤيديها بمرور الزمن الامر الذي دعمه كذب الوعود بالرفاهية وتحويل غزة الى سنغافورة، واستمرار العدوان وعمليات التهويد للقدس والتوسع غير المسبوق للاسيتطان في الضفة حيث تثبت الاحصاءات ان الاستيطان لم يتوسع في تاريخه بالقدر الذي توسع فيه في ظل اتفاقات اوسلو، ما وتر الشارع الفلسطيني ودفعه نحو المقاومة وصولا الى انتفاضة الاقصى لتمثل مرحلة فاصلة في التاريخ الفلسطيني لما لها من تداعيات دولية.
تعامل اسرائيل مع الانتفاضة اتصف بالفشل من حيث حملات التخويف والاضعاف على طريق مخططات انهائها، وصولا الى تدمير السلطة عمليا باغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات بعد حصاره الطويل في مقاطعته.
ومع رحيل عرفات دخلت عملية التسوية في حالة موت سريري، وحالة عدمية غير مقبولة، قوبلت فلسطينيا بحالة من التشابك والوحدة في ميدان المقاومة التي وضعت حق العودة والقدس ودولة في حدود 1967 شرطا اساسيا لاي عملية تسوية قادمة.
في هذه الاثناء لم تتوقف المحاولات الصهيوامريكية لاحتواء الانتفاضة عبر طرح العديد من المشاريع والتي كان ابرزها خطة خارطة الطريق كبديل لاتفاق واي ريفر.
وانصبت الجهود الامريكية المدعومة عربيا باتجاه توفير اجواء للتسوية، وليس باتجاه تحقيق التسوية، تخللها وعود امريكية باقامة دولة فلسطينية، والتي بقيت وعوداً فارغة من أي مضمون لاقامة دولة غير واضحة المعالم.
لنصل في النهاية الى نتائج واضحة منها:
-ان مؤتمر مدريد ومن بعده اتفاقات اوسلو لم يكن هدفها تحقيق التسوية المرجوة بقدر ما كانت تهدف الى اذابة حاجز الجليد بين اسرائيل والعرب، وتحقيق التلاقي الاسرائيلي مع العرب لتدجين العقل العربي نحو التطبيع العربي الاسرائيلي وليس الوصول الى تسوية حقيقية نظرا لان المخططات التوسعية الصهيونية في الاراضي العربية والفلسطينية لم تكتمل بعد.
-ان اتفاقات اوسلو كانت لاحتواء انتفاضة 1987 خشية تمددها افقيا لتشمل عدداً من الساحات العربية بما يمثل خطرا وجوديا على الكيان الصهيوني.
-ان مؤتمر مدريد جاء لقطف ثمار حرب الخليج الثانية إمعانا في تمزيق الامة وفرض تسويات بما يخدم المصالح الصهيوامريكية في المنطقة.
-ان اتفاقات اوسلو اجترحت بعد الممانعة الحقيقية التي ابداها الوفد الفلسطيني في مدريد، ويلاحظ السرعة التي طبق فيها اتفاق اوسلو لجهة اقامة السلطة الفلسطينية خلال ثلاثة اشهر فقط، وقد تعمد الصهاينة التسريع في اقامة السلطة للتغطية على كون هذه السلطة شكلية لا تتمتع لا بالسيادة ولا بالسيطرة على اراضيها المقيدة بالاتفاقات الامنية التي حولت السلطة الى عصا غليظة في يد اسرائيل لوأد المقاومة ثقافيا وفكريا.
-ان انتفاضة الاقصى نسفت كل تاريخ التسوية السابق بدليل المحاولات الامريكية المستميتة لاحياء عملية التسوية عبر مبعوثيها امثال جورج تينت وانتوني زيني، الذين لم ينجحا في منع قيام شارون من اجتياح الضفة الغربية وقصف عرفات وحصاره في مقره.
– ان الرئيس عباس وكبير المفاوضين صائب عريقات اما يتمتعان بتناقض سافر او انهما يستغفلان العقل والوعي الفلسطيني، فمن جهة هما يرفضان اقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة في الوقت الذي يعلنان فيه قبولهما بشروط الرباعية الدولية التي نصت على اقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، وعلى تطبيق خارطة الطريق التي جردتها اسرائيل من لحمها بعد ان وضعت عليها 14 شرطا او تحفظا.
– ان تربع حماس على سدة الحكم في السلطة الفلسطينية ادى الى اعادة التوازن السياسي والاجتماعي، لأن صعود حماس جاء بالتأكيد على حساب تراجع تيار التسوية الذي تقوده حركة فتح، ليتحول الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الى صراع داخلي سياسي، حيث تعرض كل من فتح وحماس رؤية وطريقة مختلفة لحل القضية الفلسطينية، وقد ادى علو الرؤيا التي تقدمها حماس عبر فوزها في الانتخابات الاخيرة الى انقلاب المعايير عربيا ودوليا وذلك عبر:
– ارسال حماس عدد من الرسائل الى الاطراف العربية والدولية خصوصا بعد المرونة والواقعية المتقدمة التي قدمها خطابها.
-لم تقدم حماس الاسلامية الايدلوجية الراديكالية على طرح مشروع اسلمة المجتمع الذي طالما نادت به وهي خارج السلطة، الامر الذي يثبت ان مشروع حماس بالاساس هو مشروع اسلامي تحرري وليس اسلامي ايدلوجي فقط.
– اعلنت للجميع انها حركة وحدوية شعبية وليست اقصائية تفردية عبر عنه حرص حماس الشديد على مشاركة كافة القوى والفصائل في حكومتها لدرجة انها استنفذت المدة القانونية المتاحة لها لتشكيل الحكومة كاملة بما فيها الاسبوعين الاضافيين املا في اقناع الفصائل بالمشاركة في الحكومة.
اما رؤية حماس للتسوية فقط انطلقت من اعتبارات مختلفة عن تلك التي طرحتها منظمة التحرير في اتفاقاتها مع الكيان الصهيوني، وقد انطلقت هذه الرؤية من خلال ما يلي:
-عرض هدنة طويلة الامد ذات سند شرعي تكون بديلا عن الاعتراف بالكيان الصهيوني، وقد نجح وفد رفيع من حماس في تسويق هذا العرض اوروبيا حيث لاقى العرض استحسانا وقبولا اوروبيين وقد روج بلير لهذه الرؤيا اوروبيا وامريكيا وحتى اسرائيليا نسبيا.
– تمكنت حما
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

15 شهيدا بينهم أطفال بمجزرة إسرائيلية في مدرسة تؤوي نازحين في جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مجزرة فجر اليوم الاثنين، بعدما استهدفت مدرسة تؤوي نازحين في جباليا البلد شمال غزة،...

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....