السبت 10/مايو/2025

مستقبل حكومة الوحدة العتيدة..على وقع سيناريوهات المخططات الأمريكية!!

عماد عفانة

من البديهي القول إن السياسة الأمريكية تنطلق من مصالحها التي تقضي أولا باستمرار الهيمنة الأميركية على النفط في الخليج وخصوصا في العراق الأمر الذي يستلزم منها استمرار وتدعيم  نفوذها في العالم العربي عموما.والثاني الحفاظ على توازن القوة في منطقة الشرق الأوسط لصالح إسرائيل وعدم السماح لأحد بتهديد هذا التوازن الذي هو تهديد لإسرائيل.

ومن هذين الاعتبارين تنطلق سياسة الولايات المتحدة في تعاملها مع الآخرين سواء كانوا أعداء أم حلفاء.

فمثلا بعد سنوات طويلة من وضع القاعدة على قمة سلم الأعداء الاستراتيجيين للولايات المتحدة ولسياساتها ومصالحها في المنطقة، وبعد الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة تحت هذا الستار وما أحدثته من دمار وآثار ، تكتشف الولايات المتحدة ومنظروها الإستراتيجيون أن إيران وليست القاعدة هي التي تهدد مصالح الولايات المتحدة في الوقت الراهن، وان على أمريكا أن تضع إيران وليست القاعدة في المرتبة الأولى من لائحة أعدائها .

وعليه فان أمريكا تعمل على إبقاء الخارطة العربية في حالة فسيفسائية لتستفيد كذلك من إبقاء ملفات ساخنة دامية وخطرة مثل الملف الفلسطيني واللبناني لاستعمالها كأوراق الجوكر تلقي بهما في الوقت المناسب في وجه خصومها كما أمام حلفائها.

ففي الوقت الذي احتلت فيه القاعدة لائحة أعداء الولايات المتحدة لجأت الأخيرة إلى إبقاء الملفين اللبناني الفلسطيني واللبناني مشتعلين بحيث تضغط الحرارة الناتجة عنهما على الأنظمة العربية لصالح استمرار دعمها السياسي والمالي لحرب أمريكا على ما يسمى بالإرهاب.

فإذا كنا متفقين على أن هدف السياسة الأمريكية الجديدة هو توجيه ضربة لإيران تستهدف إضعافها أو تركيعها، من خلال الإستراتيجية التي أطلق عليها واضعوها وصف إعادة التوجه أو إعادة النظر في الأهداف، وهو ما اشرنا إليه أعلاه من ترحيل القاعدة إلى المرتبة الثانية من لائحة أعداء أمريكا لتحل إيران مكانها.

فلابد أن نتفق على أن أمريكا ولتمرير هذه الخطة عملت ومنذ أشهر طويلة على تكوين اصطفاف استراتيجي جديد في المنطقة يفصل بين ما يسمى بقوى الخير وقوى الشر، حيث تمثل اغلب الدول العربية مراكز الاعتدال، في حين تقع إيران وسوريا وحزب الله في الجهة الأخرى من هذا التقسيم.

ولمواجهة التهديد الإيراني المزعوم فإن أمريكا وحلفاءها في المنطقة والذين بحثوا الموضوع بإمعان توصلوا إلى أن ضرورة تهدئة الأوضاع بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين لعدة اعتبارات منها:

– كي يضعف من قدرة ونفوذ إيران في التأثير في المنطقة ،  وكثمن سياسي يمنح الأنظمة العربية فرصة لتعبئة الرأي العام ضد الخطر الإيراني سواء الخطر الشيعي المزعوم، أو الخطر النووي المفبرك.

ومن ثم سمحت الولايات المتحدة للسعودية بإتمام اتفاق مكة كخطوة ثانية على طريق احتواء حماس ضمن الخطة التي اقنع بها الرئيس محمود عباس الرئيس بوش قبل أكثر من عام لاحتواء حماس حيث كانت الانتخابات التشريعية أولى خطوات هذه الخطة.

اتفاق مكة الذي جاء بعد ضغط اقتصادي طويل عبر الحصار وضغط دموي عنيف عبر الاشتباكات الداخلية المسلحة لعب كل من الرئيس عباس والرجل الآخر المتهم – حمساويا – بقيادة التيار الانقلابي لإسقاط الحكومة التي شكلتها حماس دورا كبيرا في سرعة التوصل إليه، علما أن اتهام حماس المباشر لهذا القيادي ساهم إلى حد كبير في إبراز ودعم دوره  في حركة فتح، وليس إلى دفعه لدعم إتمام اتفاق مكة لأن هذا الدور جاء تماشيا مع المخطط الأمريكي، فقد لاحظنا أن الرئيس عباس طار بالاتفاق إلى الكثير من العواصم الغربية تحت ستار تسويق الاتفاق، لكنه أراد حقيقة أن يقول لقادة هذه العواصم: ألم أكن محقا.! ألم أقل لكم أن إدخال حماس اللعبة السياسية سيفكك مواقفها وسيدفعها لتقديم تنازلات وان كان تحت غطاء عبارات مثل احترام بدل التزام وان كانت ترجمتها الانجليزية لا تختلف عن الالتزام.

السعودية حققت لنفسها برعايتها اتفاق مكة دعاية عربية وإسلامية كبيرة أثار غيرة الشقيقة مصر، ومن جهة أخرى أخرجت نفسها من موضع الاتهام والانتقاد لما شهده الملف اللبناني من تدخل سعودي لم نر له اثراً في وقف الحفريات التي تستهدف تقويض المسجد الأقصى.

ومن جهة ثالثة ذللت السبيل أمام الولايات المتحدة لتأديب عدوتها التقليدية النووية الصاعدة في الخليج العربي.

وما ينطبق على الملف الفلسطيني ربما ينطبق على الملف اللبناني حيث تشير الوقائع الحالية انه قد يتجه إلى ما وصل إليه الملف الفلسطيني من تهدئة ووفاق داخلي هو مؤقت بطبيعة الحال وبما يخدم المخططات الأمريكية.

صحيح أن تبريد وتهدئة الملفين اللبناني والفلسطيني ووصول الأطراف في كلتا الساحتين إلى اتفاق ووفاق داخلي يصب في صالح الساحتين وخصوصا في صالح قوى المقاومة فيهما، إلا انه وكما أسلفنا هو كذلك مصلحة أمريكية لتمرير مخططاتها حيال إيران، خصوصا وان الولايات المتحدة ضمنت لحلفائها في الساحتين قوة وقدرة تسمح لها باستدعاء تأثيرهم السلبي حسب الطلب والمصلحة الأمريكية.

شبكة تقاطع المصالح هذه نجحت أمريكا باستغلالها لجهة كسب دعم سعودي مطلق للتوجهات الأمريكية حيال إيران، ومن ناحية أخرى نجحت في جر المصلحة السعودية لتلتقي وان بشكل غير مباشر مع تلك الصهيونية من حيث اعتبار إيران ربما تمثل تهديداً وجودياً لهما، هذا التلاقي في وجهات النظر أفرز ما يصفه المحللون عناقاً استراتيجيا بين البلدين، يدعمه إصرار السعودية على المبادرة العربية التي قدمتها لقمة بيروت نيابة عن الأردن، والتي تستهدف ترتيب الأوضاع بين العرب وإسرائيل لجهة الاعتراف بها وتطبيع العلاقات معها.

غير أن ما يهمنا بعد الاستعراض السابق هو انعكاسات المخططات الأمريكية على مستقبل القضية الفلسطينية واتفاق مكة وحكومة الوحدة العتيدة التي يحلو لبعض المحللين وصفها  بحكومة تنازلات، وتلبية للمطالب الأجنبية؛ لأنها غير نابعة من الإرادة الفلسطينية الحرة، كونها كانت إفرازا للضغوط الدولية والحصار المالي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني وحكومته المنتخبة.

إذا فنجاح واستمرار اتفاق مكة وحكومة الوحدة العتيدة سيكون مرتبطاً بعدد من العوامل الخارجية والداخلية:

– العوامل الخارجية:

المصالح الأمريكية المرتبطة بسير ونجاح مخططاتها حيال الملف الإيراني والعراقي وما تفرزه من ضغوط وعوامل لتوظيف القضية الفلسطينية طبقا لمصالحها كما أسلفنا أعلاه.

-العوامل الداخلية:

1- وهو منوط  بالحكومة العتيدة وما إن كانت ستلبي المطالب الأمريكية، وهل ستخضع  للضغوط والمتطلبات الدولية ، فإذا كانت كذلك، ربما تستمر الحكومة فترة من الزمن حيث ستخف حدة هذه الضغوط الدولية، بما يسمح لها  بأداء بعض الأدوار الوطنية المنوطة بها، إلا أن هذه الفترة لن تطول طبقا لسير المخطط الأمريكي حيال إيران.

أما إذا لم تعمل الحكومة لصالح المطالب الدولية، فربما يبقى الضغط والحصار مفروضا على الشعب الفلسطيني وان بشكل اخف نسبيا وهو ما لا يبشر باستقرار أو استمرار الحكومة، وان كانت ربما تستمر شكليا لبعض الوقت دون أن تتمكن من القيام بدورها المنوط بها وطنيا من رفع الحصار وتقديم الخدمات لمواطنيها وخصوصا الأمنية منها.

2-  كما أن هناك عاملاً آخر منوط بالحكومة، وهو وزراء السيادة مثل الخارجية والداخلية والمالية، وهل سيتبعون توجيهات رئيس الحكومة، أم رئيس السلطة، وإلا فلماذا خضع اختيار هؤلاء الوزراء للفيتو الرئاسي، وهل سيقبل رئيس الحكومة أن يكون طرطوراً أو شاهد زور في حكومة يرأسها وتتبع توجيهات غيره، وعليه فربما يتسبب ذلك في تفجير حكومة الوحدة من داخلها.

3- بعض المحللين يقولون إن ملفي الشراكة ومنظمة التحرير ربما يكونا احد الألغام في وجه حكومة الوحدة، ذلك أن اتفاق مكة كان عبارة عن اتفاق رزمة حمل ملفات ثلاث، ملف الحكومة، وملف الشراكة ، وملف المنظمة، ونزولا عند ضغط اللحظة توصل الطرفان إلى اتفاق حول حكومة الوحدة، غير أن سيف الوقت الملكي رحل ملفي الشراكة والمنظمة إلى وقت لاحق.

4- عوامل التفجير على الأرض ربما تكون أحد العوامل التي تهدد حكومة الوحدة العتيدة، ومنها الثارات العائلية، والاستقطابات الحزبية، والتحشيدات العسكرية من حماس وفتح، والتي من المستبعد أن ينجح وزير الداخلية الجديد في تفكيكها بسهولة دون تعاون كل الأطراف،الأمر المشكوك في حدوثه.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات