بل أقفل يا طير فاك!

(قول يا طير) هو عنوان كتاب لمؤلفيه الدكتور إبراهيم مهوّي والدكتور شريف كناعنة؛ وقد جرى سحب نسخ الكتاب من مكتبات المدارس العامة في فلسطين بعد أن قدم مدير عام تربية غزة عريضة اعتبر فيها أن الكتاب غير ملائم لاحتوائه ألفاظا مسيئة وخادشة للحياء. هذه الواقعة كان يمكن أن تكون عادية وتمر بسلام لولا أن وزير التربية من حماس ولولا أن فلسطين بجسدها الطاهر رزئت في رأسها السياسي والثقافي ببعض الانتهازيين الذي يظنون أن بوسع نحيبهم الفج والمفتعل صنع قضية رأي تصلح لجلد ظهر حماس!
وبالرغم من أن مدير تربية غزة المعني قطب فتحاوي؛ إلا أن الحادثة لم تكد تقع حتى انبرت كل جوقة الردح التي يمكن للقارئ استنتاج أسمائها – انبرت لشق جيوبها واللطم حزنا على الحريات والتراث والتسابق في استخدام أكثر الألفاظ والمعاني سقوطا؛ طعنا في حماس وكذبا عليها؛ فاتهم جمال نزال حركة حماس بأنها “حشرت وجه الشعب الفلسطيني تحت برقع يجعل منه رقماً من مجموعة أرقام إسلامية”؛ وصرح ياسر عبد ربه “بأن هذا “الإعدام” (!!!) يرقى إلى مستوى “الجنون الطالباني” الذي نسف “تمثال بوذا” في أفغانستان، رغم قيمته التاريخية والفنية، معتبراً أن هذا التفكير ينتمي إلى ممارسات محاكم التفتيش في القرون الوسطى”!! وغضب لقول الطير عشرات “المثقفين” على رأسهم الشاعر محمود درويش مدبجين بيانا بيت قصيده جملة من طراز “من يجرؤ على إخضاع التراث للتنقية أو التنظيف؟”!!!
نحن حقيقة لا نحمل مشاعر كراهية أو مشاعر عدم احترام مبدئية نحو الكتاب ومؤلفيه؛ لكن بما أن الكتاب تبين أن فيه ما فيه من عبارت مسيئة ولا أخلاقية ذات إسقاطات جنسية فجة الوضوح فما المصلحة في بقائه في المدارس في متناول يد الأطفال؟ وهل كون هذه الكلمات تسمع في الشارع – كما قال الدكتور كناعنة في تبرير واه – سبب كاف لإطلاق مشروعية إدخال هذا الرغام للمدارس؟ نحن نفهم تماما أن في الشعب الفلسطيني تنوعا يجعله يغطي كل أطياف البشر برهم وفاجرهم؛ ونفهم أن بعض أصنام السياسة ممن لا يحملون طهر الأصنام – ولا حتى تماثيل بوذا – هم في أزمة خصام مستحكم مع حماس والإسلاميين؛ ونفهم أن بعض ساسة فتح واليسار لديهم عداء من البرقع والحجاب والستر بالنظر إلى التهتك المادي والمعنوي الذي يعيشونه باستمرار؛ لكن على كل هؤلاء الليبراليين وأنصار الحريات وأنصار الانفتاح الجنسي المطلق وأنصار المثلية الجنسية أن يحترموا عقولنا قليلا حين يتحدثون باسم الحريات ضد مبادئ الأكثرية وقناعاتها الراسخة شرعيا وخلقيا! حقا إنهم لا يستحون من مثقفين انتهازيين؛ وإلا كيف يجترئ بيان هؤلاء على اعتبار محاكمة التراث والحضارة بمسوغ ( خدش الحياء) أمرا يبعث على الزراية وكما جاء في بيانهم؟! مرة أخرى نقول: نفهم تماما أن حياءكم لا ينخدش أبدا؛ وأن وجوهكم جفت أمواهها من زمان؛ لكننا لا نقبل أن تقوم شرذمة مثقفي الدكتاتورية السياسية بإهانة أخلاق الشعب الفلسطيني وأشواقه الروحية بكل خفة واستهتار!
ياسر عبد ربه وجمال نزال وحتى محمود درويش وبعض غيرهم من موقعي بيان المثقفين المزعومين لم يسمع لهم صوت أبدا فيما يخص صيانة الحريات السياسية؛ بل اشترك قسم كبير منهم كما هو معلوم في التربح من الانتهازية السياسية والعمل المأجور في خدمة الطغاة وفي خدمة دولة الأجهزة والتنسيق الأمني التي سجن فيها مئات الفلسطينيين بسبب آرائهم السياسية وقتلوا وعذبوا؛ فهل نصدق الآن تباكيهم المزعوم على الحريات؟!
ومن أنتم يا خلف جلد الأجرب لتسخروا بطالبان وحكمها؟ إن طالبان على رقة حالها وفقرها وحتى تشددها كانت أطهر كفا وإزارا منكم يا بعض أوسخ من اشتغل في السياسة والثقافة! ففي طالبان لم يقم “ملا” واحد ببيع الاسمنت لغاصب بلاده ليبني فيها جدارا يسجن شعبه؛ ولم يقم أي شيخ هناك بتوفير الغطاء الثقافي والروحي لسراق أموال الشعب؛ ناهيك عن امتناعهم جميعا عن السفر لأي وكر تفاوضي للتنازل عن الوطن أو أكثره تحت ستار مبادرة أخرى يطلقها ذوو الحياء الذي لا يخدش وأصحاب الوجوه الكالحة!
ولنضع جانبا التهويش الساذج والكذب الرخيص في هذه الحملة على حماس؛ من قبيل حشد مفردات “العصور الوسطى” و”محاكم التفتيش”؛ ولننح بعض المبالغات في وصف الكتاب والتي تنفع لإنتاج سلسلة جديدة من “فوازير رمضان” – كقولهم بأنه يحتوي على حكايات عمرها نحو ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف سنة، وجاءتنا من السومريين والأكاديين ونقل بعضها عن الفراعنة!!! – ولنركز على كلمة خطيرة نطق بها السادة أدعياء الثقافة إذ يقولون: “من الذي يمتلك حق محاكمة هذا الإرث الإنساني.؟ من يجرؤ على إخضاع التراث للتنقية أو التنظيف؟ لا أحد يملك الحق في أن يأتي بعد آلاف السنين لإسكات وإلغاء هذا التراث الإنساني”
حقيقة لم أكن أتصور أن عاميا أميا لا يفك الخط – فضلا عن حامل ابتدائية بطبيعة الحال ومن باب أولى – يمكن أن يسلم رقبته لخصمه بهذه الخفة ويطلق هذا الزعم الخطير؟! هل فعلا كون التراث تاريخا يجعله مقدسا؟ هل “قول يا طير” صار طوطما وتعويذة للأمة فقط لأنه قديم؟ ليكن تراثا؛ و”خير يا طير”! فهل كل التراث فعلا يستحق الاحترام والتقدير؟!
نحن كأصوليين متزمتين – ولتنصدع أكباد من يكره – تعلمنا من ديننا التفكير النقدي؛ وتعلمنا أن الماضي غير مقدس بالضرورة؛ وأن العقل هو صمام أمان للقلب يمنعه من الانحراف والزلل؛ وان صدقية القول والعمل هي الضمانة للأهلية؛ لا مرجعية القدم والاعتماد عند الآباء والأجداد ولذلك حين يأتينا دعي ما – مثقف أو جاهلي لا فرق! – ويقول:
“بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا”
“وجدنا آباءنا لها عابدين”
“بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا”
“حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا”
فإننا نرد:
“أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم”!
“أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون”!
“لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين”!
هذه هي كلمتنا كلمة الحق أمام باطل لن يزينه ولن يحميه ولن ينصره أنه ينسب نفسه للثقافة رغما عنها؛ ويتمحك بالحرية وهو عدوها الأول؛ فكيف يكون مثقفا من يسلخ نفسه من قيم شعبه؛ وكيف يكون نصيرا للحريات من يعمل في خدمة سياسة النظام الأكثر بوليسية وفسادا – هذا إن غفلنا عن روابطه الصهيونية والسي آي ايهوية؟!
ولكن حتى لا نظلم القوم؛ وحتى لا نقتصر في حديثنا على فضح حملتهم المسعورة على حماس وكشف مدى حبهم لأن تشيع الفاحشة بين الذين آمنوا؛ فسنتعامل معهم بموضوعية؛ وهذا يقتضي كشف بعض جوانب الملاحة فيهم؛ ومن ذلك التصريح الفكاهي للسيد حيدر عوض الله عضو المكتب السياسي لحزب الشعب ومسؤول الدائرة الثقافية، والذي جاء فيه “أن هذا القرار الظلامي – سحب الدرة اليتيمة(!!!) – ينذر بتصفية الميراث الديمقراطي للشعب الفلسطيني والتنوع الفكري والأدبي لمكونات الحياة الثقافية الفلسطينية لصالح خطاب أصولي سطحي مغرق في انغلاقه على الحياة وتنوعها”
فهذا التصريح كان مفيدا في أبعاد عديدة؛ من جهة إضحاكنا حتى بدت نواجذنا أولا؛ ومن جهة أنه كشف لي اسم شخص آخر ينتمي لحزب الشعب بعد أن كانت معرفتي بالحزب لا تتجاوز اسم رئيسه الذي كثيرا ما ينسينيه الشيطان؛ وأخيرا بخصوص معرفة أن الحزب أكبر مما اعتقدت بحيث أن فيه دوائر للثقافة وربما مثلثات أيضا!
ولعل التصريح نجح في تحقيق سعادة آنية للسيد حيدر؛ لكنني متأكد أن الرجل حين يأوي إلى فراشه آخر النهار لينام سينظر للسقف وسيضيق بنفسه من تصدره باسم “الشعب” و”الديمقراطية” للنيل من أكبر ممثل للشعب والفائز الأكبر في العملية الديمقراطية! ستضيق نفسه وسيكتشف هو وباقي مجهريات اليسار والأصولية العلمانية في فلسطين – وهي أصولية غبية غيبية بالمعنى الرجعي للأصوليات! – أن فشلهم مع الجمهور لمصلحة الإسلاميين هو الباعث على هذا الغضب الهستيري على حماس؛ وليس السبب أبدا في قول الطير أو الرغاء دفاعا عنه!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...