ثقافة الاتجاه المعاكس

إن رواج مثل هذه البرامج الصاخبة التي يغيب فيها الحوار المقنع المستند إلى الأدلة والحقائق وتطغى عليها الإثارة والفوضى في بيئتنا العربية إنما يكشف عن وجود خلل في البنية الثقافية التي تشكل شخصية المواطن العربي فهو إنسان لم يتأهل بعد للانفتاح على الآخر والاستماع لما عنده وهو غير مستعد للتنازل عن رأيه حتى لو قامت كل الأدلة على بطلانه “وإن يروا كل آية لا يؤمنوا” ،وهو بذلك يسير في الاتجاه المعاكس لهدي القرآن والسنة ،فالقرآن امتدح “الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه “وكلمة القول هنا عامة فهم يستمعون للقول أياً كان قائله وبعد ذلك يتبعون أحسنه ،وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نرى من أخلاقه أنه لم يكن يقاطع أحداً حتى يفرغ بل إنه في حواره مع المغيرة بن عتبة لم يبدأ في الرد إلا بعدما اطمأن بأنه انتهى من كل ما يريد قوله وتأكد من ذلك بسؤاله “ أفرغت يا أبا الوليد ؟”مخاطباً إياه بكنيته فإن كان لديه المزيد مما يريد قوله فإن النبي مستعد لسماعه حتى النهاية ، .
ولعل من أحد وجوه الحكمة في خطبة الجمعة التي شرعها الإسلام لنا هو إعطاؤنا درساً عملياً أسبوعياً في الإصغاء والاستماع فيمنع مقاطعة الخطيب حتى لو لم تتفق مع رأيه وعليك الاكتفاء بالإنصات فقط حتى تفرغ الصلاة ،وحتى لو تكلم أحد اً إلى جوارك أشر إليه بالصمت دون أن تحرك شفتيك لأنك إن قلت له اصمت فقد لغت صلاتك .
هذا المغزى العميق لم يفقهه بعض المسلمين في هذا الزمن فسعوا إلى تلويث الأجواء النقية داخل المسجد ،فما إن يتحدث الخطيب حديثاً لا تهواه أنفسهم إلاويهب أحدهم معترضاً بأعلى صوته دون مراعاةٍ لآداب المكان أو الحديث .
ويتكرر هذا السلوك بشكل أكبر خارج المسجد في مجالس الناس وأثناء ركوبهم السيارات فلا أحد يحتمل الاستماع إلى الرأي الآخر ويتكلم الجميع في وقت واحد وربما جادل أحدهم في أكثر الحقائق سطوعاً من أجل إثبات صحة موقفه ،وهذا لا يجوز تسميته حواراً وإنما هو مراء ،ولا ينفض اللقاء إلا وقد شحنت النفوس وتباغضت القلوب دون أن ينجح أحد في تغيير قناعات الآخرين .
إننا بحاجة إلى تدريب أنفسنا على الاستماع والإنصات وتقبل الرأي الآخر وافتراض إمكانية صحته فآراؤنا تحتمل الخطأ وآراء غيرنا تحتمل الصواب، ومناقشة الآخر بكل هدوء لأن الهدوء هو الجو الملائم للوصول إلى الحق ،واللغو هو عدو الحقيقة وهو الأسلوب الذي يلجأ إليه المبطلون للتغلب على وضوح الحق وقدرته الذاتية على الإقناع “وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ” ، وأن تصدق نياتنا في اكتشاف الحق واتباعه حتى لو كان مع الخصم كما ورد عن الشافعي حين قال “ما جادلت أحداً إلا وتمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه ” فليس مهماً أن أقنع الآخرين بما عندي ،ولكن المهم أن أصل أنا والآخرون إلى الحق .
وتحسن قناة الجزيرة صنعاً بتغيير هذا البرنامج أو تعديل أسلوبه على الأقل إن كانت تسعى لنشر المفاهيم الصحيحة بين مشاهديها ،وليس الإثارة فقط كما هو الحال مع حلبات مصارعة الثيران.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...

قيادي في حماس: مفاوضات متقدمة مباشرة بين الحركة والإدارة الأميركية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام كشف قيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن مفاوضات متقدمة مباشرة تجري بين الحركة والإدارة الأميركية حول وقف إطلاق...

مركز حقوقي: فظائع سديه تيمان تستوجب محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب
بيروت- المركز الفلسطيني للإعلام أكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى (مستقل) أن "ما كشفته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن الانتهاكات الصادمة التي تُرتكب في...

الصحة بغزة: 19 شهيدا و 81 إصابة وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصول مستشفيات قطاع غزة 19 شهيدا، و 81 إصابة خلال 24 ساعة الماضية....

المقاومة توقع قوة إسرائيلية بكمين في حي الشجاعية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، تنفيذ عملية مركبة في حي الشجاعية بمدينة غزة، أمس السبت، أسفرت...