السبت 10/مايو/2025

إلى المتباكين على قول يا طير أتريدون أكل العنب أم قتل الناطور؟

خليل الصمادي

لم أدر لمَ هذه الحملة المسعورة على حركة حماس في أيامنا هذه، ربما لأنَّ هناك فرقاء كثيرين لم يرق لهم اتفاق مكة الذي أعاد اللحمة إلى الشعب الفلسطيني، بعد حمامات الدم التي أسف لها العقلاء، كأن الفرقاء المذكورين آنفا اعتادوا على النفخ في الكير من أجل إضرام النار بين أفراد الشعب الفلسطيني، ويبدو أنهم وبعد اتفاق مكة الذي لم يرق لهم بدؤوا ينكشون ويترصدون ويراقبون ويبحثون عما يشفي صدورهم ويروي غليلهم.

وأخيرا وجدوا ضالتهم المنشودة …

لقد أعدمت حماس الثقافة والتراث والتاريخ.

حركة حماس تمارس عملية وقف وشل للحياة الثقافية الفلسطينية .

حماس تعمل على هدم التراث أو الموروث الوطني..حين تمنع حكومة حماس حكايات فلسطين!

هذا الإعدام يرقي إلى مستوى الجنون الطالباني الذي نسف “تمثال بوذا” في أفغانستان، رغم قيمته التاريخية والفنية.

حماس تعمل جاهدة في التخلي عن الرموز الوطنية (العلم ، الثوب الفلسطيني، الكوفية ، النشيد الوطني، ..

يواجه كتاب ” قول يا طير “حملة من «الظلاميين» من المرجح لها إن نجحت في مآربها أن تضيع جزءا مهما من التراث الشعبي الفلسطيني، الذي حفظ هوية هذا الشعب من كل المؤامرات الصهيونية على مدى سنوات الاحتلال.)!!

هجمة تكفيرية و ظلامية تقوم بها حركة حماس على الثقافة والفن والتراث والرموز .

يظن القارئ والسامع لمثل هذه الأخبار أن حركة حماس نصبت محاكم التفتيش في شوارع غزة والضفة وربما في مخيمات الشتات لكل مثقف فلسطيني أو أنها أرسلت فرق الإعدام والموت من أجل اغتيال كل من له صلة بالتراث والثقافة أو ربما باشرت بإرسال فيروسات الهدم للمواقع الفلسطينية الإلكترونية المنتشرة على الشبكة العنكبوتية.

ولكن كما قيل” أرى جعجعة ولا أرى طحنا”، أو ” الجنازة حارة و……… “

ما الأمر وما القضية التي جعلت حركة حماس وحكومتها في هدف المناوئين لها؟

القضية سحب كتاب من المدارس التي تسيطر عليها الحكومة!!

ما هو الكتاب؟

الكتاب ” قول ياطير ” يتحدث عن الموروث الشعبي الفلسطيني .

ولمَ تم سحب الكتاب؟

تم سحب الكتاب لأن فيه إيحاءات وإشارات جنسية تخدش الحياء لا ينبغي لطلاب المدارس أن يقرؤوها.

هل يحق لوزارة التربية الممثلة في حركة حماس ووزيرها ناصر الدين الشاعر فعل ذلك؟

للجواب على مثل هذه الأسئلة أقول : ليس ما قامت به حركة حماس أو وزارة التربية أو وزيرها الشاعر بدعا من الفعل والقول، هذا أمر متبع في كل أنحاء العالم، حيث يتم منع كتب كثيرة إما نهائيا عن البلاد أو من بعض المكتبات أو من المكتبات المدرسية ، وأمناء المكتبات يعلمون هذا جيدا فليس كل ما ينشر ينبغي أن يعرض على الأطفال وطلاب المدارس ، هناك بحوث قد تثير الجدل في كثير من الكتب لا ينبغي أن توضع على أرفف مكتبات المدارس ، وهناك الكثير من الكتب العلمية المصورة أو غيرها تتحدث بشكل علمي صريح عن العلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى أو عن الولادة وما شابه ذلك لا مكان لها بين أيدي الطلاب، وكذا هناك بعض الإصدارات في كثير من المكتبات العامة الحكومية لا يطلع عليها أي زائر للمكتبة، لعدة أسباب لا مجال للخوض فيها،

إن ما قامت به الوزارة من سحب الكتاب من المدارس فقط ،أمر طبيعي تقوم به جلُّ الحكومات على وجه البسيطة ، فمن المعروف أن وزارات التربية والتعليم في أكثر دول العالم تحظر بين الفينة والأخرى عناوين كثير من الكتب قد تكون موجودة في الأسواق أو المكتبات العامة، في كتب رسمية ترسل على مدار السنة للمدارس، أو قد تحظر دول العالم الأول والثاني والثالث عناوين كثير من الكتب لأمور تتعلق باتجاه الكتب أو اتجاه الدولة وهذا أمر طبيعي ، فقبل سنوات تم سحب كتاب الحلال والحرام للشيخ القرضاوي ومنعه من باريس عاصمة النور والحرية ولم نر أصوات المتباكين على الحرية، وقبل أشهر تم إيقاف وعقاب بعض المجلات والجرائد في كثير من العواصم العربية لنشرها بعض ما يقال أنه موروث شعبي أو طرف ونكات شعبية تخدش الحياء وفي بلاد تدعي الحرية وتحارب الظلامية، ولسنا ببعيدين عن الصحف التي أوقفت بسبب إعادة نشر الصور الدانماركية المسيئة للرسول!

أقول لمن يتباكى على سحب الكتاب ، هل يجرؤ أن يرويه على أطفاله بما يحمله من ألفاظ نابية ؟

أو هل يجرؤ على إلقاء قصيدة إبراهيم طوقان التي أثارت الجدل في حياته ومماته؟

أو هل يجرؤ على وضع كتاب تراثي مثل ” رجوع الشيخ إلى صباه” بين أيدي أبنائه بالبيت أو المدرسة بحجة أنه كتاب تراثي وتاريخي، أو هل يستطيع أن يقرأ فصولا كاملة من الأغاني لأبي فرج الأصفهاني لهم؟

يجب على كل أمة أن تحتفظ بتراثها وتاريخها وثقافتها، ولا أنكر أن هناك بعض الموروثات الشعبية التي يجب أن تبقى شفوية بسبب الألفاظ التي قد تخدش الحياء، وإن كان لا بد من نشر هذه الموروثات أن تنشر دون ذكر الألفاظ صراحة، أو تعديلها وتهذيبها.

ثمَّ إن الكتاب المذكور الذي أثار الجدل يروي القصص الشعبية كما هي بالعامية ، وككتاب عامي أرى ألا يوضع في المكتبات المدرسية التي يحرص المربون فيها على تعليم أبنائهم اللغة العربية السليمة.

ليس كل ما يعرف يقال ، وليس كل ما يطبع يباح لكل الأعمار والفئات ، وليست كل الأفلام متاحة لجميع الأعمار، وليست كل كتب التراث الشعبية القديمة والحديثة تربوية بقدر ما هي سجل لنمط من التفكير ساد في المجتمع بأخطائه وتخلفه ينبغي على المربيين والغيورين على أبناء الأمة الارتقاء بالجيل الجديد نحو التقدم والرقي والحضارة.

وأخيرًا ليس المقصود الكتاب بعينه، المقصود من هذه الحملة المسعورة والتي يشترك فيها كل من له حساب يريد أن يصفيه مع حركة حماس، قتل الناطور وليس أكل العنب.

* خليل الصمادي – عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين/دمشق

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات