السبت 10/مايو/2025

بعد عام على وجود حماس في السلطة.. أسرار انزعاج الحلف الصهيوأمريكي؟

عماد عفانة

حتى العام 1982 كانت حركة فتح التي تقود منظمة التحرير الفلسطينية تمثل إزعاجا كبيرا للحلف الصهيوامريكي، إلا أن إسرائيل وبمساعدة أمريكية مباشرة نجحت في ترويض حركة فتح التي تقود المنظمة برئاسة ياسر عرفات من خلال الضربة القاسمة التي تلقتها المنظمة وحركة فتح في لبنان والذي أدى إلى خروجها نحو المنافي والشتات في الدول العربية.

يثبت التاريخ الفلسطيني أن منظمة التحرير الفلسطينية ولدت من رحم النظام العربي الرسمي كواجهة رسمية لنضال الشعب الفلسطيني تحت سيطرة النظام العربي، واعترف العرب بها دون غيرها كمثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني كي يحصروا كل حركات المقاومة في إطارها ويسهل عليهم قيادها.

كما أن هذا التاريخ يثبت أيضا أن حركة فتح التي ولدت من رحم الإخوان المسلمين بقيادة أبو جهاد خليل الوزير وآخرين كانت حركة لمقاومة الاحتلال ولتحرير فلسطين من البحر إلى النهر.

إلا أن حركة فتح التي نجحت بقيادة نخبة من كوادر الإخوان المسلمين السابقين الذين أبدعوا في التخطيط للسيطرة على واختطاف منظمة التحرير من يد احمد الشقيري، إلا أنهم فشلوا بعد ذلك في إخراج المنظمة من قبضة الأنظمة العربية التي كانت تتحكم في تمويلها وفي استضافتها على أرضها، وازداد هذا الفشل بعدما تورطت المنظمة في لعبة المحاور العربية وغير العربية.

فكانت المنظمة تتلقى تمويلها من العديد من الأطراف الذين باتوا يؤثرون بل ويتحكمون في قراراتها.

وباتت المنظمة تنفق على الشعب الفلسطيني بشكل انتقائي وبما تملية الدواعي الحزبية والتنظيمية، بحيث أصبح التنظيم هو الشعب ومصالح التنظيم وأفراده مقدمة على مصالح الشعب وقطاعاته.

وفوق ذلك أصبحت المنظمة بما فيها من فصائل بتوقيعها على اتفاقات اوسلو التي تعترف بالعدو ودولته على أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين التاريخية تمثل عبئاً على الشعب الفلسطيني وكفاحه، فهي قاتلت باسمه وتلقت الأموال وأنفقتها كيفما شاءت باسمه، ثم تنازلت عن حقوقه في أرضه باسمه أيضا، بل وخونت وحاربت وقمعت حتى الموت كل من عارض هذا التنازل.

كما تثبت الوقائع التاريخية أن مقررات القمم العربية كانت هي بوابة التنازل عن الحقوق الفلسطينية، حيث أن مقررات هذه القمم كانت قبيل حرب 1967 تقول بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، إلا أن هذا السقف العربي المرتفع انخفض حتى منتصفه بعد نكسة 67 حيث اقتصرت المطالبات العربية بإزالة آثار العدوان، أي تحرير الأراضي التي احتلت بعد الـ67 فقط، فكان هذا القرار بمثابة اعتراف غير مباشر بحق إسرائيل في الوجود على أراضي 48.

وفي قمة بيروت انخفض السقف العربي مرة أخرى ليعزز الانخفاض السابق عبر طرح المبادرة العربية التي عرضت تطبيعا واعترافا بدولة الاحتلال مقابل الانسحاب من الأراضي 67.

وكان من الطبيعي أن ينخفض سقف منظمة التحرير التي تقودها حركة فتح بانخفاض السقف العربي.

فإذا كانت منظمة التحرير التي تقودها حركة فتح وجدت لتحرير فلسطين، ألا يمثل اعترافها بدولة الاحتلال حتى دون الحصول على دولة فلسطينية يعني أنها فقدت مبرر وشرعية وجودها..!!

ومن رحم أوسلو ولدت السلطة التي أرادتها إسرائيل بديلا عن المنظمة رغم أن المنظمة هي التي وقعت اتفاقات أوسلو واعترفت بدولة العدو مقابل الاعتراف بالمنظمة فقط وليس مقابل الاعتراف حتى بدولة فلسطينية، وهذا ما أثبته أولمرت في لقائه الأخير بالرئيس عباس بحضور الشيطانة رايس في القدس حينما قال أولمرت انه يجلس مع عباس بصفته رئيسا للسلطة وليس رئيسا للمنظمة، بما لهذا الأمر من أبعاد ودلالات خطيرة لناحية أولا تقزيم أبو مازن باعتباره لا يمثل إلا الفلسطينيين في الضفة والقطاع حيث توجد السلطة، وثانيا بشطب حقوق أكثر من ستة ملايين من اللاجئين باعتبار انه لا علاقة لهم بالصراع مع إسرائيل وليس لهم حق بالعودة بعدما اعترفت المنظمة بحق دولة إسرائيل على أراضيهم ومنازلهم.

وهذا يثبت أزمة وتنازع الشرعية والتمثيل التي عانت منها منظمة التحرير بعد قيام السلطة التي كانت صورة مصغرة عن منظمة التحرير، حيث أن السلطة كالمنظمة تعتمد في تمويلها على الخارج ما ألزمها بقرارات ورغبات الممولين، على حساب رغبات الشعب وحقوقه.

ولإكساب المنظمة والسلطة الشرعية التي فقدتها بتوقيعها اتفاقات أوسلو وباعترافها بدولة العدو لجأ أبو عمار إلى تلفيق الشرعية عبر الانتخابات التشريعية والرئاسية الهزلية التي استمر العمل بنتائجها أكثر من عشر سنوات.

وكأنهم بذلك يقولون أن لهم شرعية تاريخية بحكم الامتداد الزمني للمنظمة، وشرعية ثورية رغم عدم ممارستها بل وإدانتها، وشرعية انتخابية ديمقراطية، وعززها عرفات بالعديد من مؤتمرات الحوار الوطني التي كانت توصف بكرنفالات أشباح الوحدة.

هذه السلطة أفرزت ما يسمى بالنخبة السياسية التي أثرت حتى التخمة وكونوا لأنفسهم مراكز قوى مسلحة ونفوذاً في أكثر من جانب مستندة إلى شبكة من العلاقات وتبادل المصالح، و باتوا يتحدثون باسم الشعب وحقوقه التي ضيعوها، ونكثوا بوعودهم بتحويل السلطة إلى سنغافورة، وإذ بها تتحول إسسفنجة تمتص دماء شعبنا فيما كانت الفورة لمجموعة من القطط السمان وحيتان الوطنية المزعومة.

ومع وصولنا إلى العام 2000 ووصول الأفق السياسي إلى طريق مسدود، ثارت أزمة الشرعية من جديد، فلجـأ عرفات إلى لعبة الهبات الجماهيرية التي مارسها قبل ذلك في هبة النفق وهبة الأقصى، فعبأ عبر العديد من الخطب الحماسية الجماهير للقيام بهبة احتجاج على تدنيس شارون للمسجد الأقصى وأوعز لحماس عبر جهاز المخابرات بتنفيذ عمليات استشهادية داخل الخط الأخضر إلا أن حماس التي كان يقبع اغلب كوادرها وقياداتها في سجون السلطة لم تستجب لإيعاز عرفات أولا لأنها تشككت في نوايا عرفات ثانيا لأنها لم تكن قادرة بسبب ما تعرضت له من سحق على أيدي رجال عرفات.

واشتعلت انتفاضة الأقصى بأيدي الجميع، بأيدي حماس التي نفخت فيها بكل قوتها لتفلت من قبضة السلطة التي أذاقتها ألوان القمع والعذاب، وبأيدي عرفات وفتح التي أرادتها رسالة قوية لإسرائيل بوجود البدائل

فتحولت السلطة إلى سلطة رواتب وفقدت قوتها وهيبتها، فيما كانت سلطة حماس وقوتها العسكرية تطغى على الصورة، فنشأ ما سمي بتوازن غير كامل في مجال القوة على الأرض بين نظام تقوده حماس وآخر تقوده فتح ممثلة بأجهزة السلطة.

وتفوقت فتح في مجالات افتقدتها حماس مثل الاقتصاد والإدارة والأمن والعلاقات الخارجية كمؤسسات رسمية قائمة.

وبعد طول اخذ ورد ومفاوضات بين قوتي فتح وحماس أجريت الانتخابات التشريعية الأخيرة التي فازت فيها حركة حماس، هذا الفوز الذي أبرز للعالم قوة حماس الجماهيرية أضاف إلى قوتها وشرعيتها المقاومة، فأضافت الانتخابات إلى حماس شرعية قانونية طالما سعت إليها، ما فتح شهيتها للحصول على الشرعية العربية والإقليمية بل والدولية، الأمر الذي يشير الخبراء أنها ربما ولجت إليه من بوابة اتفاق مكة.

وبعد هذا الاستعراض الطويل نخلص إلى أسرار الانزعاج الحلف الصهيوامريكي من حماس في الحكم:

أولا: عملت أمريكا وإسرائيل وحلفائها من العرب منذ تأسيس منظمة التحرير التي قادتها حركة فتح على التحكم بها عبر العامل المالي، فمن يملك المال يملك القرار.

الأمر الذي لا ينطبق على حركة حماس التي لا تستند في مصادر تمويلها الأساسي على أي من النظم العربية أو غيرها، فهي إذاً حركة تملك قرارها، وليس من السهل على الحلف الصهيوامريكي تطويعه أو حتى التأثير عليه بالدرجة التي تصل إلى الاعتراف بإسرائيل والتنازل عن الحقوق، مما يشكل إزعاجا لأمريكا وأذنابها..!!

ثانيا: عمل النظام العربي الرسمي وعلى مدار عشرات السنين وعبر مقررات القمم العربية على النزول بسقف منظمة التحرير إلى مستوى أفقد هذه المنظمة شرعية وجودها لصالح سلطة تحت نعال الاحتلال.

وفجأة ودون سابق إنذار تقفز إلى قمة القرار السياسي الفلسطيني حركة فلسطينية تنسف تاريخاً طويلاً من التنازل والتخاذل العربي، وترتفع بالسقف العربي إلى مستوى يصطدم بمصالح هذه الأنظمة مع أمريكا وإسرائيل، فضلا عن إحراجها أمام شعوبها، مما يشكل إزعاجا لأمريكا وأذنابها..!!

ثالثا: خاضت إسرائيل وآلتها العسكرية الكثير من المعارك مع فصائل المنظمة وحتى حماس ونفذت الكثير من عمليات الاغتيال المؤلمة لجهة تسوية الساحة وتأهيلها وتدجينها وصولا إلى اتفاقات أوسلو التي حازت إسرائيل بها على اعتراف الضحية بحق الجلاد في أرضه.

وإذ بحماس الأيدلوجية الأصولية تحوز الأغلبية الانتخابية والشرعية الديمقراطية الانتخابية وتمسك بزمام القرار السياسي الفلسطيني، وتعلن جهارا نهارا عدم اعترافها بإسرائيل، صحيح أن إسرائيل لا ينقص من وجودها اعتراف حماس من عدمه، إلا أن إسرائيل المرعوبة حتى الموت من فكرة وجود فلسطينيين يتمسكون بحقهم في الأرض التي تقوم عليها إسرائيل، فكيف بها إذا كان هؤلاء الفلسطينيون هم الحكومة والقوة الشرعية الديمقراطية ، ألا يشكل ذلك إزعاجا لأمريكا وأذنابها..!!

رابعا: خاضت أمريكا لتأمين مصالحها الاستعمارية والاقتصادية، ولتطمين حليفتها الصهيونية عدداً من الحروب القاسية لاستئصال ما تسميه بالتطرف الإسلامي لدرجة إطلاق بوش اسم الحرب الصليبية عليها والتي لم تبدأ من الصومال وربما لن تنتهي بأفغانستان والعراق.

وإذ بها تفاجأ بقوة راديكالية من ذات الصنف التي تحاربه في أفغانستان والعراق والصومال تهدد ربيبتها الصهيونية المصطنعة وتجاهر بالعداء لها، وتواصل مراكمة أسباب القوة استعدادا لجولة أخرى معها، ألا يشكل ذلك إزعاجا لأمريكا وأذنابها..!!

خامسا: تعودت أمريكا أن تجد الدول العربية والإسلامية مطواعة لقراراتها منفذة لرغباتها وتسير في ركابها. 

وإذ بحركة مقاومة لا تكاد تقارن بالقوى الإقليمية التي نجحت أمريكا في تطويعها، تجاهر بمعاندة أمريكا ورغباتها، وتعادي اقرب حلفاء أمريكا –إسرائيل- ولا تعترف بحقها في الوجود، وإذ بهذه الحركة التي قادت الحكومة الفلسطينية تصمد ما يقارب العام في وجه أقسى حصار يتعرض له شعب وأعتى مؤامرة تحاك ضد نظام .

وإذ بصمودها يشجع عدداً من الدول العربية والإسلامية على نوع من التمرد بعقد قمة ا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات