السبت 10/مايو/2025

خمسة أمتار في الساعة

نور الدين النابلسي

كنا نسمع ونراقب فيما مضى داخل السجون الإسرائيلية مراسلي التلفزة الفضائية وهم ينهون تقاريرهم الإخبارية إما من أمام حاجز حوارة أو حاجز قلنديا-الذي أصبح الآن معبر قلنديا عطيروت الحدودي- إلا أنه وكما لم تترك العرب شيئا إلا وضربت به الأمثال… (فأن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه).

فمع كل الأذى والإذلال المفروض على الأسرى الأبطال في السجون لم يكن الواحد ليتصور وجود ما هو أقسى وأصعب من ذلك إلى أن استعاد جزءاً من حريته وانتقل إلى الوطن المحتل ليشاهد –و سأستعير هنا عبارة دارجة- “المعّاطات” داخل الحواجز والصفوف الطويلة ولن اذكر المزيد لأنه لن يكون سوى اجترار لواقع يعانيه الجميع ولكن كل ذلك ليس خروجا عن قاعدة صلف المحتل وعنجهيته ولا إنسانيته إلا أن مشاهد أخرى هي التي لفتت انتباهي إلى جانب ذلك:

فترانا نقتتل فيما بيننا على الدور والصف وحتى السنتيمتر الواحد ولكن عند وصولنا إلى نقطة الاحتكاك الفعلية مع جيش الاحتلال صرنا أمهر من مهندسي المساحة في الترتب والانتظام في أضيق الأماكن إما بصرخة من أحدهم أو بتهديد من آخر وقبل ورودك الحاجز وبعد مغادرتك إياه لابد أن ترى على جانبيه كل أشكال عدم الانتظام والفوضى من بسطات تستطيع أن تجد فيها من الإبرة وحتى ما دون الصاروخ ومعارك شبه يومية بين سائقي السيارات تنافسا على راكب أو ما شابه.

إن جاذبية الأرض للأسفل 10م/ثانية وجاذبية الحواجز ضد الزمن والحياة والإنسانية 5أمتار في الساعة ولعلكم لا تصدقون إلا أنني أحصيت كم مترا اجتزت وأنا انتظر على الحاجز فكانت خمسة أمتار في الساعة الواحدة والسؤال الطافي هنا إذا كانت الحواجز احتلالا يمارس علينا فلم نحن مبادرون إلى المشاركة في ممارسته على أنفسنا أيضا؟

إن التكيف مع واقع الاحتلال شيء يتطلب منا التعامل مع إفرازاته ومن ضمنها الحاجز ممانعين في ذات الوقت المشاركة في بناء وتطوير هذا الواقع كونه مفروضاً بالقوة

أما قبول الواقع فهو شيء آخر يعني الانخراط ببنائه والمساهمة فيه وما انتشار عربات (الترمس والفول) والأسواق المختلفة بجانب الحواجز إلا جزء من المساهمة ولو الاضطرارية فيما سبق بل و تعدي ذلك إلى التكسب من ممارسات الاحتلال على الأرض!!! وأعتقد أن ذلك لن يتغير طالما بقيت سياساتنا الاقتصادية تسحق هؤلاء سحقاً و تجبرهم على التعاطي مع وقائع الاحتلال، مثلهم في ذلك كمثل العمال الداخلين إلى المستوطنات و غيرها من المجالات التي لا يلجأ إليها أبناء شعبنا إلا كخيار أخير للبقاء عوضاً عن الفناء.

إن أياً من محاولات النهوض بالاقتصاد الفلسطيني على طريق تثويره و تحويله إلى اقتصاد مقاومة يجب أن تبدأ بالارتقاء فيه من حال اقتصاد ريع و تكسب إلى اقتصاد ممانعة بالحد الأدنى يوفر للفئات التي ذكرناها أعلاه فرصة العمل بدلاً من تلك التي تساهم في تثبيت بصمات الاحتلال على الأرض.

يقيم الجيش الإسرائيلي اليوم 48 حاجزا عسكريا ثابتا ومحصنا بالجنود داخل أراضي الضفة الغربية، من بينها 28 حاجزا المقامة قبل الخط الأخضر. كذلك، يقيم الجيش الإسرائيلي 12 حاجزا ثابتا ومحصنا بالجنود داخل مدينة الخليل إضافة لذلك هنالك ما لا يقل عن 41 مقطع من الشوارع داخل أراضي الضفة الغربية، والتي يمتد طولها على حوالي 700 كيلومترا، يمنع السكان الفلسطينيون من السفر فيها بينما يسمح للإسرائيليين السفر فيها بحرية

ليس الشعب الفلسطيني لوحده واقفاً أمام الحواجز بل إن نظامه السياسي بأكمله كذلك فحكومة وحدة الآن تنتظر حاجز الأغلبية إلا أنها ستظل واقفة أمام حاجز “ثقة” شعبي وعربي ودولي لفترة من الزمن، و كذلك الرئيس أبو مازن فبعد حكومة كاديما الثانية سيبقى واقفاً أمام حاجز “الشريك” ولعل هذه الحواجز أصعب من حوارة وقلنديا.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات