الإثنين 12/مايو/2025

جولة جديدة في حرب الإنهاب

سوسن البرغوتي

عهدت إدارة بوش مهمة تنفيذ سياسته الجديدة إلى مكاتب إعلامية عربية، تتقن تنفيذ الخطة بحذافيرها بمهنية مدربة بآلية إعلامية واستخبارتية أمريكية، ولأن مدراء هذه المكاتب “معتدلون”، وأقرب إلى تفهم عقلية العربي وما يثير مشاعر الحقد والكره لديه، فقد حرصوا على انتقاء المسائل الأكثر أهمية، وهي الدين والأرض والإنسان.

وقد سبقت الحملات الإعلامية عمليات انتهاك المشاعر والشعائر الدينية، لجس نبض الشارع الإسلامي الذي اكتفى بالتنديد والشجب، فتمادى الغرب و”إسرائيل” في هجومهم على المقدسات الإسلامية. وتضمنت السياسات الجديدة  محاولات عزل ومحاربة المقاومة العربية الإسلامية التي لا تقبل بالتحالف مع أمريكا و”إسرائيل”، بحجة أنها تمثل التطرف الديني “الإرهابي”!.

أما الأرض، فقد اتبع الاحتلال سياسة الأرض المحروقة باعتداء مباشر على جنوب لبنان، وباستباحة الأرض الفلسطينية بتقسيم مدنها بجدار عازل، واقتلاع أشجار الزيتون وهدم القرى العربية، بهدف توسيع البؤر الاستيطانية ، كما استباح المحتل الأمريكي الأرض العراقية بالكامل، وتحولت إلى دمار وخراب

لم يبق سوى الإنسان العربي، وضرورة القضاء على إرادة الممانعة والمقاومة لديه، فكان لا بد من توظيفه لإثارة مشاعر الانقسام بين أبناء البلد الواحد، بالفتن الطائفية. وبلغت الخطة ذروة نجاحها عند تنفيذ اغتيال الرئيس صدام حسين، على أيدي مقتدى الصدر وجماعته، وبهذا ضرب الاحتلال بحجر واحد عدة أهداف هي:  ضرب الشيعة بالسنة، والقضاء على الحلفاء المستدرجين، للإطاحة بهم لاحقاً، وإشغال المقاومة والشعوب بالانقسام الطائفي أو الحزبي.

توالت المآسي بهتك الأعراض، وتذكرون عبير وصابرين وماجدة أمين وغيرهن من العراقيات، اللواتي نهشت الذئاب المتوحشة أجسادهن. وقد أنكرت الحكومة جريمة الاعتداء على صابرين، فمن الذي أطلق تلك الكلاب الضالة في الشوارع، وما الهدف من استثارة شرف الإنسان العربي؟، والشرف  في زمن الذكورة العربية، بات في عالم الماضي التليد، فانحصر بأجساد النساء، أما اغتصاب الأرض والإنسان والكرامة والهوية، فهو مستمر منذ أن قبل العرب بعصابات الهاجانا في فلسطين

فالإنسان العربي، تم اختراق فكره بالهجمة الثقافية العولمية  التي سبقت الغزو العسكري، وجسده يُستباح بالقتل الجماعي المجاني وبفعل مجهول!، والمذابح “الإسرائيلية” استخدمت أسلحة محرمة دولياً، وأخرى تبتر الأعضاء وتشوه الجسد. أما القتل الأبشع، هو الاغتصاب لما له من آثار نفسية وجسدية، مع إبقائه حياً، هو ما اعتمدته عبقرية بوش الذي يسعى للتخلص من حكومة المالكي، التي أحبطت اعتقال الصدر، وعدم تطبيق الخطة الأمنية كما يجب، وبلع المالكي الطعم حتى الثمالة، وقام بتكريم الجناة بمنتهى الغباء، ليدق مسماراً آخر في نعش حكومته.

قد يقول قائل، أن الاحتلال الأمريكي ليس بحاجة إلى أسباب للإطاحة بحكومة المالكي، وهي المعينة من قبله، لكن الأهم بالموضوع، هو أن الاحتلال يقضي على الأطراف قبل المركز في إيران،ويعيد تشكيل السياسة العراقية بحلة علمانية، بعد القضاء على حكومة المالكي وجيش الصدر الحليفين، وهي مرحلة تسبق التحضير للهجوم العسكري، والمراد من ذلك  دعم  وتبرير الاعتداء على إيران، وعزل جبهة عربية سورية في الجولان، وبالالتفاف على مقاومة حزب الله تحديداً ومحاصرته، بعد أن خفت ظاهرياً ومرحلياً الهجمة الإعلامية على حماس بتوقيع اتفاق مكة، الذي منحها شرعية الاحتواء العربي. وبهذا تكون أمريكا قد قضت على كل أعدائها في المحور المعاكس الرافض للهيمنة الاستعمارية الجديدة، وبرعاية دول عربية معتدلة تحالفها إلى زمن محدود.

يأتي دور الإعلام البديل بإطلاق شعارات ضرورة القضاء على القوة النووية الإيرانية وتهويلها، ودب الرعب في صفوفنا، ولم تتعرض البتة إلى قوة الهند  والباكستان النووية ولا لمفاعل ديمونة “الإسرائيلي” من قريب أو بعيد، بل تم التعتيم على زلة لسان أولمرت سابقاً بامتلاك كيانه السلاح النووي، وبدأ الشارع العربي يركز حملته ضد القوة النووية المتنامية لإيران،ونسي أن العدو الأول الذي يهدد وجوده يملك سلاحاً مخصباً ومفعلاً، وليس مشروعاً سلمياً بريئاً، وأن المفاعل النووي الصهيوني يشكل خطراً على البيئة الزراعية وعلى انتشار الأوبئة من جراء أبخرة ونفايات سامة. يتطلب التعاطي مع الملف النووي بوضع حد لتسابق التسلح به من كل الأطراف المعنية. وما أشبه اليوم بالبارحة، وإن اختلفت أهمية العراق بالنسبة لنا كعرب، والتحضير للهجوم على إيران، وبنفس أسلوب التصعيد والاتهامات حول وجود سلاح الدمار الشامل، أظهرت التقارير الأمريكية الاستخباراتية بعد فوات الأوان، أخطاء قاتلة في الحسابات، وأن النظام العراقي السابق ليس لديه أي علاقة مع القاعدة،بعد تدمير وتفكيك العراق الواحد.

رغم خبرة الشعوب العربية في التصدي للمؤامرات، إلا أنها لم تستطع أن تفشل الخطة الخبيثة، فقد برزت من أدراج التاريخ مصطلحات لتأجيج نار الكره لإيران مثل: (المجوسية والصفوية)، رغم تناقض المصطلحين، فالأول يرعى دولة الكفر، والثاني يكرس التعصب لنظام إسلامي شمولي، فهل يمكن نعتنا بأننا أمة (الكفر الوثني- أو إطلاق صفة التطرف الديني  لنظام أي دولة عربية)؟!. وما تحاول تلك المكاتب الإعلامية العربية تصديره، هو مدعاة للسخرية والاستهزاء بالعقول العربية، لأهداف أعمق بكثير من نبش تاريخ قديم، فسياسات الدول تعتمد على المصالح العليا لأنظمتها وما يمكن أن تحققه من نفوذ وسيطرة، أما نحن  ننشغل بأمور لا تمت بصلة لما تخطط  له الدول في جولتها الجديدة لنهب واستباحة الوطن العربي.

من جهة أخرى تنشط تركيا في محفل اقتسام غنائم الشمال العراقي، وأوردغان يشدد على ضرورة اعتراف الفلسطينيين بـ”إسرائيل” ليتحقق السلام في “شرق أوسط جديد”، ولا أحد يستطيع مطلقاً أن يبحث في نوايا تركيا، التي تستضيف القوات الأمريكية في قواعد عسكرية في بلادها، ولا أحد يملك أن يصرح بأن تركيا (العثمانية)، عادت أطماعها تحيا من جديد في ظل الصراع على النفوذ، والتي حكمت بآخر عهدها الوطن العربي بالحديد والنار، باحتلال دام ثمانية قرون!.لماذا؟، لأن تركيا المعتدلة، عادت  لتبحث عن دور لها، بصفتها دولة إسلامية “سنية”، وهي التي نبذت الإسلام حيث أسس مصطفى أتاتورك تركيا الجديدة على أساس علماني، وتلهث وراء أوروبا للانضمام للاتحاد الأوربي، وتسعى لاسترضاء أمريكا العظمى، واستقبال الوفود الصهيونية بحفاوة على أراضيها، وتحتل جزءاً من قبرص، وتتحكم بمياه سوريا والعراق، ولها في اقتحام المسرح العربي نصيب. فإن أرادوا نبش التاريخ، وفتح الملفات “الطائفية”، فتركيا ،أكثر دولة سببت ضرراً وتخلفاً على جميع الأصعدة في الوطن العربي، وها هي تبحث عن دور في الصراع السياسي الدائر. فوطننا العربي أصبح مستباحاً، أمام  كل من يريد اقتسام كعكة الاستحواذ على أرض مشتعلة.

خلاصة القول، إن استخدام الطوائف والمذاهب، فكرة جهنمية، تثير الكره والحقد بين الشعوب، وما يجب أن نوجه له اهتمامنا، هو  سياسة أطماع الدول المتناحرة . 
إيران
غير بريئة أيضاً من القيام بدور سياسي وعسكري أساسي  في الصراع على تفريغ الوطن العربي من هويته وكينونته العربية، وتوسيع نفوذ السطوة السياسية على المشرق والخليج العربي خاصة، لما تمثله هذه المنطقة من أهمية استيراتيجية لمواجهة عدوها الأمرو- صهيوني، ولوجود منابع الثروة النفطية. إن تقاطع مصالحها مع طرف الصراع الآخر، يكمن بنزع صفة العروبة عن الوطن العربي، تمهيداً لتشكيل خارطة على أساس “شرق أوسط جديد”، يشمل الكيان الصهيوني كدولة لها وزنها السياسي والعسكري، وهذا ليس أقل خطراً من الاحتلال العسكري الأمريكي و”الإسرائيلي” المباشر. ورغم توازي المخططين للمتصارعين، فإن الحرب القادمة المتوقعة على إيران، هي استكمال تنفيذ  خطة الأرض العربية المحروقة، وسيدفع العرب ثمنها بالدماء والمال العربي.

هذه المكاتب الإعلامية التابعة للهيمنة الأمريكية، تدرك الاندفاع العاطفي للشعب العربي، والمطلوب توجه عقلاني من الشارع العربي، وعدم تصديق الإعلام المستورد والمصّنع في مختبرات السياسة الأمريكية، للحفاظ على الأرض العربية المتبقية، خوفاً من أن يطالها الحريق الشامل في حرب “الإنهاب” الدولي، بتكوين جبهة ممانعة عربية واعية، لإفشال خطط تحقيق نكبة عربية كبرى تسعى إلى إعادة تقسيم الوطن العربي لحساب أطراف خارجية، تعيد احتلاله من المحيط إلى الخليج، وبتبعية عمياء لهذا الطرف المتصارع أو ذاك.أما الأنظمة العربية على ما يبدو لم تستوعب تجارب الحلفاء العرب مع أمريكا و”إسرائيل”، فلا عصمة ولا مناعة لأي حليف مع الاحتلال.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات