الثلاثاء 01/أكتوبر/2024

رايس في فلسطين: المطلوب استسلام وليس سلاماً

رايس في فلسطين: المطلوب استسلام وليس سلاماً

صحيفة القدس العربي اللندنية

بعد اللقاء الثلاثي في القدس المحتلة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، انخفض سقف التوقعات التي كان يمكن أن يسفر عنها هذا اللقاء بعد تصريح أولمرت بأنه اتفق والرئيس الأميركي جورج بوش على مقاطعة حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية ما لم تعترف بمطالب اللجنة الرباعية للشرق الأوسط. في حين لاحظت الوزيرة رايس، التي التقت كلاً من الرئيس عباس في رام الله وأولمرت في القدس المحتلة، أنه لا يبدو أن الحكومة الفلسطينية الجديدة ستلبي شروط اللجنة الرباعية، وإن تحدثت عن أن واشنطن ستنتظر لترى تشكيلة الحكومة الجديدة وبرنامجها.

ولم تتردد الوزيرة رايس بإبلاغ الرئيس عباس أن واشنطن لا ترى أن اتفاق مكة يلبي شروط الرباعية في ما يتعلق بإمكان إقامة علاقات مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة إسماعيل هنية، وإنه من حيث المبدأ لن تتعامل معها. ومع ذلك فإن «واشنطن ستمنح فرصة للحكومة إلى حين تأليفها ورؤية برنامجها ووزرائها وتوزيع الحقائب». وأضافت أنه «في مطلق الأحوال لن تستطيع واشنطن التعامل مع أي من وزراء حماس في الحكومة الجديدة»، وأنها «ستبقي قناة اتصالها مع الرئيس عباس في كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني».

وهذا الموقف الأميركي جاء متطابقاً مع الموقف الإسرائيلي والذي عبر عنه بشكل واضح وزير الداخلية روني بار – أون المقرب من أولمرت، في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، أن «اتفاق مكة يشكل محاولة ساذجة لتبرئة حماس أمام المجتمع الدولي».

هذا الموقف المتوقع من “إسرائيل” كان قد أعلنته مسبقاً حينما أكدت أنها ترفض أساساً بحث مواضيع سياسية تتعلق بالحل الدائم للقضية الفلسطينية وتشترط استئناف المفاوضات بإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط. وهو شرط آخر يضاف إلى قائمة الشروط التي وضعتها الرباعية.

وتنص الشروط التي وضعتها اللجنة الرباعية التي تضم، إلى الولايات المتحدة، روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، على أن تعترف الحكومة الفلسطينية الجديدة التي ستضم أعضاء من حركتي حماس وفتح بحق “إسرائيل” في الوجود، وتعلن التخلي عن العنف وتقبل بالاتفاقات الموقعة سابقاً بين منظمة التحرير الفلسطينية و”إسرائيل”.

هذا بالرغم من أن الرئيس عباس أبلغ الوزيرة رايس أن حكومة الوحدة الوطنية المقبلة التي ستنبثق من اتفاق مكة بين فتح وحماس ستتعهد التزام الاتفاقات الدولية مما يرقى إلى مستوى الاعتراف الضمني ب”إسرائيل”. ولكن الوزيرة رايس شددت على أنها غير مقتنعة بذلك أو بأن حماس قد تخلت عن هدفها تدمير دولة “إسرائيل”. وقالت: «لا يمكنك أن تضع قدماً في الأجهزة الانتخابية وأخرى في العنف عندما تحاول تدمير دولة أخرى».

ولم تكتف الوزيرة رايس بهذا القدر من التعنت السياسي غير المفهوم أو المبرر وسياسة الكيل بمكيالين التقليدية ولكنها أشارت أيضاً إلى أن خطط واشنطن بتقديم 86 مليون دولار على شكل مساعدات أميركية لتدريب أجهزة الأمن الخاضعة للرئيس عباس وتجهيزها، يمكن أن تعرقل بسبب الاتفاق على تأليف حكومة الوحدة الوطنية، قائلة: «علي أن أقول، وقلت ذلك للفلسطينيين، إنه لن يدفع أياً من دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لتذهب إلى نشاطات حكومة لا تعترف بمبادئ اللجنة الرباعية».

وتتناسى الوزيرة الأميركية مئات المليارات التي دفعها دافعي الضرائب الأميركيين لدعم الاحتلال الإسرائيلي وقتل المدنيين الفلسطينيين وتهديد الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بسبب السياسة الأميركية واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية منذ أكثر من ثلاثين عاماً.

إن المواطن الفلسطيني الذي يعيش الوضع المأساوي الناجم عن الاحتلال الإسرائيلي وانسداد آفاق السلام، يهمه بشكل أساسي نتائج واضحة وملموسة من أي لقاء قمة أو جهد دولي باتجاه إنهاء الاحتلال وتخفيف معاناته وتقريبه من حلمه المشروع بإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.

ولهذا فإن معيار نجاح القمة الثلاثية أو أية قمة أخرى لا يكمن في مجرد عقدها أو تكرار ترديد الالتزام بالسلام وغيره من الشعارات بل في التزام “إسرائيل” بشكل واضح بوقف ممارساتها خاصة الحفريات قرب الأقصى وحملات المداهمة والاعتقال والحواجز العسكرية ورفع الحصار المفروض على الأراضي الفلسطينية ووقف الاستيطان والالتزام كاملاً بالاتفاقيات الموقعة وخريطة الطريق والتوقف عن منطق إملاء الشروط مثل شرط إطلاق سراح الجندي الأسير في الوقت الذي تحتجز فيه “إسرائيل” آلاف الأسرى الفلسطينيين.

ومن الجانب الآخر فإن على الولايات المتحدة و”إسرائيل” احترام إرادة وحق الشعب الفلسطيني في اختيار ممثليه وحكومته وعدم وضع الشروط المسبقة، علماً أن الرئيس عباس أكد التزام الجانب الفلسطيني بالاتفاقيات الموقعة وخريطة الطريق كما أكد كتاب تكليف تشكيل الحكومة الجديدة على احترام الشرعية الدولية والعربية والاتفاقيات الموقعة.

وإذا كان الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية سيتعامل بنفس منطق الشروط الإسرائيلية يحق له أن يتساءل: هل اعترفت الحكومة الإسرائيلية بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؟ وهل اعترفت بالشرعية الدولية؟ وهل اعترفت بدولة فلسطينية مستقلة؟ وهل التزمت “إسرائيل” بإنهاء احتلالها غير المشروع حتى الآن؟.

 الجانب الفلسطيني ما زال يمد يده لتحقيق سلام متوازن وشامل ويشكل اتفاق مكة وحكومة الوحدة الوطنية أمام الولايات المتحدة و”إسرائيل” لإثبات مدى الجدية في تحقيق هذا السلام وإعادة النظر في مختلف الشروط والإملاءات والمواقف الرافضة لإطلاق مفاوضات سلام جادة وعندها لن تجد الولايات المتحدة أو “إسرائيل” ما يمنع تحقيق هذا السلام الذي يمنح الحرية لكافة الأسرى ويحقق الأمن والاستقرار لكلا الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي ولكافة شعوب المنطقة.

إن الشعب الفلسطيني يطالب الوزيرة رايس والرئيس بوش بعدم إطالة الوقت أو إضاعة هذه الفرصة الهامة لتحقيق السلام والابتعاد عن سياسة وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر الذي اتبع في سياسة الخطوات لكسب الوقت وليس لتحقيق السلام.

إن العام القادم هو عام تبدأ فيه مسيرة الانتخابات الأميركية الطويلة ويتسابق خلاله المرشحون للرئاسة الأميركية من أجل إرضاء “إسرائيل” وتقديم لها المزيد من التنازلات على حساب الشعب الفلسطيني الرابط في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس. فمتى يتفضل الرئيس الأميركي بتجسيد رؤيته لإقامة الدولتين ولا يطلب مع وزيرة خارجيته من الشعب الفلسطيني الاستسلام والخضوع لأن مثل هذا الأمر لن يحدث.

* كاتب وباحث سياسي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

3 شهداء و9 جرحى بعدوان إسرائيلي على دمشق

3 شهداء و9 جرحى بعدوان إسرائيلي على دمشق

دمشق - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد ثلاثة مدنيين وأصيب 9 - فجر الثلاثاء- في عدوان إسرائيلي استهدف عدداً من النقاط في العاصمة السورية. ونقلت وكالة...