الأحد 11/مايو/2025

الجراح والراح

د. محمد سعيد العمور

يمضي الرجال ويبقى النهج والأثر”؛ لله درك يا أبا عبد الله ،، لم يدر بخلدي وأنا أمازح الأخ العزيز والزميل الفاضل العالم الرباني الدكتور حسين أبو عجوة في قسم الدراسات الإسلامية في خان يونس أنها ستكون آخر مرة أراه في هذه الدنيا ، كنت أعلم أنه في خطر ، لكني ما كنت متيقنا من أن نداء الرفيق الأعلى”: أن دع الرفاق ، وتعال وحدك سيكون بهذه السرعة وبهذه الكيفية  ، ولسان حال الشيخ  يتمتم : (وعجلت إليك رب لترضى ).

 أدرى كما يدري كثيرون أن الفاضل حدد وجهته ، فاستنارت بدايته، و” من أشرقت بدايته أشرقت نهايته”  تجمعت فيه من أخلاق الإسلام، وخصال الرجولة، وشيم النبل، قل أن تجتمع في شخص واحد  ، ولا غرو أن يطيب فرع، طاب أصله، فهو سليل عائلة عرفت بالشهامة والرجولة .

كان شعاره بيننا ( يسروا ولا تعسروا )  لين العريكة ، سهل الخليقة ، موطأ الأكناف، شديد التواضع، طلق المحيا، تأتلق الابتسامة على شفتيه، صاحب مطولات من السجع نذكره بها فيكاد القلب أن يتفطر ، وتكاد النفس أن تذهب حسرات على رجال لم تعرف أوطانهم مكانتهم ولا عرف أبناء شعبهم كم يساوون في موازين الرجال ولكن
  ولات  ساعة مندم .

كان رحمة الله عليه منشغلا بتزكية نفسه وتربيتها، متجها إلى الله تعالى، صارفا جل وقته وجهده في  الدعوة والعلم والتعليم ، منقادا للشريعة، مستسلما لله ظاهرا وباطنا، وذلك مقام أعلى، تشرئب إليه أعناق ،  ولم يكن رحمه الله يبحث عن العز في المناصب الزائلة، بل كان يبحث عنها في العز الذي لا يزول وكأن لسان حاله يقول ” إذا أردت أن يكون لك عز لا يفنى، فلا  تستعز بعز يفنى
” .

لا أنسى لحظة ما دخلت عليه رفقة الزملاء في القسم وهو مسجى في بيته ،، وإذ بي أمام حقيقة أن : ” ما استودع في غيب السرائر، ظهر في شهادة الظواهر”، فسمات الإخبات لله تعالى كانت على وجهه بادية، وصور الإنابة تجلل ما حوله، عندها عرفت
أن الأعمال صور قائمة، وأن أرواحها وجود الإخلاص فيها” وأن إخلاصه لله في الدنيا   قد كسا ظاهره هيبة وجلالا، حتى وهو مدرج بدمائه الزكية  ، ولا غرو أن يتجلى نور الإيمان على محيا رجل ” رائح في عبادة الله غاد فيها ” لسانه لا يفتر عن ذكر الله ، والدعوة إليه ، واليوم وقد ارتسمت  ملامح الجدول الفصل الدراسي الجديد ،، ما زالت أوراق الشيخ وأشياءه في مكتب قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الأقصى   تهيج في النفس ذكري راحل … وأي راحل . و” إنا لله وإنا إليه راجعون .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات