السبت 10/مايو/2025

اليسار الفلسطيني بين الانتهازية وازدواجية المواقف

أحمد الفلو

منذ تسعين عاماً تقريباً وحتى يومنا الحاضر واليسار الفلسطيني يتخبط في متاهات فكرية وسياسية وينتقل من أزمة إلى كارثة ومن إخفاق إلى فشل ومع تأسيس الحزب الشيوعي عام 1919الفلسطيني على يد المستوطن اليهودي الصهيوني( حاييم أورباخ) الذي كان صديقاً للينين منذ أن كان الأخير في المنفى في جنيف فإن هذه الحركة كشفت بجلاء عن أهدافها وهي مناصرة ثورة أكتوبر الاشتراكية في مواجهة الإمبريالية العالمية، والنضال من أجل ضمان انتصار الثورة الاشتراكية في فلسطين وتحقيق مبادئ “الصهيونية البرولتيارية الحقيقية يقول احد قادة هذا الحزب وهو اليهودي (ماير زون) أنه من دعاة الهجرة اليهودية إلى فلسطين ولكنه يعتقد أنَّ “الصهيونية البروليتارية” أي إقامة دولة اشتراكية يهودية في فلسطين لا يتعارض مع مصالح الكادحين العرب.

وربما كان موقف هؤلاء اليساريين عام 1947 عندما أعلنوا عداءهم للمجاهد الحاج أمين الحسيني دليلاً واضحاً على انحيازهم التقليدي بجانب أعداء فلسطين لسببين كان أولهما تحالف الحاج أمين مع الألمان ضد بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية وبما أن بريطانيا كانت في حالة تحالف مع الاتحاد السوفياتي فمن واجب حركة الجهاد الفلسطيني عدم استعداء الاستعمار البريطاني كي لا يتم إضعاف السوفيات أما السبب الثاني لهذا الموقف المعادي للحاج أمين فهو رفضه لقرار التقسيم .

ومازالت القوى اليسارية الفلسطينية غارقة في أوهامها وتنظيراتها الأيديولوجية البعيدة عن الواقع ومتغيراته وقد كشفت الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة عن الحجم الحقيقي لهذه القوى حيث حصلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على مقعدين أما تحالف الجبهة الديموقراطية مع الحزب الشيوعي الفلسطيني و تنظيم ياسر عبد ربه(فدا) فقد حصل على مقعدين فقط دون أن يحصل( فدا )على أي مقعد رغم الدعم الذي يتلقاه عبد ربه من الإسرائيلي ( يوسي بيلين) أما جبهة التحرير العربية، وجبهة النضال الشعبي، والجبهة العربية الفلسطينية، فلم تفز مجتمعة بأي مقعد كما أن قائمة فلسطين المستقلة والتي ترأسها د. مصطفى البرغوثي وهو ( شيوعي سابق) حصلت على مقعد واحد فقط وذلك بعد أن استخدم البرغوثي ظهوره الإعلامي وهو يؤدي الصلاة مع جماهير المسلمين أي أن مجمل التمثيل الشعبي لأهل اليسار لم يتجاوز خمسة مقاعد.

ومع الفوز الكاسح لحركة حماس في الانتخابات وحصولها على أكثرية أهَّلتها لتشكيل الحكومة الأولى لكن حماس أرادت أن تثبت للشعب الفلسطيني والشعوب الإسلامية عكس ما اعتادت عليه تلك الشعوب من أنظمة حكم كرتونية وبوليسية أي أن حماس تعتبر ومن منطلقات إسلامية ووطنية بأن الحكم مسؤولية ومشاركة وليس امتيازاً شخصياً لمنفعة القائمين عليه وعليه فإن حركة حماس صادقة في دعوتها بقية التنظيمات والفصائل للدخول إلى الحكومة والمشاركة في الحكم لأن المهم هو مصالح الشعب الفلسطيني ومواجهة العدو الإسرائيلي وليس مصالح حركة حماس ولكن كما يبدو أن التنظيمات اليسارية قد أساءت فهم دعوة حماس للمشاركة واعتبرت هذه الدعوة الصادقة ضعفاً وقصوراً من جانب حماس و اصطفّت أغلبية هذه القوى اليسارية مثل الشيوعي والجبهة الديموقراطية مع فتح في مقاطعة الحكومة وكانت هذه القطيعة في أغلبها تعود لسببين أولهما أنها حكومة عمل وإصلاح ولا مكان فيها لطلاب الرفاهية على حساب الشعب وثانيهما العداء للإسلام وما يمت إليه بصلة .

أما بالنسبة لرفض الجبهة الشعبية للمشاركة فهو بالإضافة للعداء الإيديولوجي للإسلام فإنه كما صرحت الجبهة الشعبية لأن حماس رفضت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ثم عادت لترفض المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية لأن حماس أعلنت أنها ستحترم التزامات منظمة التحرير السابقة وأنها أيضا ستنخرط في عملية إصلاح هيكلية منظمة التحرير ويذكرنا موقف اليسار هذا بقصة الحماة التي تكيد للكنة و تقول لها عند الجلوس للطعام ((رغيف الخبز الكامل لا تكسريه والرغيف المكسور لا تأكليه )).

وبذلك تكون قوى اليسار هذه قد شاركت في الحصار المفروض على الحكومة من قبل الامبريالية الأمريكية وإسرائيل لقد حيرنا هذا اليسار البائس بمواقفه وبتنا نتساءل هل اليسار يقف مع الامبريالية ضد حماس أم أنه يقف مع حماس في معركتها ضد الحصار الامبريالي؟؟

وبعد أن أصبح اتفاق مكة واقعاً واتفقت حماس وفتح على حكومة الوحدة الوطنية والحركتان معاً تشكلان 95% من مجمل القوى الفلسطينية المنتخبة والممثلة في المجلس التشريعي فقد أبدت قوى اليسار التي تمثل5% انزعاجها وغضبها من اتفاق مكة و تعلن تلك التنظيمات عن عدم رغبتها بالمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية أو أنها على الأقل تريد زيادة عدد الوزارات بما يفوق تمثيلها الشعبي بسبع مرات .

إن قيادة اليسار الفلسطيني تعاني من التخبط والازدواجية في المواقف وهي بهذا التخبط والمواقف الناقدة والجارحة لاتفاق مكة إنما يحاولون إحداث شروخ وتصدعات في جدار الوحدة الوطنية يمكن لإسرائيل وأمريكا أن تنفذ منه لإبقاء الحصار وإشعال فتنة جديدة إن ما يمارسه الغول والصالحي و زيدان ما هو إلاّّ نوع من السمسرة السياسية ومتاجرة بالمواقف بهدف الحصول على امتيازات ووجاهة سياسية أكبر من حجومهم في الساحة السياسية وهذا الموقف الانتهازي لا يمكن أن يصدر عن الوطنيين والشرفاء.

وربما آن الأوان لكي تدرك قوى اليسار الفلسطينية أن موقعها على الأرض وحجمها السياسي والشعبي لا يؤهلانها لفرض شروط أو إملاءات على السيد إسماعيل هنية خلال تشكيله لحكومة الوحدة الوطنية ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه فوقف عنده.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات