الأحد 11/مايو/2025

أمريكا …وسنة الله في خلقه ؟!

خالد معالي

على مستوى العالم لا تجد أمريكا التي تخالف سنة التاريخ   لها خصماً يستحق أهوالها وجرائمها غير العرب والمسلمين ، فأمريكا تحارب أبعد هدف واقع في غور التاريخ، خوفاً من استعادة أمجاده   ورموزه الماضية، وما محاولات الصهاينة الجدد من اختراع صراع الحضارات إلا الإصرار على السير عكس تيار التاريخ .  

فإمبراطورية الصهاينة الجدد التي تقودها  (البوشية) المتهورة ، لا تأبه ولا تنظر إلى سنن التاريخ ولا جدليته ، ولا تلقي بالا لازدياد كره العالم لها، وليس فقط العرب والمسلمين حيث المعاناة المتواصلة من ظلم وغطرسة أمريكا ، ظلم يمس كل فقراء العالم ومساكينه ، نتيجة للعربدة والبلطجة الأمريكية المتواصلة .

فالاستيلاء والسيطرة علي العالم ليس بدعة أمريكية مستحدثة وجديدة ، إنه محرك لمعظم الحضارات القديمة التي لم تكن تكتفي بمواردها الأساسية وتريد الزيادة قدر ما تستطيع على حساب الشعوب الفقيرة ، وتتطلع دائماً إلى تغطية تكاليفها الباهظة بنهب ثروات الشعوب الأخرى، هذا المبدأ لا يزال هو المحرك الأول لنشأة الإمبراطوريات نستثني الحضارة الإسلامية التي كان هدفها نشر راية التوحيد والعدل والخير، وكما هو ملاحظ أن العجز الأمريكي عن تطبيق مبدأ الانتشار والهيمنة والعربدة عملياً، هو الذي سيؤدي إلى زوالها والذي تبدو ملامحه في العراق قد بدأت تؤتي أكلها.

صحيح أن سقوط الاتحاد السوفياتي أدى إلى استفراد أمريكا بالعالم ، وكان هذا  الحدث أكبر ما عرفه العالم منذ نهاية الحرب العالمية
الثانية، وأتت الفرصة الذهبية لأمريكا دون منافس أو منازع وعززت هيمنتها المطلقة على نهاية للتاريخ، كما يحلو تسميتها من قبل الصهاينة الجدد، فالعقل الأمريكي أساء فهم التغيير الحاصل جراء سقوط الاتحاد السوفياتي ، ذلك أن الدلالة الاستراتيجية الأهم لسقوط الاتحاد السوفييتي هو سقوط مبدأ التسلط القطبي نفسه، سواء كان ثنائياً أو أنه سيصير تعددياً،ومن هنا استبشر البعض خيرا بسقوط ثنائي القطبية ، وبحلول جميع الدول والحضارات وتعاون القارات جميعا لخير الإنسانية دون تسلط احد أو عربدة احد على آخر ، وأمريكا قد أفشلت هذه البشرى بامتياز.

فأمريكا قد اغتصبت تلك اللحظة الذروية حقاً التي اختصرت انتظار التاريخ كله فأعلنت ثقافة الحرب والقتل والتدمير على البشرية جمعاء ، وبالأخص مهد الحضارات والديانات ارض العرب والمسلمين في كل من فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال والبقية تتوالى،  ظنا منها ومن منظريها كمحصلة نهائية لتطور البشرية، ونهاية التاريخ .  

ولم تكن أفكار الصهاينة الجدد مجرد أفكار عابرة أو للترف الفكري ، بل إن “بوش ” طبقها وما يزال يطبقها متى سنحت له الفرصة لذلك ، وكما هو متوقع عن قريب لضرب إيران كبلد إسلامي مؤهل للانفلات من القبضة الأمريكية والنهوض والتطور ، وخلال سنين عجاف على البشرية جمعاء كانت أمريكا قد استخدمت واستنفذت  كل نماذج المكر والكذب “كأسلحة الدمار الشامل في العراق ” والقتل والتدمير ، فقدمت بذلك كل البراهين البائسة والطائشة من خلال أعمالها على ما يمكن أن يحققه مبدأ القطبية الأحادية فيما لو أتيح له أن يمد بسلطانه من حدود القارة العربية والإسلامية إلى بقية المعمورة .

وأستذكر قول ذلك الجندي الأمريكي الذي يقوم بتطبيق أفكار المحافظين الجدد وهو على دبابته في العراق حيث قال مستهزئا : العراق هذا يقولون عنه انه بلد الحضارات أين هذه الحضارات ، والآن وبعد دروس المقاومة العراقية لا بد انه عرف بشكل عملي أن العراق هو حقيقة بلد الحضارات ، وانه ما هو وجيشه إلا حالة طارئة سرعان ما ستزول تجر خلفها خيبة الهزيمة ومرها .

الآن ما تريده أمريكا هو تهيئة الظروف الدولية والمحلية جميعها لضرب إيران كقوة إقليمية ناشئة تهدد مصالحها المتمثلة في سرقة النفط والبلطجة على العالم العربي والإسلامي ، فإيران إن هي نجحت في مشروعها النووي فإن ذلك في حسابات المحافظين الجدد سقوط لأفكارهم ، ووقف للمليارات التي ينهبونها من العالم العربي والإسلامي .

وجاء اتفاق مكة في سياق رتابة تاريخية منسجمة مع حالة الرفض العربية والإسلامية للبلطجة الأمريكية ، والتي اعتمدت على توحد الأخوة في فتح وحماس ، وهذا ما أغاظ أمريكا التي تريد لفكرة الفوضى الخلاقة أن تنتشر وتقوى في العالم العربي والإسلامي حتى يسهل السيطرة عليه ، والظروف الحالية لم تساعد أمريكا في تخريب الاتفاق بحكم أن هاجس الهزيمة في العراق يؤرقها ، وبحكم الاستعدادات الجارية لضرب إيران ….

وهكذا يصر الصهاينة الجدد عبر “البوشية “على السير عكس التيار ، وما علموا أن تيار التاريخ أقوى منهم وسيجرفهم معه ، وما علموا أن سنة الله في خلقه ماضية ، وانه ما من حضارة تغطرست وتكبرت إلا وانهارت انهيارا مروعا ، ومع ذلك هي لا تريد الاعتراف بكل هذا ، وتصر على المضي نحو حتفها .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات