اتفاق مكة… خطوة إلى الأمام

ما زلنا نعيش أجواء اتفاق مكة “وألف بين قلوبهم” على الرغم من أن بعض المنغصات تحتاج إلى ملاحقة في مهدها “فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول وإلى أولي الأمر منكم”. وألا نعود بحال إلى مربع الفتنة الداخلية التي تُسر العدو وتحزن الصديق، لذلك كان لزاماً علينا جميعاً أن نؤسس لواقع فلسطيني أكثر متانة وتراص وتآلف وترابط بعيداً عن المناكفة السياسية أو الاستقواء في الخارج “يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين” ولا ينبغي أن ننسى يوم شاس بين أوس حين أشعل دعوى الجاهلية فأطفأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلها تحت قدميه. مع سيادة كاملة للقانون تحمي الضعيف وتعيد الحقوق وتربط على القلوب وتردع الظالم ومن هنا فإن الضرورة تقتضي إعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية على أسس جديدة بعيدة عن الحزبية المقيتة مع التغليب الكامل لفلسطين قضية وشعب.
إن هذه الصياغة الجديدة للأجهزة الأمنية يجب أن تجرى عاجلاً ليس آجلا وبرؤية وطنية محل اتفاق، وأساس ذلك إعادة بناء مجلس الأمن القومي على أن يضم الخبرات ويقدم الرؤية المتكاملة ويمثل الكل الفلسطيني على أسس من المهنية والشفافية والنزاهة. ومن ثم يجرى تطبيق هذه الرؤية بإشراف كامل مع وزارة الداخلية ومتابعة رقابية حثيثة من مجلس الأمن القومي والمجلس التشريعي.
وعلينا أن نتذكر أن ما جرى من فتنة داخلية قبل الاتفاق نذير خطر لا تجدِ معه المسكنات بل يلزمه التأسيس لواقع جديد تتدفق فيه أنهار من ثقافة التسامح والقبول المتبادل والنظر إلى الإيجابيات والانشغال بعيوب الذات بعيداً عن عيوب الآخرين، فمن تلمس عيباً وجده ومن اشتغل بعيوب الآخرين هلك وأهلك.
إن ترسيخ اتفاق مكة واقعاً بحاجة إلى إشاعة أجواء إيجابية وذلك عبر تثقيف عالٍ لقواعد حركتي حماس وفتح للاتفاق وبنوده وروحه وسبل تطبيقه وضرورة الالتزام به حتى تسود ثقافة التعايش والتآخي الفتحمساوي على أساس وطني وبأولوية عليا للأجندة الفلسطينية، ومن الضروري أن يترابط ذلك مع خطاب إعلامي يعزز هذه الثقافة لتكون روحاً جديدة تسرى في أوصال مجتمعنا العطش إلى الوئام الداخلي والسلم الأهلي.
كل ذلك سيسهم في إدارة الملفات السياسية الفلسطينية بشكل مشترك مما يُسهم في رفع الحصار عن شعبنا كما قد يُحدث ذلك حراكاً سياسياً يحقق شيئاً لشعبنا أو يبرز عدونا بوجه البشع كمحتل ومغتصب للحقوق. كما أن ذلك يسهم في إحياء الملفات الوطنية الكبرى كقضية اللاجئين والأسرى والمستوطنات. في إطار من إدارة المقاومة والممانعة في المنطقة من أجل استعادة الحقوق أو بالحد الأدنى عدم التفريط بها صوناً لحقوق الأجيال القادمة.
إن التحقق من تطبيق الاتفاق يبدأ بإجراءات الميدان التي تمنع انتكاساً يعيد الأحداث إلى مربعها الأسود المرعب وتحقق التزاماً تنظيمياً عالياً وتحصيناً لمواجهة خروقات إطلاق النار أو تجاوز غير محسوب لنغلق الباب بذلك أمام قضيتنا العادلة ونتراجع بها خطوات إلى الوراء. ومن ثم نُقذف جميعاً في أتون شريعة الغاب وفي زوايا الإهمال والنسيان ونغرق في بحر دمنا وعجزنا عن مواجهة تحديات الاحتلال.
ومن هنا فإن السيطرة الميدانية والملاحقة القضائية والأخذ على أيدي العابثين ضرورة لا مناص منها، ومن ذلك يكون حتمية التواصل اليومي الفاعل بين حركتي حماس وفتح وفي شتى المدن والمخيمات والقرى والأحياء. وتفعيل وتأسيس المكاتب المشتركة في كل مكان فعلٌ أساس لا مناص منه والمسئولية في ذلك مشتركة مع ضرورة أن يشمل ذلك كل مكان في قطاع غزة والضفة الغربية حيث أن الاتفاق في مكة عبر عن موقف واحد موحد لحماس وفتح في كل مكان وبكل مؤسساتهم ومكاتبهم ودوائرهم ومن هنا لا بد من إدارة حثيثة ومثابرة عالية ونفس طويل وحس وطني عالٍ يقود إلى تحقيق اتفاق مكة واقعاً حياً وتجسيداً حقيقياً تحفظ لشعبنا دمه وحقوقه.
إن إنجاح الاتفاق مهمة فلسطينية/عربية وعلى وجه الخصوص مهمة فتحمساوية وذلك بتوفير العوامل اللازمة لإنجاح الاتفاق وباستثمار أمثل للغطاء العربي للاتفاق مع تذكر لأجواء الاتفاق الروحية في جوار البيت العتيق من أجل استثمار الجهد العربي وبشكل عاجل لرفع الحصار وضم الجهد العربي/الإسلامي إلى الجهد الفلسطيني. ومن ثم الاستمرار من أجل تجسيد حوار وطني شامل يقود من أجل مصالحة وطنية عامة وشاملة تصون الدم وتلملم الجراح وتتوجه إلى المكلومين والمجروحين والمتضررين بالمواساة والإسناد والتعويض في مشروع وطني متكامل يصون ولا يبدد، يوحد ولا يشتت، يجمع ولا يفرق، يبني ولا يهدم. مع ضرورة استثمار سريع وعاجل لحالة التجاوب الشعبي الفائق في تحقيق واقع المؤاخاة والترابط.
وهذا بحاجة إلى الإسراع في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وإنجاز ملفها كأولوية قصوى ودون تغييب لنتائج الانتخابات من أجل حماية الخيار الديمقراطي مع إبداء الجدية الكاملة لإنجاز ملف منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة بنائها على أسس صحيحة تضمن مشاركة الكل الفلسطيني وبما يشكل مرجعية وضمان لقضيتنا العادلة وصون لحقوق شعبنا في المنافي والشتات من خلال تمثيله في المرجعية الفلسطينية العليا التي تمثل بيت الفلسطينيين في الداخل والخارج.
اتفاق مكة يؤسس لواقع مجتمعي فلسطيني داخلي جديد لا يعتمد الإقصاء لغة ولا التفرد سبيلاً وذلك باعتماد الشراكة السياسية منهجاً واحداً مرسخين شعار “شركاء في الدم شركاء في القرار” ورافعين لواء التعاون (وتعاونوا على البر والتقوى) مع اعتصام بحبل الله المتين (واعتصموا بحبل الله جميعاً).
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...