الإثنين 12/مايو/2025

الألاعيب الأميركية واتفاق مكة

إبراهيم أبو الهيجاء

صحيح أن السعودية نسقت خطواتها مع الولايات المتحدة والأوروبيين وكان الإسرائيليون بالطبع في صورة ما يجري لتحقيق اعتراف دولي به ، فقد وصل كل اللاعبين إلى استنتاج رئيس مفاده أن إسقاط حكم حماس غير متاح ، والاهم إدراكهم أن الشعب الفلسطيني يتلمس الأعذار لحماس بسبب الحصار الاقتصادي ، وجدير ذكره أن حكومة حماس استطاعت أن تجر المجتمع الدولي إلى  تحمل مسئولياته تجاه حالة العوز والفقر ، فاحدث ذلك اختراقات توارت تارة خلف مكتب الرئيس وتارة بالمساعدة المباشرة وتارة ثالثة بالمساعدة البديلة …

وهذا كان سيؤدي عاجلا أم آجلا إلى تكيف حماس والشعب الفلسطيني مع الحصار المفروض ، لذا كان ترحيب الأوروبيين وروسيا والأمم المتحدة باتفاق مكة وتحفظ الولايات المتحدة والرفض الإسرائيلي المائع دليلاً على تراجعهم وقبولهم بغموض اتفاق مكة دون توافقه صراحة مع شروط الرباعية ، وأكد ذلك ضعف بوش واولمرت في استطلاعات الرأي الداخلية ، والاهم حاجة الاثنين إلى خلق اصطفاف عربي ضد نووي إيران ، كل ذلك ساهم في نجاح اتفاق مكة وقبوله على مضض ، لكن علينا أن لا نتوهم للحظة أن إسرائيل والولايات المتحدة قد سلمتا بشرعية حماس ، فإسرائيل والولايات المتحدة تحاولا ابتلاع اتفاق مكة مؤقتا ولحين تفرغهم إقليميا ضد الجبهة الإيرانية ، أو لحين تحسين أوضاعهم في استطلاعات الرأي ، وخلال ذلك ستبقى إسرائيل تحرض الأطراف الفلسطينية على بعضها وتعلن تبرمها من الاتفاق ، وأثناء ذلك قد تقدم على اقتحام غزة لأغراض إضعاف شرعية حكومة الوحدة الوطنية التي تقودها ” حماس ” ولاسيما إذا ما جرى الإفراج عن الجندي ” شاليط ” بصفقة مهينة لإسرائيل ، لأنها حينئذ ستحاول ضرب عدة عصافير بحجر واحد يعيد لها قليلا من الهيبة و آخر يضعف حركة حماس وثالث يمكنها من السيطرة على الأسلحة النوعية التي توجد في يد المقاومة وهذا سيحقق لها فرض شروط جديدة للعبة السياسية .

اللعبة الأميركية الإسرائيلية واضحة وانتهازية إلى ابعد الحدود فهي تدرك صعوبة قولها(لا ) قاطعة ضد اتفاق مكة ، فهي لا تريد إزعاج النظام العربي الرسمي ، وتدرك صعوبة التغلب على حركة حماس أو إسقاطها ، ضمن هذا التوازن تريد الولايات المتحدة السير فهي ستعمل ليل نهار على فك التحالف مابين حماس وفتح ، وفي ذات الوقت ستطالب علنيا حكومة الوحدة الإيفاء بالتزاماتها السياسية والأمنية ضد المقاومة ، ولربما ستمارس لعبة المقاطعة ضد حماس والمعانقة مع حركة فتح ، حتى تزيد الشرخ وتألب حماس على فتح والعكس صحيح ،وما ينطبق على العلاقة السياسية سينعكس على العلاقة الاقتصادية ، حيث سيجري السماح بلقاءات وآفاق سياسية مالية لوزارات ويرفض التعاطي مع وزارات أخرى …

 هذا اختبار كبير بالنسبة لحماس وبالنسبة لحركة فتح ، وسيكون مطلوبا من حركة فتح تحديدا تأكيد أصول الشراكة السياسية في بقية الصلاحيات ( السفارات والمحافظين ومراكز التوظيف) وان يجري المضي في إصلاح الأجهزة الأمنية والاهم إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية لوضع مرجعية فلسطينية قيادية في الموقف من الاتفاقات السابقة والمفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي ….

 كذلك من المهم أن تسمع حركة حركة فتح الاميركان لغة واضحة تجاه أساليب الفتنة الأميركية ، وان ترفض عملياً أي علاقات أميركية لا تحترم رئيس وزرائها أو الأغلبية الحاكمة في التشريعي … لان الإغراء الأميركي شرك كبير إن وقعت فيه فتح لن تسكت حركة حماس عليه وستعتبر ذلك خرقا واضحاً لروح ومنطق اتفاق مكة ، وسنجد أنفسنا مرة أخرى في مواجهة التصريحات الإعلامية التنديدية المتبادلة ، التي سرعان ما ستنتقل إلى الشارع هذا السيناريو الرهيب والمزعج لا احد يتمناه ويمكن تداركه بحرص فتحاوي وتقديم تنازلات جدية في الصلاحيات والشراكة الحقيقية ، لأن حماس قدمت كل ما تستطيعه ولا يمكنها التقدم خطوة صغيرة أخرى لأنها ستجد نفسها في مواجهة ذاتها وثوابتها ، لذا على حركة فتح أن تلتقط الفرصة لانجاز وحدة حقيقية وإستراتيجية فلسطينية جدية ، وإلا بقينا ندق الماء وعدنا إلى المربع الأول حيث القرار الفلسطيني مشتت ومتلاعب به ، وسنعود مرة أخرى لمصطلحات الانتخابات المبكرة وتيارات الانقلاب والحاجة لاتفاق جديد يفسر اتفاق مكة بعدما فسر مكة وثيقة الوفاق وفسرت وثيقة الوفاق اتفاق القاهرة وهكذا ، والمخطط الإسرائيلي في هذه الأثناء سيكون ماض حيث لا دولة ولا قدس ولا عودة للاجئين ، عندها سيكون الخاسر فقط هو الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه وحريته .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات