الإثنين 12/مايو/2025

أزمة اليسار الفلسطيني؟

إبراهيم أبو الهيجاء

يمكنني أن أتفهم رفض اليسار المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية، بسبب قلة الحقائب التي أعطيت لهم، رغم قناعتي أن الوزن الانتخابي لا يؤهلهم لأخذ أكثر من حقيبتين، وهذه بصراحة ليست مشكلة حماس أو فتح، فهذه لعبة ديمقراطية وعلى الجميع احترامها …

لكن ما لا أفهمه أن يزايد أحد على موقف حماس، بادعاء أن اتفاق مكة هو صيغة أقل قيمة من وثيقة الوفاق، أو أنه هبوط في الموقف السياسي.

لا أزعم أن اتفاق مكة هو النموذج الذي يجب أن نصل إليه، ولربما ذكرت في مقالات سابقة أكثر من تحفظ، لكنه المتاح الذي يمكن حماس من الاحتفاظ بمسافة من اتفاقات التسوية، دون التزامها بإلقاء السلاح، ودون توريطها بفتنة لا تبقي ولا تذر، لكن بالمقابل، من العجيب أن يكون اتفاق مكة هبوطا في المستوى السياسي، بينما قبول اليسار بقرارات (242 و338) وقبلها وثيقة الاستقلال، هو التحليق في المستوى السياسي.

الكل يعلم أن السبب المركزي في رفض اليسار الدخول في شراكة مع حكومة حماس السابقة، هو رفض حماس القبول بمرجعية منظمة التحرير دون إصلاحها أو وثيقة الاستقلال دون تعديلها… والغريب أن منظمة التحرير التي لازال اليسار فاعلا في لجنتها التنفيذية، يرفض كلمة “احترام” لاتفاقاتها، كما جاء في صيغة اتفاق مكة، بينما هو شريك في قراراتها ومستمر فيها على سوء أحوالها، وعند قبول المنظمة باتفاق أوسلو، أقصى ما فعلته بعض فصائل اليسار هو تعليق أو تجميد عضويتها في تنفيذية المنظمة ولاحقا العودة إليها بذرائع ضعيفة.

بل إن اليسار اشترك فعليا في السلطة، وكان له مراكز في وزاراتها وجيشها، بينما كانت حماس مقاطعة بشكل واضح، ترفض السبب كما ترفض النتيجة… إذاً من هو المسئول عن هبوط المستوى السياسي، الذي شارك في السلطة وأعطاها القوة والشرعية، أم من رفضها وقاطعها؟!

ثم من هو الذي هبط بالمستوى السياسي للقضية الفلسطينية، الذي دفع ضريبة الدم من قادته وأبنائه وقدم الشهيد تلو الشهيد، بينما كانت عملياته الاستشهادية في العمق الصهيوني ترفض من قبل اليسار، بحجة أن العمليات في العمق تسيء للقضية الفلسطينية، لأنها ضد “المدنيين”؟

ثم أليس حرياً بالرفاق في اليسار، أن ينظروا إلى جهة التمويل التي تضخ الأموال في جيوب المنظمات غير الحكومية التابعة فعليا لليسار الفلسطيني، وما فعله هذا التمويل من خراب للتنمية الفلسطينية، قبل الحديث عن علو أو هبوط للمستوى السياسي…

نحن لا نضع اليسار في سلة واحدة، ولا نريد أن نذهب للتاريخ، لنكتشف العلاقات مع اتجاهات اليسار الصهيوني، ولا أطروحات 1974م للقبول بإقامة السلطة الفلسطينية على أي شبر من الأرض الفلسطينية، بينما كانت فتح وليست حماس تتحدث عن الأرض الكاملة …

ولذا فملعب المزايدة واسع، وهو خوض عقيم لمعادلة فلسطينية لازالت في مرحلة التحرير، لكن استخدام المبرر السياسي لرفض اليسار للدخول في حكومة الوحدة الوطنية، يستدعي وضع الأمور في نصابها.

بالمقابل، فإن التوصيف الحقيقي لأزمة اليسار وضعفه التمثيلي بالشارع الفلسطيني، نابع من ضعف المرجعية الفكرية التي يستند إليها، والتي يرفضها السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني، وحتى الموقف السياسي من الاتفاقيات ومناهضتها، كان مائعاً ولم يكن قاطعا، وهذا أدى لارتباك، وإحجام الشارع الفلسطيني عن منح ثقته باليسار بشكل عام…

والغريب أن اليسار الفلسطيني، رغم وزنه التمثيلي، كان يطالب بداية حكم حماس بديمقراطية توافقية، وهو لا يخفي هذه النوايا، ولعل تشدده في عدم الدخول في حكومة الوحدة الحالية ورفضه للثنائية (حماس وفتح)، يستبطن إلزام حماس وفتح، بأن يكون له صوت معطل، موازٍ لما تحوزه حماس أو فتح … محاولاً إسقاط التجربة اللبنانية المحكومة بالطائفية على الحالة الفلسطينية المختلفة تماما، والمناقضة لاتفاق القاهرة، الذي أقر الوزن الانتخابي كمقياس للتمثيل بالمنظمة، الأمر الذي نقضته فتح المهيمنة على المنظمة، ويناقضه اليسار الآن، الذي يريد ابتزاز الحالة الفلسطينية، التي لا تحتمل ضغوطا داخلية فضلا عن خارجية.

في نهاية المطاف، لن يضير حكومة الوحدة، اشتراك اليسار من عدمه، لكن التاريخ لن يرحم الحسابات الحزبية المقيتة، في وقت يتطلب الأمر مسئولية جماعية، ترتفع عن الجراح، فضلاً عن التفكير الضيق والابتزاز الرخيص.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات