الإثنين 12/مايو/2025

الجبهة الشعبية بين الثوابت والمبررات

سوسن البرغوتي

قد نفهم موقف أي فصيل أو طرف فلسطيني، رافض للحكومة المتوقع تشكيلها، بأن لا سيادة حقيقية للسلطة الفلسطينية المحلية، وأنها جاءت على أجنحة اتفاقيات أوسلو، كما أن منظمة التحرير الفلسطينية شاركت بالاعتراف بـ”إسرائيل”، وعدلت الميثاق الوطني الفلسطيني، ليتناسب مع مرحلة تصفية القضية الفلسطينية، ولن يكون ذلك على استعادة الحقوق والأرض الفلسطينية، ولا بتنفيذ إقرار حق العودة بالعمل وليس بالشعارات، ولا بإعادة المدينة المقدسة إلى أهلها فعلياً وليس من خلال وعود سرابية، وليس أدل على الانتهاكات المستمرة لمدينة القدس، ما يمارسه الاحتلال ضارباً بعرض الحائط كل المفاوضات والوعود والاتفاقيات السياسية السابقة.

 موقف الجهاد الإسلامي ثابت منذ البداية، ويتمثل في رفض الانخراط بأي عملية سياسية، والبقاء على الالتزام بخيار المقاومة المسلحة، أو المشاركة بمنظمة التحرير كممثل شرعي لجميع الفلسطينيين بعد إحيائها على أساس الثوابت وليس برنامج التعديل. أما الجبهة الشعبية العضو في منظمة التحرير بشكلها الحالي، اعترفت بالوجود الصهيوني، وقد شاركت بالانتخابات التشريعية، وحصلت على مقاعد في المجلس التشريعي، وامتناعها الآن عن المشاركة في الحكومة القادمة لا مبرر له، في الوقت الذي لم تعترض سابقاً على وجود السلطة المحلية جملة وتفصيلاً، واعترضت على كتاب التكليف، كونه قدم نزولاً وتكريساً لاحترام الاتفاقيات المبرمة مع منظمة التحرير!..
ألم تحتج الجبهة الشعبية على عدم قبول حماس الانضمام إلى منظمة التحرير بعد الانتخابات الأخيرة، كون المنظمة الممثل الشرعي لجميع الفلسطينيين، فما الذي غير القرار الجبهاوي الآن، أليس في هذا تناقض مع تصريحات الجبهة السابقة، فوافقت على كل قرارات المنظمة، واعترضت على احترام الاتفاقيات المبرمة معها!.

الحكومة القادمة نتاج ثمار مصالحة، وبفشل لجنة المتابعة من حصر الخلافات وتصعيد الخلافات إلى حد الاحتكام للسلاح، دخلت المملكة العربية السعودية على الخط، لحقن الدماء الفلسطينية. وبهذا استطاعت حماس كحكومة محلية الخروج من أزمة الاقتتال الداخلي، كما استطاعت تخطي العراقيل السابقة، كالدعوة للجوء إلى الاستفتاء أو خوض انتخابات جديدة، عدا إنهاء الحصار المالي، وأن تكرس هذا الفوز للمطالبة مجدداً بضرورة توحيد القرار السياسي الفلسطيني، بالاحتكام إلى طرف عربي، وهذا النصر كان ثمنه تقديم بعض التنازلات، والذي ترجع حماس أسبابه إلى حقن الدم الفلسطيني، وصد محاولات تقسيم وانقسام الشارع الفلسطيني، على أساس قوة قطبين متناقضين في الأيدلوجية والهدف.

فتيار سلطة أوسلو أسقط راية المقاومة واعتبرها أحدهم عملاً جباناً، وأدان آخر العمليات الاستشهادية، كما وانتهج التيار سياسة التفاوض وعقد الاتفاقيات بتصوّر أنها قادرة على حل الصراع، وقد ثبت  فشلها الذريع، بسبب السياسات “الإسرائيلية” المستمرة في شراسة الرغبة للقضاء على المقاومة وتطهير العرق الفلسطيني البشري وتهويد القدس، ومحاصرة الفلسطينيين حصاراً شاملاً، وراء جدار يعزل المدن الفلسطينية عن بعضها، ويعزل الشعب بأسره عن العالم الخارجي، وبسبب إذعان التيار لأوامر ومطالب صهيو-أمريكية،دون توخي المصلحة الفلسطينية.

أما  حماس فلم تتخل عن المقاومة، والقبول بالهدنة مع العدو، لا يدلل على اعترافها به، وصلح الحديبية كان بين المسلمين والكفار، وكانت المدة المقررة للاتفاق عشرة سنوات، حتى نقضته قبيلة بكر.

عودة إلى أسباب عدم موافقة مشاركة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تكمن في توزيع الحقائب الوزارية، واحتفاظ الفصيلين الكبيرين بترؤس أهم الوزارات في الحكومة، فالأمر هنا يختلف، ولا يستدعي التلويح بورقة الثوابت واستخدامها لتبرير الرفض، فإن هذا السلوك سيضعف من موقف الجبهة، ويعمل على بيان تناقض واضح بين القبول بمشاركة في المجلس التشريعي والمنظمة، والرفض بالمشاركة بحكومة المصالحة لأسباب أخرى، تعيق محاولة حماس تشكيل جبهة وطنية واحدة.

إن حدث وخرجت الحكومة إلى النور، لن تكون أكثر من التزام  فلسطيني، بعدم الخروج والاحتكام للشارع، وهذا بحد ذاته يخفف وطأة الضغط المستمر على الشعب داخل الأراضي المحتلة، وهو إنجاز يُحسب للطرفين، بضبط السلاح الموجه لصدور الفلسطينيين. لكنها لن توقف استمرار المؤامرة النائمة إلى حين، وسيعمل المخطِط “الإسرائيلي” دائماً على التحريض لإيقاظها.عندها يتضح بجلاء، أن تيار التنازل عن فعل المقاومة، سيعود للظهور بوسائل وطرق أخرى وبوجوه مختلفة عن تلك التي انكشفت أقنعتها للقاصي والداني، وستعمد حكومة الكيان الصهيوني إلى استخدام شخصية قيادية بارزة قد تكون قادرة على إلغاء نفوذ هذا التيار وأجهزته المسلحة، لعدم كفاءته في القضاء على المقاومين في غزة تحديداً من جهة، بالرغم من مساعدة المستعربين، واللعب على إعادة إحياء حركة فتح بإنقاذها من فئة فاسدة ومفسدة، متمسكاً وملتزماً بشرعية الاتفاقيات السابقة المبرمة مع “إسرائيل” من جهة أخرى، كأرضية وأساس لإعادة فتح قنوات حوارية مع الكيان الصهيوني،على مبدأ الحل النهائي بإقامة دولتين بحدود الـ67، ومحاصرة هذه المحاولات لا يكون إلا بتشكيل جبهة وطنية عريضة، تتصدى وتخترق صفوف المؤامرة.

أما حق العودة وقضية القدس، فقضيتان صالحتان للمد والجزر، حتى ينهي أحد الطرفين وجود الآخر، أو يظهر عدو ذو بأس شديد ، يقضي على “إسرائيل” كما حدث في التاريخ، عندما أنهى “نبوخذ نصّر” إمبراطورية آل صهيون، ليس محبة بالفلسطينيين، وإنما لإثبات نفوذ آخر ومن نوع آخر تحت حجج ومبررات مناصرة قضية عادلة لأرض وشعب سُلبت أرضه وحقه في تقرير مصيره، والحقيقة المطلقة أن الصراع مع الطرف الخارجي، سيبقى قائماً على شهوة اقتسام مناطق النفوذ والحدود، وليس صراع وجود.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات