الأحد 11/مايو/2025

باتفاق مكة .. هل تسعى فتح إلى شراكة سياسية حقيقة ؟

حازم أحمد قاسم

قبل أن يصل القادة الفلسطينيون إلى رحاب مكة المكرمة كانت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من الخطورة .. فقد بدا و كأن الاقتتال الجاري على الأرض سائر إلى مرحلة الحرب الأهلية .. و وصلت الأمور ذروتها فقد طالت نيران الاقتتال حرمات المساجد و الجامعات بعد أن تجاوزت خطوط كانت قبل ذلك حمراء .

و صاحب ذلك انسداد للأفق السياسي الفلسطيني الداخلي و تجلى ذلك بإعلان الرئيس محمود عباس عن نيته إجراء انتخابات رئاسية و تشريعية مبكرة و انسداد للأفق السياسي مع لجانب الإسرائيلي و بدا ذلك واضحا بعد النتائج الصفرية للقاء اولمرت – عباس في الثاني و العشرين من ديسمبر من العام المنصرم .

من بين معالم هذه الصورة القاتمة جاءت المبادرة السعودية بدعوة الأطراف إلى الحوار في مكة و قد استجابت الأطراف للمبادرة كما فعلت بسابقتها مثل المبادرة الأردنية و المقترحات المصرية لحل الأزمة و المبادرة القطرية قبل ذلك .

و مع وصول الإطراف المتنازعة إلى مكة بدا واضحا من التصريحات قبيل اللقاء أن الفرقاء جادون هذه المرة في الحوار  و أنهم جادون بالوصول إلى اتفاق و أصبح شعار حوار مكة تلك العبارة التي صرح بها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس قبيل وصوله إلى مكة ” في حوار مكة غير مسموح بالفشل ” .

و بدت الأمور أكثر أريحية مع كلمات المجتمعين في اللقاء الافتتاحي للحوار لكل من عباس و مشعل و هنية .. و في النهاية خرج علينا المجتمعون بصيغة اتفاق بشأن تشكيل الحكومة و إعادة صياغة منظمة التحرير و الشراكة السياسية .فيما بات يعرف بـ ” اتفاق مكة ” و سادت أجواء الفرح و الارتياح في فلسطين و بدأت المواقف تجاه الاتفاق تخرج تباعا .

و لكن لماذا قبلت الأطراف باتفاق مكة بعدما بدا للجميع قبلها بقليل أن الوفاق بعيد المنال و لماذا ذهبت حركة فتح تحديدا للاتفاق – و هو موضوع حديثنا – ؟ و هل هذا التصرف من فتح نابع من توجه حقيقي عند فتح للشراكة السياسية ؟ أم انه إجراء تكتيكي أملته الظروف على الأرض و المعطيات الإقليمية حولها ؟؟

و قبل الإجابة نستحضر بعض المعطيات عن الوحدة و الشراكة في الممارسة عند فتح :-

أولا: من المعروف أن الحركات و الأحزاب التي تحكم لفترة طويلة و خاصة في دول العالم الثالث الذي ننتمي إليه تدخل في حالة “إدمان السلطة” حيث يختلط الحزب بالدولة على مستوى القيادة و المؤسسات و التمويل و تسخر أدوات الدولة لمصلحة الحزب و يصبح الاستئثار بالحكم الشغل الشاغل للحزب و المحدد الرئيس للتصرفات و المواقف . و هذه الحالة عينها عند حركة فتح .

ثانيا: إن حركة فتح و من يوم أن سيطرت على منظمة التحرير الفلسطينية و هي تدير المنظمة وفق رؤيتها الواحدية و كانت الشراكة في غالبها ديكورا تجمل به فتح المنظمة و بعد أن أقامت فتح السلطة لم تقدم و لو نصف خطوة على طريق الشراكة السياسية الحقيقة و كان دائما طرحها أن من أراد أن يشارك معنا لابد أن يتكلم بلغتنا ويلبس ثوبنا فلم نر طيلة فترة حكم فتح قيام حكومة وحدة وطنية و لا جرت مساعي حقيقة لذلك .

ثالثا : أن فتح ذهبت ابعد من مجرد رفضها للشراكة السياسية و خاصة مع المعارضة الحقيقة متمثلة بحركتي حماس و الجهاد فقد مارست سياسية الإقصاء بالحديد و النار و فتح أبواب السجون لقادة المعارضة و لاحقت مؤسساتها و مارست كل ممارسات أنظمة العالم الثالث في قمع الحركات المعارضة .

رابعا : كان واضحا من مشاورات تشكيل الحكومة الفلسطينية العاشرة أن حركة فتح لا تريد المشاركة في الحكومة التي تقودها حركة حماس و ذلك من خلال الشروط و الطلبات التي وضعتها فتح لكي تقبل في المشاركة في الحكومة كالمطالبة – علي سبيل المثال – بالالتزام الكامل بالاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع أن البرنامج الذي انتخبت عليه حماس كان على قاعدة الرفض لهذه الاتفاقات وأيضا مطلب فتح بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثل شرعي و وحيد للشعب الفلسطيني مع أن حماس خارج المنظمة فكأنما يراد لحماس إنكار تمثيلها للشعب الفلسطيني و غيرها من الشروط . و كانت فتح تريد أن تترك حماس وحدها في سفينة الحكومة لحاجة في نفس يعقوب.

خامسا : مارست حركة فتح ممثلة بما بات يعرف “بالمؤسسة الرئاسية “ سياسية إفشال للحكومة عبر عشرات الإجراءات المبكرة مثل سحب صلاحيات واسعة من الحكومة على المستوى المالي و الاقتصادي و على الصعيد الأمني و الإعلامي و السياسي و التمثيل الخارجي ؛ حتى أن الرئيس عباس عين فاروق القدومي وزيراً للخارجية إلى جنب وزير خارجية الحكومة . و كثيرا ما اتهمت حركة حماس بالتصريح مرة و بالتلميح مرات على أن عباس يشارك بشكل أو بأخر بحصار الحكومة الفلسطينية حتى نزلت الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس لتتصارع مع مسلحي حماس و القوة التنفيذية التي شكلها وزير الداخلية عدا عن اصطفاف عباس مع المطالب الدولية من حماس بالاعتراف بإسرائيل و تطبيق الاتفاقات السابقة قبل أن يتراجع عنها عباس في اتفاق مكة.

سادسا: قامت حركة فتح بشن حملة إعلامية دعائية ضد الحكومة و حركة حماس استخدمت فيها مختلف وسائل التشويه للحكومة و أدائها . و الغريب في الأمر أن فتح – المفترض أنها بالمعارضة –  استخدمت أدوات الحكومة في مهاجمة حماس – المفترض أنها في الحكم – و هذه من الغرائب التي نتجت على الساحة الفلسطينية بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الثانية.

من مجمل النقاط السابقة يتضح أن فتح إن كان على مستوى الممارسة لم تؤمن بالمشاركة السياسية فلماذا إذا وافقت على بنود اتفاق مكة ؟

يمكن تلخيص بعض هذه الأسباب كما يلي :-

أولا : صحيح أن حركة فتح و عبر مؤسسة الرئاسة سحبت الكثير من الصلاحيات الحكومية إلا أن فتح بدأت تشعر بمأزق خروجها من الحكومة و أن مرور الوقت على ” حكومة حماس” يؤدي إلى ترسيخ أقدام حماس في الوزارات عبر التعيينات و التنقلات داخل الوزارات و أن فتح كانت تعتمد بشكل كامل على التوظيف في المؤسسات الحكومية في عملية الاستقطاب المحتدمة مع حركة حماس و أن هذه الميزة بدأت فتح تفقدها بطريقة تدريجية .

ثانيا : إن حملة إسقاط الحكومة لم تؤت ثمارها كما كان متوقعا و بالزمن المرسوم لها في عقول الفتحاويين و أن الزمن كان عامل ضغط على قيادة فتح و حتى القضية الكبرى التي استخدمها فتح على أنها ورقة رابحة و هي قضية الرواتب بدأت تفقد تأثيرها بفعل بعض الشروخات في الحصار الاقتصادي و انتقال هم الناس من الرواتب إلى الأمن الشخصي فقط بفعل حالة الاقتتال في الشوارع .

ثالثا : قامت حماس بجهد إعلامي مضاد للهجمة الإعلامية الفتحاوية كي توضح الصورة للجماهير و استخدمت بذلك أدواتها التي لا تملكها فتح كالمساجد و الدعاة و الخطاب الديني و كانت حماس تستند على خلفية الفساد الفتحاوي في المرحلة السابقة التي لا ينكرها حتى الفتحاويين أنفسهم .

رابعا : كان الحصار على الحكومة و محاولة إسقاطها واضحة و صارخة و الناس على ثقة أن إطرافا فلسطينية تحاول إسقاط الحكومة بالتعاون مع أطراف خارجية . أي أن مساعي فتح تقاطعت مع المساعي الأمريكية و الإسرائيلية في هذا المجال ؛ و من المعروف الحساسية الشديدة للجماهير العربية و الفلسطينية على وجه الخصوص تجاه أمريكا و إسرائيل على اعتبارهما أعداء الشعب الفلسطيني فالرضا الأمريكي أو الإسرائيلي عن أي شخص يضعه في دائرة الاتهام. و إسرائيل و أمريكيا لم تتورع عن كيل المديح للرئيس عباس و تصنفه في خانة المعتدلين في مواجهة محور المتطرفين الذي تمثله حماس على الجانب الفلسطيني حتى أن الرئيس عباس كان يتحرج من مديح أمريكا و إسرائيل له .

و لا يخفى أن أول من دعم قرار أبو مازن بإجراء انتخابات رئاسية و تشريعية مبكرة هي إسرائيل و أمريكا و بريطانيا و هذه الدول ارتبطت بالوجدان الفلسطيني بالعداء السافر و الداعم للاحتلال .

و وصل هذا الأمر ذروته حينما قرر الكونجرس تقديم مساعدات بعشرات ملايين الدولارات للقوات التابعة للرئاسة لمواجهة حركة حماس و ما صاحب ذلك من لغط حول قافلة الأسلحة و كان ذلك تدخلا سافرا في الشأن الفلسطيني و هو ما سبب لحركة فتح حرجا شعبيا و قيميا و وطنيا و أخلاقيا .

و هذه الحالة حافظت على التفاف الجماهير حول حماس كردة فعل عكسية للتدخل من الدول ” العدوة” للشعب الفلسطيني

خامسا: انه و مع سيطرة فتح على الأجهزة الأمنية فان دخول القوة التنفيذية على الخط الأمني و بكل قوة هدد سيطرة فتح على الشارع . و أن القوة التنفيذية لم تتأخر بفرض نفسها على الشارع مما اوجد نوعاً نسبياً من التوازن العسكري و شعرت فتح بان ورقة الأجهزة الأمنية بدأ تنازعها فيها حماس و بقوة .

سادسا : بدأت الدول العربية و خاصة المجاورة منها تيأس من أن تقوم فتح و الرئاسة بإسقاط الحكومة و بدأت تعي هذه الدول على ضرورة إشراك حماس في الحكم . فمصر مثلا بدأت تشعر بالخطورة من تردى الأوضاع في قطاع غزة المجاور لها و أكثر من مرة تطال نيران الفلتان الجانب المصري و بدأت الأردن تخشى من انتقال الأحداث للضفة الغربية والمصالح الأردنية في الضفة الغربية معروفة بل أن الساحة الأردنية نفسها و بحكم الوجود الفلسطيني الكبير في الأردن تتأثر بالأحداث و كانت بداية ذلك من بيانات صدرت باسم فتح في الساحة الأردنية تهدد بنقل الصراع مع حماس إلى كل الساحات مما دفع الأردن إلى احتجاز احد القادة الفتحاويين .

حتى أن أياً من الدول العربية لم تشجع عباس على قراره الأخير بإجراء الانتخابات المبكرة . كما لم تخف بعض الدول العربية عن عدم رضاها عن الخطاب التصعيدي للقيادات الفتحاوية و خاصة خطاب الانطلاقة في مدينة غزة مما اضطر الرئيس عباس أن يغير من روح الخطاب الفتحاوي في خطاب الانطلاقة في رام الله  .

سابعا : وجود تيار في فتح ضد المواجهات مع حماس و ضد تصرفات الرئيس عباس مثل فاروق القدومي رئيس اللجنة المركزية لحركة فتح و غيره . لأنهم يعرفون أن ذلك يعزز من مكانة منافسيهم على الساحة الفتحاوية و قد نشرت وسائل إعلام فتح حادثة المشادة العنيفة بين توفيق الطيراوي و جبريل الرجوب .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات