الثلاثاء 13/مايو/2025

حياة سكان شارع الشهداء في بلدة الخليل القديمة مرهونة بأيدي مئات المستوطنين

حياة سكان شارع الشهداء في بلدة الخليل القديمة مرهونة بأيدي مئات المستوطنين

يكاد الوجود العربي في شارع الشهداء في بلدة الخليل القديمة قد انتهى وأصبح الموضوع خارجاً عن السيطرة ، نتيجة استهداف سكانه من قبل المستوطنين وقوات الاحتلال الرامية إلى تفريغه بالكامل من الوجود الفلسطيني تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب ، فتحولت حياتهم إلى جحيم متواصل وظروف حياتية سوداوية مليئة بالألم والمعاناة .

تكتيك منظم

فعلى مدى أكثر من ثلاثين عاما ، استطاع المستوطنون وبحماية قوات الاحتلال السيطرة وبشكل كامل على شارع الشهداء الذي يربط شمال الخليل عن جنوبها ، ضمن سياسة منظمة وخطة استيطانية ، ابتدأت بالاستيلاء على مبنى الدبويا ، الذي كان يستخدم كمدرسة من قبل وكالة الغوث الدولية ، مطلع عام 1980، ومن ثم ممارسة أفعال استفزازية بحق عابري الشارع من المواطنين و أصحاب المحلات التجارية ، من إلقاء الحجارة والبيض وسكب المياه الملوثة وماء النار ، عدا عن الشتائم والسباب ، حتى وصل الأمر إلى حد أن المار من شارع الشهداء قد لا يخرج منه سالما بأي شكل من الأشكال ، إلى أن تم إغلاقه بالكامل أمام حركة المارة و السيارات ، كما أغلقت المحال التجارية فيه ، بالرغم من أن اتفاق بروتوكول الخليل ينص على تأهيل شارع الشهداء وفتحه أمام السكان الفلسطينيين .

حياتنا كابوس لا يطاق

إدريس زاهدة ( 59 ) عاما ، الذي ولد ويسكن في منزل متواضع مقابل محطة الكراج التي استولى عليها المستوطنون في شارع الشهداء ، عرضت عليه المستوطنة ” عنات كوهين ” مسؤولة قيادة المستوطنين في الخليل ثلاثة ملايين دولار ، مقابل منزله الذي لا يساوي أكثر من عشرين ألف دينار أردني والرحيل من شارع الشهداء .

ويوضح زاهدة انه في احد أيام عام 1994م ، هاجم المستوطنون منزله ومنازل الجيران بالشارع وكان من ضمنهم كوهين وزوجها الذي عرض على إدريس زاهدة الرحيل بشراء المنزل بسعر 1.5 مليون دولار ،مضيفا انه بعد شهر من ذلك العرض دفعت كوهين 3 ملايين دولار ،ورفضت ذلك بالرغم من أن المنزل لا يساوي جزءاً يسيراً من هذا المبلغ .  

وأضاف لم تكف تلك المستوطنة عن إغرائي بالمال للرحيل وترك المنزل ، مشيرا أنها عرضت عليه نصف مليون دولار فقط لمجرد الرحيل من الشارع دون بيع المنزل ، موضحا أنه سيظل شوكة في حلق الاحتلال ومستوطنيه،  لأنه إذا ما قدر الله وتركه فسيصبح من السهل الاستيلاء على المنازل في الشارع .   

وأشار انه كان يسكن في شارع الشهداء ثلاثة وثلاثون عائلة فلسطينية، وحاليا لا يعش سوى ثلاثة عشر عائلة فقط، نتيجة ممارسات المستوطنين وجنود الاحتلال ، موضحا أن حياتنا في الشارع أصبحت كابوسا لا يطاق، حيث ماتت السعادة وأصبحت مفردات قاموسنا خالية من الفرح والبهجة والراحة، والكوابيس المزعجة لا تفارقنا ليلا أو نهارا ، ومن يرى حياتنا ليس كمن يسمع ، فحياتنا جحيم لا تطاق ، مؤكدا أننا بالرغم من ذلك نرفض الرحيل فأرضنا ومنازلنا التي ورثناها عن أجدادنا أغلى من حياتنا .

ويعتب زاهدة على أهالي مدينة الخليل والمسئولين فيها الذين كما يقول لا يتجاوبون مع مطالب سكان شارع الشهداء ، مناشدا الرئيس محمود عباس بإصدار أوامره للجنة اعمار الخليل بترميم المنازل في الشارع يبقوا صامدين .

تطهير عرقي

ويرى عبد الهادي حنتش ، خبير الخرائط والاستيطان في محافظة الخليل ، أن شارع الشهداء أصبح  خارج عن السيطرة الفلسطينية والدولية أيضا ، مشيرا انه كان هناك اتفاق قبل عدة سنوات بفتح شارع الشهداء ، حيث تم عمل البنية التحية في هذا الشارع من مياه وكهرباء وإعادة تعبيده وتم فتح هذا الشارع لكن الاحتلال الإسرائيلي قام بإغلاقه رغم الاتفاقية الدولية ، حيث وضع الاحتلال الإسرائيلي على مدخل الشارع من الجهة الغربية ، باتجاه باب الزاوية ، مركز المدينة ، نقطة تفتيش الكترونية وحاجز عسكري بحيث لا يسمح للمواطنين بالعبور في تلك المنطقة خلف الحاجز سوى سكان المنطقة نفسها بما فيهم سكان تل الرميدة ، موضحا أن  شارع الشهداء هو مغلق أمامهم ، و لا يستخدمه سوى المستوطنين وقوات الاحتلال ، مشيرا أن هذا جزء من الخطة الإسرائيلية الهادفة إلى تفريغ المدنية من سكانها لتوسيع البؤر الاستيطانية في داخلها و ربطها هذه البؤر بعضها ببعض ، مشيرا انه تم تمزيق البلدة القديمة وتشتيت المواطنين .

وأضاف ان قوات الاحتلال اعترفت وعبر أوامر عسكرية بأن اغلاق الشارع كان خطأ ، ولكنها تصر في نفس الوقت على إغلاقه ، مشيرا ان ما يجرى في المحافظة والوطن عامة هو عملية تطهير عرقي بمعنى الكلمة ويأتي ذلك في ما تقوم به سلطات الاحتلال من طرد للسكان في محيط الجدار العنصري وخلفه وفي محيط المستوطنات الإسرائيلية وفي داخل البلدة القديمة من مدينة الخليل ، وهذه الاعمال جميعها تهدف الى تفريغ هذه المناطق من السكان وهذا هو عبارة عن تطهير عرقي .

وبين حنتش ان الاعتداءات على السكان في محيط المستوطنات هو عبارة عن عملية ضغط لإجبار السكان على الرحيل طوعا وبمحض إرادتهم بالضغط والإغراء ، مؤكدا ان الاعتداءات في محيط مستوطنة ما تسمى ” رمات يشاي” في تل الرميدة وعربدة المستوطنين في مناطق مختلفة من المدنية هو ضمن مخطط مع قوات الاحتلال لترحيل السكان ويأتي ذلك بموافقة الحكومة الضمنية ، مشيرا انه لو لم يكن هناك موافقة ضمنيه لقامت قوات الاحتلال بردع المستوطنين لكثرة الشكوى التي يتقدم بها المواطنون الفلسطينيون ، ولكن قوات الاحتلال تلقي بهذه الشكاوي في سلة المهملات وهذا ما يشجع المستوطنين  على هذه الأعمال البربرية .

حي يهودي

واعتبر خالد فهد القواسمي ، مدير عام لجنة اعمار الخليل ، أن الاحتلال الإسرائيلي يطبق سياسة الفصل داخل مدنية الخليل ، مشيرا أن هناك الآن حياً يهودياً داخل المدينة يمنع المواطنين العرب من استخدام المباني فيه أو فتح المحلات التجارية او استخدام الشوارع لوسائل النقل، إضافة إلى منع المواطنين من السير وبذلك تكون الحكومة الإسرائيلية قد أقامت الحي اليهودي في المدنية وهذا ما لا يمكن القبول به على الإطلاق .

وأوضح  ان شارع الشهداء هو شريان رئيسي في مدينة الخليل ، ولا يمكن ان تعود الحياة الطبيعية للمدينة إذا استمر إغلاق الشارع ، داعيا إلى تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين السلطة الوطنية وإسرائيل بشأن شارع الشهداء وفتحه أمام المواطنين والسماح لهم التحرك بحرية دون مضايقات او ممارسات استفزازية ، موضحا ان شارع الشهداء هو جزء من السوق التجاري للمدينة .

وأشار القواسمي أن لجنة إعمار الخليل حاولت القيام بأعمال ترميم للمنازل والمنشآت فيه إلا أن الاحتلال يرفض ويمنع ترميم المنازل فيه ، مشيرا انه تم القيام بأعمال جزئية في بعض المنازل بالخفية .

وأكد القواسمي ان الاستمرار والمثابرة والمتابعة القانونية والقيام ببعض الفعاليات الجماهيرية ضد الحصار والإغلاق، إضافة إلى إطلاع القناصل الأوروبيين والعرب ، بالإضافة الى السلطة الوطنية الفلسطينية رئاسة وحكومة على الوضع في البلدة القديمة من الخليل ، ومخاطبة الهيئات الدولية ابتداء بالأمم المتحدة وانتهاء بالجامعة العربية يمكن ان يؤتي ثماره.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات