لماذا تعارض أمريكا حكومة الوحدة الوطنية؟

لقد استبشر الفلسطينيون خيرا باتفاق مكة المكرمة وما تمخض عنه من توافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية طالما انتظرها الشعب الفلسطيني بفارغ الصبر لتنتهي المعاناة من الاحتراب والاقتتال الذي ساد الساحة الفلسطينية وأدمى قلوبنا وهزنا من أعماقنا وأوشك أن يتحول إلى حرب أهلية طاحنة لن تبقي ولن تذر.
بالتأكيد لقد استبشر الفلسطينيون خيرا بهذه الحكومة لأنها ستنهي حالة الاقتتال الدموي الداخلي وستعيد الهدوء والاطمئنان والسكينة إلى الشارع الفلسطيني وهذا هو السبب الأول الذي دفع الفلسطينيين جميعا وبشكل عفوي للخروج مبتهجين للشوارع يرفعون رايات فتح وحماس ويهتفون بشعارات كلا التنظيمين ويتعانقون في الشوارع في المساء بعد أن كانوا يترصدون بعضهم بعضا في الشوارع في الصباح وهذا هو السبب الأول.
أما السبب الثاني لهذا الابتهاج فهو اعتقادهم الجازم بأن مثل هذه الحكومة ستتمكن من رفع الحصار الاقتصادي المفروض على الشعب الفلسطيني منذ عشرة أشهر الذي ذاق فيها الفلسطينيون الأمرين وعانى منه جميعهم دون استثناء.
ثالثا هو أن هذه الحكومة ستستطيع أن تقضي على حالة الفلتان الأمني وتحارب المفسدين وتحق الحق وتبطل الباطل وتعيد للسلطة هيبتها المضيعة وسيسود القانون على الجميع دون استثناء. أي ببساطة هو مرادف للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
رابعا ستحظى هذه الحكومة حسب المنطق والعدل وقيم الديمقراطية برضي العالم ولن يستطيع أحد أن يقسم الفلسطينيين إلى معتدلين ومتطرفين ويساعد هذا الطرف على الطرف الأخر.وسيترتب على ذلك أن تقل التدخلات الأجنبية في الحياة اليومية والسياسة الفلسطينية فهذه حكومة قوية تستند إلى شرعية وقيم الديمقراطية ولن يسهل على أحد كان من كان أن يفرض حصارا على هكذا حكومة لأنه سيصبح حصارا على مجموع الشعب الفلسطيني وهذا يصعب تبريره أخلاقيا وقانونيا وإنسانيا وسياسيا.
خامسا: حكومة الوحدة الوطنية أيضا ستوقف مسلسل التنازلات السياسية المجانية لصالح العدو الإسرائيلي وكثيرا ما قدمت هذه التنازلات دونما أخذ مقابل سياسي.
لكل الأسباب السابقة فرح الفلسطينيون بهذا الاتفاق الذي سيؤدي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على قيادة الشعب الفلسطيني والأخذ بيده إلى بر الأمان والخروج من المفاوضات بأقل قدر ممكن من الخسائر وأكبر قدر ممكن من الأرباح.
ولكن لماذا ترفض أمريكا حكومة الوحدة الوطنية؟.
لدي قناعة بأن الأسباب التي دفعت الشعب الفلسطيني للابتهاج بالإعلان عن بدء المشاورات لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية هذه هي ذاتها بالإضافة لأسباب أخرى تجعل أمريكا ضد حكومة الوحدة الوطنية التي يجري الحديث عن تشكيلها.
وللإيضاح أقول إن أمريكا لا تريد تشكيل حكومة وحدة وطنية وأعلنت عن ذلك مرارا وتكرارا لأسباب هامة منها بالإضافة للأسباب التي ذكرت آنفا:
1- إن هذه الحكومة تستند في برنامجها على وثيقة الإجماع الوطني واتفاق مكة المكرمة والذي هو قريب جدا من برنامج حماس الفصيل الفائز في الانتخابات والذي في نفس الوقت لا يتعاطى بالشكل المطلوب مع الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية. وهذا ما قاله المحرر السياسي والخبير في الشؤون الفلسطينية في صحيفة معاريف. فلا يوجد في وثيقة الإجماع الوطني ولا اتفاق مكة المكرمة ولا كتاب تشكيل الحكومة كما اتفق عليه أي اعتراف ضمني أو صريح بإسرائيل.
إن أمريكا وبلا شك تريد اعترافا من حماس بإسرائيل دونما أي مقابل وقبل الجلوس على طاولة المفاوضات. وهذا انتحار سياسي لحماس التي أدارت المفاوضات بشكل رائع حقا ولم تتنازل عن ثوابتها التي هي ثوابت الشعب الفلسطيني والذي يتمنى على حماس أن لا تفرط فيها بل ويعارض بشدة أية قوى تريد فرض هذا الاعتراف على حماس بالشكل الذي تريده إسرائيل.
2- أمريكا تود أن يبقى الحال على ما كان عليه وأن لا تتشكل حكومة الوحدة الوطنية ليسهل عليها التدخل في الشؤون الفلسطينية السياسية وإدارة الصراع الداخلي وفق مصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة. وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية يعيق ذلك.
3- إبقاء الصراع الفلسطيني – الفلسطيني متأججا يشكل مصلحة أمريكية وإسرائيلية مشتركة. حيث في مثل هذه الأجواء يمكن فرض التنازلات على الفلسطينيين وابتزازهم لتقديم تنازلات كبيرة لا يمكن لأمريكا ولإسرائيل أن تحصلا عليها في ظل حكومة وحدة وطنية مستقرة وقيادة سياسية مشتركة للمفاوضات . حيث سيتفاوض الفلسطينيون مع الإسرائيليين وهم لا يخافون بعضهم بعضا وليسوا بحاجة للتحالف مع الأمريكان والإسرائيليين ضد عدو داخلي يفترض أن يتم استبعاده أو تحييده. وهذا بالتأكيد يقوي الموقف التفاوضي الفلسطيني إلى حد بعيد.
4- الصراع على الساحة الفلسطينية أيضا يشكل قضية تشغل بال العرب والمسلمين عن قضية العراق الذي ينزف دما ليل نهار. ويجب على العرب والمسلمين أن لا تترك لهم الفرصة للتركيز على قضية العراق التي هي القضية المحورية لأمريكا. وحكومة الوحدة الوطنية ستنهي هذا الصراع الداخلي ولن تبقى القضية الفلسطينية تشكل شاغلا يشغل العالم العربي والإسلامي عما يجري في أماكن أخرى تهم أمريكا وإسرائيل.
5- حكومة الوحدة الوطنية تشكل طوق نجاة لحماس من الغرق في أوحال السياسة والحرب الأهلية وتعيد لحماس بريقها ورونقها الذي تأثر كثيرا بالصراع الداخلي الفلسطيني مما أفقدها كثيرا من شعبيتها وتعيد حماس إلى الحضن الفلسطيني والعربي. وستزداد قوة بهذا الاتفاق وأمريكا تريد عزل حماس وإقصائها عن الحياة السياسية الفلسطينية وعن التأثير في السياسة في الشرق الأوسط.
6- إن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية سيعزز قيم الديمقراطية في الشارع الفلسطيني ليصبح منافسا حقيقيا لديمقراطية إسرائيل المزعومة.بالإضافة أنه سيعزز مبدأ المشاركة السياسية والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى جعل الشعب الفلسطيني يختار في الانتخابات الفلسطينية القادمة ممثليه بشكل حر يتفق مع مصالحه ورؤيته السياسية وهذا بالتأكيد إن نجحت حكومة الوحدة الوطنية في القيام بالواجبات المنوطة بها سيمنع أي طرف من التفرد بالقرار السياسي الفلسطيني. وهذا يعني أن تبقى حماس لاعبا رئيسا على الساحة الفلسطينية السياسية لعقود تالية ولن تتحول إلى بديل عابر تم انتخابه نتيجة إحباط الشارع الفلسطيني من ممارسات فتح التي لاقت استياءً فلسطينيا على نطاق واسع.وهذا يشكل دونما شك إلى تعزيز دور الإسلام السياسي الناضج والرزين في العالم العربي والإسلامي الذي سيكون بديلا أو منافسا حقيقيا للتيار العلماني الحاكم في الشرق الأوسط
حكومة الوحدة الوطنية في حال تشكيلها وفي حال معارضة إسرائيل وأمريكا لها تجبر العالم العربي والإسلامي على عدم فتح أبواب عواصمه أمام إسرائيل ويجعل من الصعب على الحكام العرب أن يتقبلوا هذا الكيان الغاصب داخل النسيج الاجتماعي والثقافي لهذه المنطقة فضلا عن أن تشكيل الحكومة سينقل الضغوط السياسية على إسرائيل بدلا من الفلسطينيين وستصبح إسرائيل في موقف الدفاع بدلا من كونها الآن في موقف هجومي يتميز بكثير من المبادرة ولديه حجج قوية لإقناع الرأي العام الأوربي والأمريكي بدعاويها بأن الحكومة الفلسطينية الحالية حكومة متطرفة لأنها مكونة من فصيل واحد ترفض القوى السياسية الفلسطينية الأخرى التعامل معه والدخول في حكومة وحدة وطنية معه هذا ببساطة يعني وضع إسرائيل وحليفتها أمريكا في عزلة دولية حال إصرارهما على محاصرة الحكومة القادمة وهناك بشائر تفيد بصدق هذا الفهم.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...