الأحد 11/مايو/2025

عباس أمام امتحان اتفاق مكة وضغوط واشنطن

عمر نجيب

انتهت يوم الإثنين 19 فبراير في القدس المحتلة اجتماعات اللقاء الثلاثي الذي عقد بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والذي وصفته العديد من وسائل الإعلام بالقمة الثلاثية، بتصريحات دبلوماسية وعرض مواقف معروفة لا تعكس أي تقدم في محادثات التسوية المجمدة منذ سنوات، وهو الأمر الذي دفع العديد من المراقبين إلى التأكيد أن اللقاء فشل في تحقيق الأهداف التي أرادتها منه كل من واشنطن وتل أبيب.

هذه النتيجة لم تكن مفاجأة حيث ان التوقعات التي سبقت الاجتماع كانت في غالبيتها متشائمة في القدرة على التوصل إلى نتائج هامة من شأنها تحريك العملية السلمية، خاصة وأن البيت الأبيض أراد من اللقاء أن ينسف أسس اتفاق مكة للثامن من فبراير الذي أحل التوافق بين حماس وفتح وقطع الطريق حتى الآن على تجدد الاشتباكات بين الجانبين والتي كانت تخدم المصالح والمواقف الصهيونية.

في محاولة لإظهار أن اللقاء لم يشكل تعثرا لأهداف السياسة الأمريكية أكدت رايس للصحفيين والى جانبها عباس واولمرت الالتزام بحل يقوم على مبدأ إقامة دولتين جنبا الى جنب، وقالت رايس “أكدنا نحن الثلاثة التزامنا بحل يستند على قيام دولتين واتفقنا على ان الدولة الفلسطينية لا يمكن ان ترى النور وسط الإرهاب والعنف”. وذكرت رايس ان اولمرت وعباس اتفقا على الالتقاء من جديد “قريبا” وأنهما طلبا مساعدة الولايات المتحدة للتقدم في المفاوضات وانها تتوقع ان تعود هي نفسها الى المنطقة قريبا لهذه الغاية.

واعلنت رايس ايضا أنه تم في الاجتماع بحث موقف اللجنة الرباعية بشأن ضرورة تعهد الحكومة الفلسطينية بعدم اللجوء الى العنف والاعتراف بإسرائيل، وقبول الاتفاقات الموقعة والالتزامات بما فيها خارطة الطريق”.

قبل الاجتماع الثلاثي كشف مقربون من رايس أنها ترغب في أن يبحث الاجتماع “اطر” الدولة الفلسطينية المستقبلية المفترض ان تتوج مفاوضات الوضع النهائي للأراضي المحتلة والتي تتضمن ملفات شائكة مثل الحدود ومصير القدس وموضوع اللاجئين والمستوطنات اليهودية. وقيل أن رايس حملت مقترحات وآليات لإعادة إطلاق عملية السلام ومفاوضات الوضع النهائي

كما أكدت مصادر مطلعة في غزة والقدس المحتلة ان الرئيس عباس أخفق في إقناع رايس، خلال لقائهما في رام الله يوم الأحد، بضرورة التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية، رغم أنه حذر من أن البديل عن اتفاق مكة هو الحرب الأهلية، فيما كررت رايس أن حكومة الوحدة لن تستجيب للشروط التي وضعتها اللجنة الرباعية، في وقت شدد رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت على “تطابق” الموقف مع واشنطن بشأن مقاطعة تلك الحكومة حيث أكد أنه والرئيس جورج بوش اتفقا على مقاطعة حكومة الوحدة الفلسطينية إلا إذا قبلت المطالب الغربية المتعلقة بالسياسة تجاه إسرائيل ،وقال “الحكومة الفلسطينية التي لا تعترف بشروط لجنة الوساطة الرباعية لا يمكن أن تحصل على اعتراف ولن يكون هناك تعاون معها.”

وقد كشف تقرير أمريكي أن واشنطن أعدت خطة لإعلان دولة فلسطينية بحدود مؤقتة حتى نهاية 2007 وأن رايس ستروج لها، وأن ضغوطا تمارس على الكونغرس من أجل منح مائة مليون دولار للرئيس محمود عباس لإقناعه بقبول المخطط. ويستند مفهوم الدولة الفلسطينية بحدود مؤقتة حسب التقرير الأمريكي على المرحلة الثانية من خطة خارطة الطريق التي تدعمها واشنطن. وتجدر الإشارة إلى أن المرحلة الثانية من الوثيقة التي أصدرتها وزارة الخارجية الأمريكية، والتي تحمل عنوان خريطة طريق إلى حل الدولتين الدائم للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني يتحدث في المرحلة الثانية «عن خيار إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات حدود مؤقتة وخاصيات السيادة على أساس الدستور الجديد كمحصلة متوسطة نحو تسوية دائمة للوضع القانوني، وأنه يمكن إحراز هذا الهدف عندما يصبح للشعب الفلسطيني قيادة تعمل بشكل حاسم ضد ما تسميه واشنطن الإرهاب وقادرة على بناء ديمقراطية تتم ممارستها قائمة على أساس التسامح والحرية، ومع توفر مثل هذه القيادة والمؤسسات المدنية والهيكليات الأمنية التي تم إصلاحها، سيحصل الفلسطينيون على دعم قسط من الرباعية والمجتمع الدولي الأوسع لإقامة دولة مستقلة قادرة على البقاء». وتعتقد إدارة بوش أن هذه الخطة من شأنها أن تسمح للرئيس الأمريكي بتحقيق هدف حل الدولتين خلال جدول زمني معقول وأن تطبيق اللجنة يمكن أن يحشد الدعم والتأييد لواشنطن لدى الدول العربية المعتدلة، ومن شأنها أن تساعد في جهود تحقيق الاستقرار في العراق.
 
وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس قد أوضحت خلال اجتماعها بنظيرتها الإسرائيلية تسيبي ليفني بتاريخ 13 يناير الماضي بالقدس المحتلة، أنها تبحث عن طريقة للإسراع في تطبيق خطة خريطة الطريق وفتح آفاق سياسية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي من أجل تحقيق رؤية بوش حول الدولتين اللتين تتعايشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن. يشار إلى أن خطة خريطة الطريق التي أصدرتها اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط، والتي تضم الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة في سنة 2003، تتحدث عن وقف العنف الإسرائيلي الفلسطيني وعن تجميد المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة، وإقامة دولة فلسطينية. وإذا كانت مبادرة كوندوليزا رايس غير واضحة بخصوص وسائل الإسراع في تطبيق خطة خريطة الطريق، إلا أنها تشدد على ضرورة التوصل لاتفاق حول الاعتراف بإسرائيل، وهو ما ترفضه حركة حماس التي تسيطر على الحكومة الفلسطينية.

باختصار شديد جاءت رايس الى فلسطين المحتلة بإملاءات سعت لفرضها على الرئيس الفلسطيني بحيث لا يكون أمامه سوى أحد أمرين أما أن يقبلها فينسف اتفاق المصالحة وحكومة الوحدة الوطنية ويعيد التصدع والصراع الى الساحة الفلسطينية ويحصل مقابل ذلك على دعم مالي وتسليحي من الولايات المتحدة، وأما أن يرفض الإملاءات الصهيوأمريكية فيهدد بالعزل ومواصلة الحصار ليس على الحكومة القادمة فقط بل ضد كل السلطة الفلسطينية.

الكثيرون يرون أن ضعف الوضع السياسي لكل من بوش وأولمرت بسبب نكسة الأول في العراق وأفغانستان والثاني في حرب لبنان والفضائح الداخلية يحد من قدرتهما على ممارسة ضغط فعال على الفلسطينيين، كما أن مواقف روسيا الأخيرة التي عبر عنها الرئيس بوتين وعارض فيها هيمنة واشنطن وعدوانيتها تعطي للفلسطينيين مساحة مناورة ومرونة في التعامل مع الضغوط الأمريكية التي لا تحظى بنفس الدعم السابق من جانب الأوروبيين.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات