عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

الصمود يصنع المعجزات

د.فراس أحمد مجاهد

إن الذي حصل مع الحكومة الفلسطينية الحالية من حصار وضغوطات وصلت إلى حد متقدم من المضايقات والتهديدات وخسارة النفسيات وانسداد الأفق السياسي وتراجع الحال الاقتصادي جعل من أصحاب اللب يحتارون في كيفية الخروج من هذه المعضلة التي وضعت فيها الحركة الإسلامية والحكومة الفلسطينية التي تعتبر رأس الحربة المنافحة عن حياض الأمة ومقدساتها ، ولكن الله سبحانه وتعالى الذي قال عن نفسه وعلى لسانه في كتابه العزيز ” إن الله يدافع عن الذين امنوا” وقوله تعالى ” وكان حقا علينا نصر المؤمنين” صدق الله العظيم يتدخل بقدرته ومشيئته فهذه الآيات ما كان لنا أن ندرك حقيقتها في المشهد الفلسطيني إلا بعد أن رأينا هذا المخرج العظيم الذي قدره الله سبحانه وتعالى للصابرين الذين قال الله فيهم ” إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب” صدق الله العظيم ، اجل فلقد كان الأجر الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى للحركة الإسلامية والحكومة الفلسطينية اكبر مما كانت تتصور وأعظم مما كانت تتمنى ، فهذا الصمود الأسطوري الذي ألهب مشاعر المسلمين والمراقبين أرغم من كان يمارس الضغط أن يرفع ضغوطاته ومن كان يحارب أن يوقف عدوانه ومن كان يوصد الأبواب أن يشرعها من جديد وباتساع اكبر مكن أهل الحق من دخوله دخول الفاتحين الواثقين  لآفاق سياسية جديدة للقضية الفلسطينية الإسلامية العقائدية العادلة.

فلم تستطع كل قوى الأرض مجتمعة قريبة كانت أم بعيدة داخلية وخارجية إسلامية وغربية أن تنزع كلمة الاعتراف بإسرائيل ولم تتمكن أن تغير كلمة واحدة في البرنامج السياسي وكتاب التكليف فبقيت إسرائيل بغير اعتراف وبقيت اتفاقياتها الجائرة بدون التزام وبقيت الآفاق مشرعة أمام تصحيح المسار ورفع الظلم الذي اعترى الاتفاقيات التي أذاقت شعبنا الويلات الكثيرة وخصوصا اتفاقيتا باريس الاقتصادية  والمعابر الدحلانية وغيرها من الاتفاقيات الظالمة.

فصمود شعبنا وعدم انقلابه على حكومته المنتخبة التي صمدت فلم تتخلى عن الثوابت وقلوب الشعوب العربية والإسلامية التي فتحت أمام رموز الحكومة والأيادي البيضاء التي مدت من الفعاليات الشعبية والاقتصادية لتقدم لرئيس الحكومة ما تستطيع لتخفيف معاناة شعبنا تحت وطأة الحصار الذي وقع على الضعفاء والفقراء والمظلومين، وهناك عامل مهم وحيوي آخر ألا وهو رغبة الولايات المتحدة في مواجهة المد الإيراني في المنطقة من خلال سحب المبادرة من أيدي القيادة الإيرانية التي احتضنت الحكومة الفلسطينية وقدمت لها الكثير من الدعم السياسي والمعنوي والاقتصادي دون أن تتنازل الحكومة الفلسطينية عن استقلالية قرارها الوطني النابع من المصلحة الفلسطينية البحتة ، ولكن هذا لم يرق للولايات المتحدة فما كان منها إلا أن شكلت جبهة مقاومة للمد الإيراني وألبسته الزي السني بقيادة المملكة العربية السعودية الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة وكون فلسطين المحرك الأساسي للشعور الإسلامي في كل العالم وكون الحركة الإسلامية في فلسطين ملهمة هذا التحرك فكان لزاما أن تستوعب الحركة الإسلامية والحكومة الفلسطينية بأي ثمن حتى ولو كان رفع الضغط عن الحكومة المنتخبة للاعتراف بإسرائيل والالتزام بالاتفاقيات المبرمة وهذا تخل ثان من الإدارة الأمريكية عن إسرائيل فالمرة الأولى كانت التخلي عن إسرائيل إبان حربها على لبنان وعدم وقف إطلاق النار إلا عندما انسجم الموقف مع المصلحة الأمريكية ولو كان ذلك على حساب إسرائيل حكومة وشعبا وأمنا واقتصادا ، وها هو الفلتان الأمني الذي بدا يفتك بالنسيج الفلسطيني وأوقع العديد من الضحايا الأبرياء والذين ما كانوا ليسقطوا إلا في مواجهة الاحتلال الجاثم على الأرض الفلسطينية يتوقف توقفا تاما وهذا للدلالة على أن الفلتان مفتعل وليس أصيلا في ثقافة شعبنا ومنطق حوارنا وقضيتنا على مر السنين.

لم تقف الانجازات عند حد عدم الاعتراف وعدم الالتزام بل تعدت ذلك بالإبقاء على الرمز إسماعيل هنية رئيسا للوزراء بعد أن كان مطلبا إسرائيليا وأمريكيا إزاحة هذا العملاق عن المشهد السياسي الفلسطيني وإعلان الحكومة من مكة المكرمة وبحضور الملك عبد الله بن عبد العزيز شخصيا وبحضور الأخ خالد مشعل لهو من اكبر الانجازات باعتباره اعترافا من الحكومات العربية والإسلامية والمحافل الاوروربية والدولية بحركة حماس والحكومة التي شكلتها ، أضف إلى ذلك تغير لهجة الخطاب من الإخوة قيادات حركة فتح وقبولهم لحركة حماس والحكومة الفلسطينية مما يعبر عن حالة الارتياح الفتحاوي الأصيل عن هذا الاتفاق الوطني الاميز.

ولقد انسحبت انجازات هذا الاتفاق على بقية دول وزعماء العالم ليتجرءوا بالقول لأمريكا” لا ” ويكيلوا لها الاتهامات العلنية وما موقف الرئيس الروسي عنا ببعيد إذ فند السياسة الأمريكية ووضعها في ميزانها الصحيح عندما قال أن الشعب العراقي ذاق الويلات في عهد أمريكا الديمقراطية أكثر مما عانى من نظام صدام الديكتاتوري حسب التصنيف الأمريكي وما كان التصريح ليكون لولا الدرس الذي استوعبه الرئيس الروسي من الموقف الحماسي الصامد الذي أرغم أمريكا بان تقبل بمنطق وشروط الصابرين، ولقد اعتبرت الولايات المتحدة تصريح الرئيس الروسي بمثابة إعلان عودة الحرب الباردة التي أرهقت أمريكا وجعلت من نفسها منتصرة عند انتهائها .

فلهذا كله نبارك لشعبنا الفلسطيني رئيسا وحكومة وشعبا على هذا الصمود الأسطوري والانجاز التاريخي الذي جعلنا وبملء أفواهنا نقول بان الصمود يصنع المعجزات السياسية.
 
* أكاديمي فلسطيني.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات