الإثنين 12/مايو/2025

من أجل فتح: الجزيرة تمضي في الاتجاه المعاكس!

رشيد ثابت
سقطات الجزيرة مع فلسطين والشأن الفلسطيني كثرت وصار من المتعذر السكوت عليها.

وأنا هنا لا أريد أن أعامل الجزيرة بعد تكرار سقطاتها المعيبة فلسطينيا – لا أريد أن أعاملها بنفس ما يعامل به الدكتور فيصل القاسم ضيوف اتجاهه المعاكس؛ ولن أقول بيدي هكذا وهكذا ولن أرفع حاجبي وأنا أتساءل مستنكرا: “ماذا يحدث في قناة الجزيرة؟ هل باتت بوقا من أبواق فتح في تجلياتها الأوسلوية وبالمعنى المساوم المفرط؟ وهل صار دحلان وعباس وخط التسوية محروسين في ساعات بث القناة؛ وفي موقعها على الشبكة العنكبوتية من كل ما يحمل شبهة وصفهم بما يستحقون؛ ولو جاء ذلك في سياق خبر؛ واقتباسا عن قائل ما؛ ودون تحمل مسؤولية ما يقول؟” كلا… لن أفعل هذا وسأدع للصلح بين الجزيرة وفلسطين موضعا؛ لكن لا بد من بسط الشكاية كاملة لعل أحدا في القناة يسمع من العبد الفقير ويعي ما يسمع!

فمنذ يوم وبعض يوم بثت القناة نبأ آخر أشرطة الدكتور أيمن الظواهري؛ ونقلت من تفاصيل الشريط ما لا يرضى عنه الدكتور من أدوار الأردن والسعودية ومصر في حين؛ وتحدثت عن القسم الخاص بلبنان من ذلك التسجيل في حين آخر؛ لكن وفي كل النشرات التي غطت فيها القناة نبأ ما حكاه الظواهري؛ وفي كل المرات التي نشر فيها موقع الجزيرة خبرا عن الشريط فان الجزيرة أغفلت تماما الحصة الكبيرة منه؛ والتي كرسها الظواهري للحديث عن محمود عباس ومحمد دحلان وما يعتبره تآمرا منهما وخيانة لفلسطين ولقضيتها!

يصعب على المرء مهما أحسن الظن بالجزيرة؛ ومهما بالغ في التلبس بطيبة القلب والسذاجة – بل البلاهة – أن يقتنع أن ما جرى كان طبيعيا وبريئا وبعيدا عن عبث مقصود واقصاء متعمد من المسؤول أو المسؤولين عن تحرير الأنباء في نشرات الأخبار في القناة وفي صفحات الموقع على الانترنت! فليست فلسطين بأقل اقليميا من العراق أو لبنان لتتحدث الجزيرة عن حصتيهما من الشريط وتسكت عن فلسطين! بل فلسطين كما يعلم الجميع هي واسطة عقد الأزمات والقضايا في المنطقة؛ ولا يخفى على مبتدئ في السياسة أن خطابا تناول شأن أنصار المشروع الأمريكي في المنطقة سيكون مبتسرا ومجتزءا حين تنزع فلسطين من سياقه؛ بل كان هذا سيكون عيبا في صاحب الكلام نفسه؛ فكيف بناقل الحديث حين يقطعه عامدا؟!

اذا ليس هناك للجزيرة عذر؛ وهي ان لم تجد حرجا في بث ما هو أشد وأقسى وأكثر اثارة للجدل بخصوص النيل والحط من أفراد ومؤسسات؛ ورسميين وشعبيين؛ ورؤساء وملوك وزعماء – بما في ذلك حكام وحكومات الأردن ومصر والسعودية وزعامات التيار المتأمرك في لبنان في شريط الظواهري المعني – فإن امتناعها عن الاشارة ولو بكلمة لمن سماهم الظواهري “بالعلمانيين البائعين لفلسطين” لا يخرج عن التعمية على النبأ والانحياز لمحمد دحلان ومحمود عباس وخيانة ثقة المشاهد؛ وهذه في الحقيقة نكبة مركبة متعددة الأبعاد!

فالجزيرة صاحبة تراث الشهيد طارق أيوب؛ وصاحبة صبر ومصابرة أسير الكلمة تيسير علوني؛ وصاحبة أسير شهادة الحق سامي الحاج – هذه الجزيرة التي لم ترضخ لصواريخ بوش في كابول وفي بغداد ولم تسكت على ضيم من هم أكثر مالا وأعز نفرا من المتجبرين؛ فإنها تفجعنا في منبرنا الحر ومؤسستنا الاعلامية الأكثر احترافا في العالم العربي حين نجد أنها قررت أن تداهن؛ واختارت حين جنحت للمداهنة أن تخفض السقف مع أشخاص وجهات هي الأقل نفوذا وهي الأكثر اثارة للجدل؛ لما لا يخفى على أحد من حاضرهم وماضيهم المريب – وأكثر ذلك الريب ويا للسخرية نعرفه بفضل الجزيرة!

ليس مطلوبا من الجزيرة بطبيعة الحال أن تكون لسان حال حماس أو الجهاد؛ وليس مطلوبا منها أن تنطق باسم مشروع المقاومة في فلسطين – فهذه أمنية تعلو كثيرا جدا فوق سقف ضعف وانحدار الأمة التي بلغ من ضعفها أن تستكثر على نفسها أن تنتصر لها مؤسسة اعلامية قوية كالجزيرة – لكن دون شك فاننا لا نقبل منها أن تقوم بتنقية الأنباء مما “يسيء” ظاهرا لفتح؛ خصوصا حين تقوم الجزيرة باستخدام المقص لحماية فتح بهذا الشكل الفج! فهل يعرف هذا المحرر أو اولئك المحررون أنهم ظهروا في أعين الناس الذين تسامعوا بشتيمة دحلان في الانترنت ودون “جميلة حدا” – أنهم ظهروا في أعين هؤلاء الناس بمظهر رقيب حكومي عربي من الدرجة الرابعة وفي وزارة اعلام نظام شمولي؟!

وليس المقصود من هذا الموضوع بطبيعة الحال الاساءة للجزيرة؛ فلا ينكر فضل القناة على الثقافة السياسية لأجيال الأمة المعاصرة الا جحود! لكنها هذه الهمة العالية لقناة “أكثر من رأي” ولو كانت هذه الآراء بلا سقوف ولو كانت”بلا حدود” – هذه الهمة هي التي تجعل سقف أمانينا في مهنية القناة عاليا للغاية! ولولا أن هذه الحادثة تتصل بمسلسل من الأخطاء التي تطبع أداء مكتب الجزيرة في فلسطين لما تكلمنا؛ لكن الكيل طفح ما بين رام الله وغزة وفجيعتنا الجديدة بمحرري الأخبار في الدوحة!

فمكتب الجزيرة في فلسطين اجمالا ينطق بلسان حال السلطة الفتحاوية؛ وهو يتبنى روايتها في معظم المواقف والاشكالات ويتعامى عما يدين فتح بنحو ما صنع أصحاب الظواهري! ولا يعني هذا أن كادر مكتب فلسطين ليسوا من الوطنيين؛ فأكثرهم بدا في حرب لبنان منسجما حق الانسجام مع الأشواق الوطنية للأمة؛ واندفع لتأييد حزب الله ضد الصهاينة بانحياز محبب للجمهور؛ لكن من الواضح ان ذلك حصل فقط لغياب أجندة فتحاوية معادية لمقاومة حزب الله – حيث ينشط الحزب بعيدا عن جغرافيا فتح – والا فان نفس هذا الكادر الجزيري يعود للحديث عن المقاومة في فلسطين والعمليات الاستشهادية فيها بلغة السلطة الخشبية؛ وكلامها عن الأثر السلبي للعمليات وضجة الناس بها! ويتحدث عما حصل من فتن في الضفة فيستخدم أكثر الصيغ التواءً لحماية فتح ما وسعه الأمر؛ ولولا أن كوادر فتح في الضفة كانوا سافري التبجح في عملياتهم البطولية لخطف الأطفال – لولا ذلك لربما أمكن لبعض مراسلي الجزيرة حماية سمعة الحركة من سفاهة أولادها!

نتمنى أن تستدرك الجزيرة أخطاءها؛ فتصويب الأخطاء عملية أساسية من هيكلية أي مؤسسة ناجحة تراقب أعمالها وتسدد وتقارب. ونرجو لها أن لا تكون قد وقعت في رهاب وترويع جراء حرق السيارات في مكتب رام الله؛ ونتمنى أن لا تخضع لمن قد يتهددها بكلمة أو موقف؛ وأن لا يرف جفنها لسيف المعز وأن لا يزيغ بصرها لذهبه؛ ونرجو منها أن لا ترى نفسها كجوقة اللوبي الصهيوني في فلسطين ملزمة في التعامل مع القضية بشروط الرباعية ومبادرة بيروت! ولتتذكر الجزيرة أن من تحدى ارادة رامسفيلد ونقل صور القصف والدك العنيف في شارع فلسطين في بغداد الجريحة يجب أن يكون أكبر وأعلى من الخضوع لابتزاز “أبو علي شاهين”؛ ومن وقع على شاكلته من الطير!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات