الإثنين 12/مايو/2025

تفسير الذي يجري للفلسطينيين في العراق؟؟

أ. عماد صلاح الدين
حذرت في أكثر من مقال ومناسبة ، أن الذي يجري للفلسطينيين في العراق ، أمر خطير للغاية ، وان المقصود من أعمال القتل والاغتيال والاختطاف والملاحقة والتشريد الذي يتعرضون له ، هو حقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا عنها واخرجوا منها جبرا وقسرا ، وكنت قد أشرت في كثير من المرات ،أن هذا الذي يجري بحقهم هو عبارة عن مخطط أمريكي – إسرائيلي ، تنفذه على الأرض مجموعات ميليشياوية طائفية عراقية موالية للحكومة العراقية، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه القوات الأمريكية وفرق الموساد المنتشرة في العراق .

الغرض النهائي لهذا المخطط هو كسر إرادة الفلسطينيين، التي بقيت قوية وصلبة عبر أكثر من نصف قرن بتمسكها بحق العودة ورفض جميع مشاريع التوطين ،التي طرحت كبديل عن حق العودة ، إن المخطط يعمل على قلب حياة الفلسطينيين إلى جحيم في العراق ، وليس فقط في العراق ، بل بعد ما مرحلة العراق ، حيث علوق هؤلاء اللاجئين على الحدود في ظروف حياتية غاية في القسوة والمأساة يندى لها جبين الإنسانية ، وليس أدل على ذلك، ما يعانيه هؤلاء اللاجئون على الطرف الحدودي مع الأردن في مخيم الرويشد الذي يقيمون فيه منذ الغزو الأمريكي للعراق ، يبدو أن المخطط الآنف الذكر، والذي تتواطأ في تنفيذه، عديد من الأطراف في المنطقة ، يعمل على تشتيت شتات اللاجئين الفلسطينيين في المنطقة ، ليصار بعد ذلك وبفعل حالة الإحباط واليأس التي يعانيها فلسطينيو العراق ، والتي خططت لها أمريكا وإسرائيل وأطراف أخرى ، إلى نقل هؤلاء اللاجئين إلى مناطق وبلدان خارج النطاق الإقليمي في دول أوروبا الغربية، وعلى رأسها كندا والنرويج وبعض الدول الاسكندينافية ، ليكون هذا الأمر بمثابة العينة التجريبية، حول إمكانية القضاء على حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم ، بحيث- لاسمح الله- إذا نجح هذا المخطط ، ستعمل الأطراف، التي هي ضد حق العودة ،على تطوير هذا المخطط وتوسيعه مستقبلا، في إطار المخطط الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة ، حيث الأولى تريد تحويل المنطقة إلى كانتونات طائفية ومذهبية، لتسهل السيطرة على ثرواتها ومقدراتها ، وحيث الثانية ستجد الفرصة مواتية في ظل هذا الموزاييك ، لدفع أطراف مذهبية وطائفية أخرى للعمل على تحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم، ليسهل بالتالي تشتيتهم مرة أخرى، وبالتالي العمل على توطينهم ، بعد القضاء على سيكولوجية الأمل الجمعي لديهم في التمسك بحق العودة ، ولذلك يأتي سؤالنا المتكرر مرارا وتكرارا، لماذا لاتسمح السلطات الأردنية للفلسطينيين في العراق ، وبالأخص العالقين على حدودها في مخيم الرويشد بالدخول إلى أراضيها ، علما أن عدد فلسطينيي مخيم الرويشد لايتجاوز بضع مئات قليلة ، في حين أن الأردن يستوعب أكثر من 600 ألف عراقي على أراضيه . ولذلك، فإننا ننظر بعين الشك إلى تلك الصفقة التي عقدتها الحكومة الأردنية مع كندا، وتحت إشراف المفوضية السامية للاجئين ، بنقلهم إلى الأراضي الكندية .

ما يخفف من المصيبة التي تقع على رأس الفلسطينيين ولاجئيهم بشكل خاص ، أن مواقف سوريا كانت ايجابية إلى حد ما في قضية فلسطينيي العراق ، حيث سمحت لأعداد منهم بالدخول إلى أراضيها ، وبنت لهم مخيمين على أراضيها، وهما مخيم أبو الهول وخالد . لكن في كل الأحوال، يبقى هناك أكثر من 700 فلسطيني في مخيم التنف على الحدود مع سوريا ، وهؤلاء يعيشون ظروفا حياتية ومعيشية وصحية قاسية جدا ، نأمل من الحكومة السورية ، أن تسمح لهم بدخول أراضيها مؤقتا ، ريثما تسنح الفرصة، في عودتهم إلى ديارهم ، أو إلى الضفة والقطاع، إلى حين تحقق حقهم في العودة إلى أراضيهم وممتلكاتهم .

قبل أيام قلائل ، قام مبعوث الرئيس محمود عباس اللواء جبريل الرجوب بزيارة إلى العراق، لبحث موضوع الجالية الفلسطينية فيه . أنا شخصيا، كنت أتوقع أن هذا التحرك يأتي في سياق فهم ما يجري للفلسطينيين في العراق ، ومن هي الجهات التي تقف وراء أوضاعهم المأساوية؟؟ ، وبالتالي كنت أتوقع أن اللواء جبريل الرجوب جاءت زيارته من اجل العمل على إخراج هؤلاء الفلسطينيين من دوامة الذبح التي يتعرضون لها في العراق!! ، ليتم نقلهم إما إلى الدول العربية المجاورة ، أو أن يجري العمل من خلال الطرح، الذي تقدمت به وزارة شؤون اللاجئين، بإدخالهم إلى الضفة والقطاع إلى حين عودتهم الحقيقية إلى مدنهم وقراهم وبلداتهم التي هجروا عنها ، لكن للأسف، ذهب مستشار الرئيس لكي يطلب الأمن من الحكومة العراقية التي هي نفسها ومليشياتها الطائفية تقوم بذبحهم واختطافهم وملاحقتهم ، وحتى وان تعهدت الحكومة العراقية له بذلك ، فالفلسطينيون ملاحقون من المليشيات الدموية ، بل إن الخطر يحدق بهم في كل مكان في العراق ، طبقا للمخطط الذي أظن انه لم يغب عن السيد الرجوب ، ولذلك لاحظنا الاستنكار الشديد من الفلسطينيين في العراق، من موقف اللواء جبريل الرجوب ، اللذين أكدوا بان الرجوب لم يكلف خاطره بزيارة تجمعاتهم والاطلاع على معاناتهم ومطالبهم ، بل اكتفى بلقاء الحكومة العراقية الميليشياوية، ثم ليعلن من على الجزيرة مباشر بان الفلسطينيين يرغبون في البقاء في العراق ، ولينفي التسريبات التي تحدثت عن إمكانية استقبالهم في كردستان العراق ، ولذلك فهم يطالبون بإخراجهم من العراق ، لان العراق أصبح ساحة لتجربة ومحاولة القضاء على حق العودة ، من خلال قتل الفلسطينيين وإذلالهم،  وبالتالي العمل على تهجيرهم وتوطينهم خارج حدود المنطقة ، ولهذا اعتبروا ما صرح به الرجوب حول رغبتهم في البقاء في العراق بأنه محض تقول ليس إلا ، وبان السيد الرجوب يريد تحقيق مكاسب إعلامية وسياسية على حساب فلسطيني العراق ، هذا بالإضافة إلا أن هيئة الأمم المتحدة ، وكذلك منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية” human rights watch “، قد أصدرتا تقارير تثبت مدى الخطر الذي يحدق بالفلسطينيين في العراق، وبالتالي حول ضرورة العمل على إخراجهم من هناك .

لتلافي ما يتعرض له الفلسطينيون في العراق، من مخطط للتآمر على حقهم في العودة ، ينبغي إتباع احد طريقين كعلاج عاجل ومؤقت ، الأول : هو أن يصار إلى العمل على إدخالهم إلى الأراضي المحتلة ، وهذا يحتاج إلى جهد السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وجهد الأطراف الإقليمية والدولية للضغط على إسرائيل بالسماح لهم بالدخول ، والثاني : أو أن يتم إدخالهم إلى أراضي الدول المجاورة وبالتحديد الأردن وسوريا بشكل مؤقت ، إلى حين عودتهم إلى أراضيهم ، علما أن مجمل عدد الفلسطينيين في العراق يصل إلى 15 ألف شخص. البديل عن ذلك ،هو تنفيذ المخطط الرامي إلى محاولة تكريس سابقة بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات الأوروبي ، بعد أن يتم زرع اليأس والإحباط  في نفوسهم ، من خلال الجرائم والمآسي المختلفة التي ترتكب بحقهم ، سواء في العراق ، أو مايؤول إليه حالهم على الحدود المجاورة للعراق .

أخيرا ، أود الإشارة إلا انه لايمكن التعويل في تحقيق الأمن لفلسطيني العراق على حكومة مثل حكومة المالكي ، التي تعجز أصلا عن حماية العراقيين أنفسهم، بل هي متورطة في العديد من الجرائم ، بل إن هذه الحكومة للأسف الشديد، وكما تحدثت مصادر أجنبية وعلى رأسها الاندبندنت أون صنداي” the independent on Sunday  ” البريطانية، متواطئة مع الأمريكان وشركائهم في نهب النفط العراقي وسرقته ، من خلال ما يسمى “بقانون النفط” ،و بما يشكل أكثر من 70 % من احتياطي العراق من النفط ، في حين أن العراقيين يقفون في طوابير من اجل الحصول على ليترات من البنزين ، فهل أدرك اللواء الرجوب هذه الحقيقة قبل أن قام بزيارته تلك، و صرح بتصريحاته المباشرة على الجزيرة  ، التي أساءت فلسطينيي العراق وآذت جهودهم وصيحاتهم ومناجاتهم الإعلامية العديدة، التي نادت بإخراجهم من عراق الدم والاغتيال والاختطاف والملاحقات.
 
* كاتب وباحث في مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان – نابلس

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات