روعة الدبلوماسية الحمساوية !!

قالوا عن حماس حينما شكلت الحكومة العاشرة ، نتيجة لفوزها في الانتخابات التشريعية في مطلع العام الماضي، وبعد أن رفضت معظم الفصائل الفلسطينية المشاركة في حكومة وحدة وطنية لأسباب يعرفها الجميع ، إن حركة حماس تنقصها الخبرة والحنكة السياسيتين، فضلا عن ادعائهم أن برنامجها السياسي غير واقعي، ولا يمكن أن يجد له تقليعة حقيقية، في ظل المعطيات الإقليمية والدولية، وميزان القوى الحاكم في الصعيدين المذكورين سابقا .
كانت هذه محاولة لتشويه وإقصاء حماس عن المشهد السياسي ، واستخدم في ذلك العديد من الطرق والأساليب وعلى كافة المستويات والمجالات ، من حصار اقتصادي وسياسي ومالي لم يسبق التاريخ المعاصر له مثيل ، إلى محاولات التأليب الداخلية على الحكومة وحماس، من خلال قيادة الإضراب وتأجيجه إلى تخطيط الإضرابات والمشاكل الأمنية الداخلية ، وصولا إلى استخدام السلاح، بل وتمويله من أطراف إقليمية ودولية ،من اجل مواجهة حماس وإقصائها بالقوة العسكرية ، لكن كل هذه المحاولات بل المشاريع المحكمة لإفشال حماس وبالتالي تشويها ، وضرب بنيتها الجماهيرية المكينة ، وصولا إلى تحويلها إلى حزب هامشي باءت بالفشل بفعل الحكمة والعقلانية التي اتسمت بها قيادة الحركة .
الذي واجه حماس، ليس بالأمر الهين أو البسيط ، بل إنها مشاريع خطيرة سياسية واقتصادية وأمنية، في سياق مخطط عرف بسياسة ” البقاء في الخفاء ” . كانت الروعة الحماسية ظاهرة وبائنة للمراقب والمواطن العادي ، فحين هددوا حماس بورقة الاستفتاء على وثيقة الأسرى قبل تعديلها ، استطاعت حماس بدبلوماسيتها الفائقة والرائعة أن تحول تلك الوثيقة إلى ورقة بيدها بعد أن كانت ضدها وفي غير صالحها ، استطاع الحمساويون تقديم مصطلحات وألفاظ قانونية وسياسية ، جعلت من وثيقة الأسرى وثيقة وطنية بامتياز تحقق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية في السياق المرحلي، دون مساس بالحقوق والثوابت أو التنازل عنها أو التفريط بها ، حتى إن الذين قدسوا الوثيقة ، باتوا في مرحلة ما يدعون أنها لا تلبي الشروط والمطالب الدولية .
عبر مراحل الحوارات المتعددة، كانت حماس تواجه من قبل المتحاورين من حركة فتح بمطالب واعتراضات جديدة حتى حول النقطة أو المسألة التي تم الاتفاق عليها سابقا ، ومع ذلك كانت الحركة تطرح البديل بل وتحاول جاهدة من خلال قياداتها، التي يشهد لها بالقدرة العالية على التفكير العلمي والسياسي، بطرح الصياغات والمخارج لكل أزمة يتم افتعالها هكذا كما يبدو عبثا .
استطاعت حماس أن تتجنب الاعتراف بإسرائيل وغيرها من الشروط والاتفاقات التي لم يحصل منها الشعب الفلسطيني سوى على مزيد من الاحتلال والحصار والتجويع والاغتيالات، وآخر هذه المآسي حالة الاقتتال الداخلي الناتجة عن مشروع الحكم الذاتي ذي الصناعة الأمريكية والإسرائيلية ، والذي صمم لكي يكون عائقا أمام المشروع الوطني وضامنا حقيقيا لتسويغ الاحتلال وإضفاء الشرعية عليه وتحقيق الأمن له ، يقول البعض إن حماس قدمت تنازلات في المواقف والثوابت ، وليس أدل على ذلك اعترافها بالشرعية الدولية في وثيقة الوفاق الوطني ، وردنا على ذلك أن حماس منعت مثل هذه الاعتراف بالصياغة النظرية التي قالت انه لا اعتراف بشرعية الاحتلال ، وكذلك ضبطها للتعامل مع الشرعية العربية والدولية بما يحفظ ويصون حقوق الشعب الفلسطيني ، ولو كان الأمر غير ذلك ، لما استمر الحصار في ظل اعتراف حماس بإسرائيل وشروطها ، وأما على الأرض، فإن حماس ومن خلال حكومتها، أكدت أن لاشرعية للاحتلال ، وكان موقفها من المقاومة واضح لالبس فيه ، بأنها حق مشروع للشعب الفلسطيني .
يحاول البعض أن يذهب بان حماس قدمت تنازلا، بل اعترافا بإسرائيل من خلال الاتفاق الذي نتج عن لقاء مكة ، وبأنه لا فارق بين كلمتي التزام واحترام حول التعامل مع الشرعية العربية والدولية والاتفاقات الموقعة مع إسرائيل ، لكن بالفعل هنالك اختلاف واضح بين المفردتين ، فالأولى واضح أنها تؤدي إلى الاعتراف بإسرائيل ، لكن الثانية تشير إلى أن هنالك واقعا ، ومن العقلانية والواقعية أن يتم التعامل مع هذا الواقع ريثما يتم التمكن من تغييره أو على الأقل تحسينه ، فالاحترام لا يجبر المرء على إتيان أو عدم إتيان أعمال أو أفعال ، بموجب الأمر المحترم به ، هذا على عكس الالتزام ففيه إجبار على إتيان أو عدم إتيان أعمال أو أفعال، بموجب الأمر الملتزم به ، ولو كان في الأمر اعتراف لرحبت به أمريكا وإسرائيل على الأقل .
ثم إن المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ، مرحلة قاسية وبحق، فهو شعب محاصر من كل المستويات والمجالات ، محليا وإقليميا ودوليا ، وليس هناك طرف دولي أو إقليمي يستطيع حلحلة ظروفه هذه، في المرحلة الراهنة ، وبالتالي تقديم نوع من المرونة السياسية التي لا تمس بالحقوق والثوابت ، من اجل التخفيف على الشعب الفلسطيني يعد أمرا وطنيا بامتياز ، ثم إن حقن دماء الفلسطينيين وتوحيد جبهتهم الداخلية والتفرغ لترتيب البيت الفلسطيني برمته ، هذه كلها أمور تستأهل أن تكون هنالك مرونة سياسية في سبيل تحقيقها ، إذا كان عند الله عز وجل هدم الكعبة أهون من إراقة دم مسلم ، أفلا يكون الاستحصال على الاتفاق لحفظ دماء الناس، وتوحيدهم اجل وأعظم من اتخاذ موقف تبدو من خلاله الليونة ومحاولة الالتقاء بين الأشقاء ، إن ما حدث في مكة من اتفاق هو اجتهاد عقلي وشرعي يثاب عليه كل المشاركين فيه في سبيل إيجاد مخرج وحل لمعضلة شعب بأسره .
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...

حماس: المؤسسات الأممية هي الوحيدة المختصة بتوزيع المساعدات بغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن المجاعة في قطاع غزة تشتدّ بشكل كارثي وسط استمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء. وأكدت في بيان...

إطلاق الأسير ألكسندر يفجر غضب عائلات باقي الأسرى على نتنياهو
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام فجّر قرار حركة حماس إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر من قطاع غزة غضب عائلات باقي الأسرى...

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، صباح اليوم الاثنين، محاولة مستوطنين إدخال "قربان حي" إلى باحاته عبر باب...

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...

تحذير من انهيار القطاع الصحي بغزة مع تعمق النقص الحاد بالتجهيزات الطبية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن أقسام العمليات والعناية المركزة والطوارئ باتت تعمل بأدوات طبية مستهلكة وفي ظل غياب أصناف...

سجن جندي احتياط إسرائيلي لرفضه القتال في الضفة الغربية
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة البث الإسرائيلية إن جندي احتياط إسرائيليا سجن 5 أيام بعد رفضه المشاركة في القتال في الضفة الغربية...