عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

سياسة سحب الذرائع

د. محمد عطية عبد الرحيم

يروى في التراث العربي القديم أن حملا كان يشرب من مجرى ماء ينبع من مكان مرتفع يشرب منه ذئب حقود ماكر. عندما رأى الذئب الحمل سال لعابه واشتهى لحم الحمل الجميل فأرد أكله ولكن الذئب كان بحاجة إلي ذريعة أو مبرر يتذرع به ليأكل الحمل فتفتق ذهنه عن حيلة غريبة ماكرة قال الذئب للحمل لقد عكرت على صفو مشربي لذلك سأكلك عقابا على فعلتك فقال الحمل الوديع:- كيف يمكن لي أن أعكر صفو مشربك وأنا أسفل النبع وأنت أعلاه والماء يتدفق علي من بعدك.هذا غير معقول. لكن الذئب رأى أن هذا مبرر كاف له لكي يأكل الحمل فأكله.

لماذا ذكرنا القصة السابقة؟.

لقد ذكرنا القصة السابقة لنؤكد على حقيقة مهمة جدا من حقائق السياسة والحياة معا وهي أنه إذا كان لدى دولة عظمى نية وخطة لعمل شيء ضد الضعاف فستجد بكل تأكيد المبررات مهما كانت غير مقنعة للانقضاض على الآخرين وحينئذ لا ينفع الضعيف رغبته في سحب الذرائع من يد خصومه.

لماذا نقول هذا؟.

لقد ساد في المشهد السياسي العربي والإسلامي للأسف الشديد في زمن التخاذل والضعف  مقولات غريبة على الفكر العربي والإسلامي مفادها أنه يتوجب علينا كعرب ومسلمين وفلسطينيين أن نسحب الذرائع من يد أمريكا وإسرائيل كي لا تهاجمنا وتحتل أرضنا وتقتل أبنائنا وتنهب ثرواتنا وتسقط أنظمة حكمنا فكل ما من شأنه أن يثير حفيظة العدو يجب على الفور تركه والإقلاع عنه حتى لا تترك أية ذريعة في يد أمريكا وإسرائيل.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل أمريكا وحليفتها إسرائيل كالذئب تماما بحاجة إلى ذرائع؟ وهل يمكن سحب كل الذرائع الممكنة؟.

الجواب قطعا لا. لأنه إن تم سحب ذرائع ما فإن أمريكا وإسرائيل ستبتدع ذرائع جديدة لتحقيق ما تريد. هذه حقيقة لا مراء فيها والأدهى والأمر أن هذه الفلسفة غدت سياسة معلنة يدافع عنها الحكام العرب ويحاولون فيها إقناع شعوبهم بصواب هذه السياسة اللعينة، وليتهم اكتفوا بتداولها في جلساتهم المغلقة بل للأسف الشديد يروجون لها عبر وسائل إعلامهم وكأنهم يريدونها أن تصبح ثقافة تتخلل كيان الإنسان العربي المسلم ليصبح أداة طيعة لا تقاوم وتقبل ما يملى عليها ودونما أن تشعر بذلك وهذا ما يمكن تسميته باحتلال العقول وملئها دونما مقاومة بما يريده الغرب من فرض الهيمنة على المنطقة بكاملها فهذه الفلسفة أو الثقافة أو السياسة ترادف بكل تأكيد الانهزامية الفكرية وهي شر أنواع الهزائم على الإطلاق.

إن ما يجعلنا نذهب إلي ما ذهبنا إليه هو الآتي:- فإن كان عدوك يسمع ويرى ويعلم كيفية فهمك للأمور فهو بالتأكيد سيبني سياسته على ذلك ومن غير الحكمةِ تعريفه بطريقة تفكيرك حيث لا أحد يستطيع أن يقول بأن أمريكا لا تعرف أن الحكام العرب سيحاولون دوما سحب الذرائع من يدها حتى لا تهاجمهم وهي متيقنة من ذلك أشد اليقين وتبني سياستها على ذلك وتستخدمها أحسن استخدام وبذلك تحقق ما تريد وتكسب الحروب دونما إطلاق قذيفة واحدة ودون أن يقتل لها جندي واحد. ولكي ندلل على صدق ما ذهبنا إليه نذكر بعض الأمثلة الواضحة للعيان:

_ المثال الليبي: حيث قامت ليبيا طوعا بعد أن تعلمت من الدرس العراقي اللعين بتسليم منشآتها النووية وسلمت جميع الأجهزة التي كلفت خزينة الدولة مليارات الدولارات وقامت بشحنها على نفقتها الخاصة إلى الولايات المتحدة حتى تسحب الذريعة من يد أمريكا من مهاجمتها وهل توجد ذلة أكبر من هذه؟ وبهذه الطريقة نجح بوش في فرض إرادته وفرض الهيمنة الإسرائيلية على الشرق الأوسط  دون أن يطلق طلقة واحدة. واستراحت إسرائيل من دولة كانت تسعى لامتلاك سلاح نووي وانتهى الأمر بأن بقيت إسرائيل الدولة النبوية الوحيدة في الشرق الأوسط وحرم العرب من ذلك.

_ المثال العراقي: لقد حاول الرئيس العراقي السابق صدام حسين سحب الذرائع من يد أمريكا التي كان يعلم علم اليقين أنها ستهاجمه لا محالة فقام تحت إشراف الأمم المتحدة بتدمير كل أسلحته التي لا ترضى عنها أمريكا وسمح بتفتيش كل مكان في العراق حتى قصوره الرئاسية التي هي رمز السيادة الوطنية. ولكن ذلك لم يفلح في منع أمريكا من محاربته واحتلال أرضه ونهب ثروات العراق وتشكيل محكمة صورية أفضت إلى إعدامه بطريقة تثير الرعب في قلوب حكام العرب.

وفي الساحة الفلسطينية ليس الوضع استثناءً حيث يطلب إلى قوى المقاومة أن تعترف بإسرائيل وأن تنبذ الإرهاب أي المقاومة والجهاد وأن تعترف بشرعية الاحتلال دونما مقابل يفرض على دولة الاحتلال حتى تسحب الذرائع من يد إسرائيل وأمريكا لكي لا تحاصرنا وتجوعنا وتسمح للآخرين بإطعامنا وتركنا نعيش على بقع ممزقة من الأرض.

ولكن منذ متى كان العرب والمسلمون يقبلون الدنية في دينهم وقد علمهم رسولهم الكريم أن من مات دون ماله ونفسه وعرضه شهيد يصعد إلى السماء؟ أم إنهم لا يحبون الكرامة والجنة معا؟ ليتهم يتعلمون من وائل بن ربيعة الذي رفض الخنوع الذليل لفارس وعاملها في اليمن فحاربهم وهزمهم ولم يقبل التفريط بكرامته. ليتهم يتعلمون من القبائل العربية في يوم ذي قار الذي انتصر فيه العرب لكرامتهم وعزة أنفسهم. ليتهم يتعلمون من نبي هذه الأمة النبي العربي عندما قال( والله يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما فعلت حتى أهلك دونه) ليتهم يتعلمون من فيتنام التي قهرت أمريكا حتى أصبح لدى الأمريكان عقدة تسمى عقدة فيتنام . ليتهم يتعلمون من فنزويلا وكوبا اللتان رغم ضعفهما لم تسلما لأمريكا بما تريد ليتهم يتعلمون من المقاومة العراقية التي شارفت على هزيمة أمريكا.

أما آن لكم يا قادة العرب والمسلمين أن تتعلموا؟ هداكم الله لنصرة دينه ورفعة كلمته إلا استبدلكم الله بقوم أفضل منكم ليقوموا بهذه المهمة أما آن لكم أن تربوا أبناءنا على ثقافة التمسك بثوابت الأمة والانتصار لكرامتها وصون حقوقها وألا تقبل الدنية والذل والخنوع أن تقاوم كل من يتجرأ عليها مهما علت التضحيات وأن تعلمونا الشعار الرائع والجميل ( إما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيض العدا ) علمونا وعلموا أبناءنا أنه لا مكان لحمل وديع ضعيف في عالم يعج بالذئاب.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات