عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

ثرثرة على ضفاف اتفاق مكة

عماد عفانة
مع أننا جميعا مع الاتفاق الفلسطيني مهما اختلفت التسميات ومهما تعدد الرعاة، إلا أن بعض غير المتفائلين قد يقول إن هذا الاتفاق ربما يتحول إلى بعض مقاطع جافة من خريف الاتفاقات السابقة، وربما ينضم  إلى التيه في صحراء وعود السراب بالالتزام بتجنيب شعبنا خطر الموت له ولقضيته.

وقد يستطرد هذا البعض المتشائم متسائلا:

أكان على زعران المناكفات وفتوات الفضائيات، أن يغيبوا الأمل بوحدتنا خلف مئات الحواجز الأمنية التي نثروها في شوارع القطاع في مشهد هوليودي من فيلم حرب صهيوامريكي قبل أن يتفقوا في مكة. ..!!.

أكان على الوعود بالعدالة والشفافية، وأخرى بالإنصاف ورغد العيش والسلام، أن تشيح بوجهها عن ميدان الفعل، حتى أصبحنا لا نشبه أنفسنا أمام شعوب العالم حتى يوقعوا على اتفاق مكة.

وهل كان عليهم أن يطمروا برامجهم الانتخابية ومعها وعودهم تحت ركام المصائب التي خذلت شعبنا كما خذل أخوة يوسف أبوهم يعقوب، حتى يرسموا أسماءهم على اتفاق مكة.

لا شك أن شعبنا كان يملأه الأمل بأن يتجاوز أوجاع الحكومات السابقة بفسادها وفئويتها ورائحتها التي أزكمت الأنوف، كما كان يأمل أن نتفوق على ضيق أفقنا وعلى الارتهان لرغبات الأباطرة الذين سلخوا جلود أشرافنا وسرقوا لقمة الشرف من أفواه أبنائنا، لا أن تمر الأحلام بحياة كريمة كباقي فقراء الأرض لا أغنيائهم كالأطياف. ولا أن يسمحوا بتمدد البلطجة والسرقة والزعرنة والثأرية العشائرية كالورم السرطاني في شوارعنا المهدمة، فما لهذا انتخبهم شعبهم.

ومع أني لست مع تعقيد الأمور، فإني لست مع منح الشيطان فرصة للتوبة، ولا ضد الإشارة إلى الخلل بهدف التصويب، لا  أن يصوب رجالنا الذين يتوزعون على الثكنات سلاحهم على صدورنا، ولا مع القفز على الحقائق لصالح تكريس الفلتان المنظم.

إلا أنني وفي ذات الوقت لا اعتقد أن انهار المناشير ولا سيول الخطابات ولا بريق الكاميرات ولا طبع القبل على الوجوه ستروي عطش شعبنا أو تسد جوعه، بعدما ضاقت به عرصات المصطلحات التبريرية التي لا تنتهي، والتي حولت سماءنا إلى مظلة خانقة لسجن كبير.

مصطلحات من قبيل استقلالية القرار، وحدة الصف، الابتعاد عن المحاور، إبعاد الفاسدين، إقالة المرتشين، إلى آخره مما تكرر في خطاباتهم شبه الارتجالية، التي تتناثر كقصص شهرزاد، والتي لم تضع حدا لليل الفتنة الطويل التي فرضت على شعبنا أن يتعود على التعامل مع مصيبته كما يتعامل مع الليل والنهار.

 إلا أنه وفيما المحنة كانت تختلف عنفا وتزداد اتساعا، وتفرض معادلة جديدة على الأرض في سبيل تحقيق أماني الأعداء في إسقاط خيار شعبنا الديمقراطي، فإننا رأينا بعضهم يزداد مراوغة خارج الحدود في انتظار هدية موقعة برهن الفتنة بينما كرة الدماء والأشلاء تستقر في المرمى الفلسطيني..

فهل كان علينا أن ندفع من لحمنا ودمنا ووحدتنا الضريبة الصهيوأمريكية المفروضة علينا برهن رضاهم، وينسج البعض من مصداقيته لمكرهم غطاء.!.

لماذا على شعبنا مواصلة النظر إلى قضيته بنظارة حزبيتهم التي لطالما أيقظت ذاكرة الصراع الفئوي الملتهبة غضبا وجهلا.!

ولماذا يسمح شعبنا للبعض باستنساخ غابة البنادق في جمهورية الفاكهاني لتوقد في غزة نار أسبوع لا ينقضي من الغضب والثأر.

لماذا كان على الحرب المفتوحة أن تأخذ أبعادها كاملة، وأن تغير تضاريس حواجزهم  اللاأمنية ارض المواجهة قبل أن يغيروا رأيهم في مكة لصالح الاتفاق..!

وهل كان على مشاهد دمائنا وأشلائنا وعارنا أن تتقدم نشرات أخبار الفضائيات، في الوقت الذي تراجعت فيه قوافل المعونات والإمدادات ومساعي رفع الحصار ، قبل أن يتقدموا لتوقيع الاتفاق في مكة.!

أم هل كان على شحنات السلاح أن تتقدم نحو ثكنات البعض، وأن تتقدم تحصينات رجالهم لتنهب شوارعنا ولتئد الحياة فيها بعدما كانت تضج بالحياة والأحياء الذين وضعت الفتنة حدا لهم، قبل أن يتراجعوا عن مواقفهم في اتفاق مكة.

لماذا كان على برود الموت أن يغلب دفء طفولة أولادنا قبل أن يتفقوا !.

وهل  سيعود البعض ليشهد كيف غيرت قراراته الأمنية السرية معالم النفوس، حيث كانت المقابر تستعد لاستقبال ضحاياها، وحتى كان الأموات يحتمون بالقبور من رصاص يفيض غضبا كي لا يقتلهم مرتين، بعدما تحولت الجثامين إلى أهداف عسكرية لأبطال الأجهزة عفوا أبطال الفلتان.

وهل علينا أن نقف عند حافة قبورنا حتى  نقف عند حقيقة فاجعتنا، وحتى ندرك أن هناك من ينقب أحلامنا وثقتنا وأخوتنا ووحدتنا كي تأخذ إسرائيل صورتها التوراتية على حساب أشلائنا.!.

الآن وبعد أن طوت ارض غزة فراش مطرز بمئات الحواجز والبنادق المأجورة التائهة، وبعدما عاد بعض جنودنا بعار لا فكاك منه، وبعد أن خمدت نار الفتنة تاركة وشما غير الوجوه، هل سيجني شعبنا ثمرة مبادئ اتفاقهم أم ستلسعه أشواك التفاصيل..!!.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات