الإثنين 12/مايو/2025

إعلان مكة انتصار لفلسطين وللإرادة العربية

د. يوسف كامل إبراهيم
من أكناف الكعبة الطاهرة تم إعلان مكة التاريخي ،الإعلان الذي تم الاتفاق فيه لأول مرة على تشكيل حكومة وحدة وطنية وليس حكومية حزبية ،الاتفاق الذي قطع الطريق على الفتنة أن تسود وأن تسيطر على الساحة الفلسطينية كما أرادتها بعض الأطراف ،الإعلان استجابة فلسطينية لحاجة فلسطينية وانتصار لفلسطين وللإرادة الفلسطينية بعيدا عن الأجندة الخارجية.
 
فالاتفاق لم ينص على الاعتراف بإسرائيل كما أرادت إسرائيل وأمريكا وأطراف أوربية، كما أن الاتفاق لا يلزم الأطراف بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي ما زالت حبراً على ورق وإنما يدعو الأطراف الفلسطينية لاحترامها، والاحترام يأتي بعد التطبيق لهذه القرارات وهذه المعاهدات وليس قبل ذلك ، والاتفاق دعا علىتحريم الدم الفلسطيني، واتخاذ كافة الإجراءات والترتيبات، التي تحول دون إراقته،كما أكد الاتفاق على أهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود الوطني والتصدي للاحتلال، كما دعا الاتفاق إلى ضرورة العمل لتحقيق الأهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، كما دعا الاتفاق إلى ضرورة اعتماد لغة الحوار كأساس وحيد لحل الخلافات السياسية في الساحة الفلسطينية، كما نص الاتفاق بصورة واضحة ونهائية على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وفق اتفاق تفصيلي معتمد بين الطرفين، والشروع العاجل في اتخاذ الإجراءات الدستورية لتشكيلها، كما دعا الاتفاق إلى ضرورة المضي قدما في إجراءات تفعيل وتطوير وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية والتي بقيت تسيطر عليها فتح مايا وإداريا وسياسيا طوال الحقبة السابقة ، وتسريع إجراءات عمل اللجنة التحضيرية، استناداً لتفاهمات القاهرة ودمشق.
 
فكل ما تم الاتفاق عليه يعتبر انتصاراً لفلسطين وللشعب الفلسطيني وللإرادة الفلسطينية التي وضعت الجميع داخل مربع الشراكة السياسية الواحد المبني على برنامج سياسي مشترك على الرغم من الاختلاف في التفكير السياسي، ويعتبر هذا من أكبر ما أنجزه هذا الاتفاق ، فطوال الحقبة السابقة بقيت الفصائل الفلسطينية تحمل برامج سياسية مختلفة ،وقد كان ذلك سبباً رئيسيا لعدم التوصل لاتفاق سياسي وشراكة سياسية حقيقية ،كما يعتبر الاتفاق انتصاراً للإرادة العربية التي رعت المشاورات الفلسطينية منذ البداية، فالاتفاق انتصار لجمهورية مصر العربية التي رعت القضية الفلسطينية منذ نشأتها ورعت جميع الحوارات في داخل فلسطين وخارجها وعلى رأسها اتفاق القاهرة ،كما أن الاتفاق نصر لسورية وقطر والسودان وجميع الدول العربية التي رعت الحوار والشأن الفلسطيني ودعمته منذ البداية وتكفلت بمتابعة هذه الرعاية،والاتفاق انتصار للإرادة العربية التي فرضت على الطرف الأمريكي والأوربي الذي عطل طوال الوقت السابق التوصل لمثل هذا الاتفاق، فلا يمكن أن نتخيل أو نتصور أن المملكة العربية السعودية لم تتشاور مع الولايات المتحدة الأمريكية وأطراف أوربية بشأن هذا الحوار ولكن لأن الإرادة العربية تريد أن تأخذ مكانها في هذا الوقت ممثلة بالمملكة العربية السعودية التي يراد لها أن تأخذ دوراً إقليمياً في المنطقة في ظل استراتيجية بوش الجديدة فكان النجاح لهذا الاتفاق ولهذه الرعاية انطلاقا من تشجيع الولايات المتحدة الأمريكية لقوى الاعتدال في المنطقة لأخذ دورها الإقليمي الذي همشته وعطلته أمريكا طوال السنوات الماضية في ظل سياسية الهيمنة والسيطرة وسياسية القطب الواحد التي أرادتها أمريكا فتورطت في أكثر من مكان وفي أكثر من قضية.

 
ويبقى أن نقول إن اتفاق مكة المكرمة إنجاز وطني وعربي وإسلامي للقوى الصادقة في الساحة الفلسطينية والعربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية وقطر وسورية ولكن يتطلب نجاح الاتفاق استكمال الرعاية العربية من خلال فرض إرادتها لتطبيق ذلك على ارض الواقع ورعاية هذا التطبيق دون أن يسمح لأي من الأطراف تعطيل تنفيذ هذا الاتفاق أو عدم إنجاحه وأن تعطى الفرصة للشعب الفلسطيني لترتيب بيتهم الداخلي بناء على مصالحهم الوطنية المشروعة وحقهم في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة في حدود ما احتل عام 1967، وبالتالي فإنالاتفاق يتيح الفرصة للقوى الفلسطينية من أجل التفرغ لإنجاز الأهداف الوطنية ممثلة في التخلص من الاحتلال والتفرغ للملفاتالأساسية في مقدمتها القدس واللاجئون والأقصى والأسرى والمعتقلون ومواجهة الجداروالاستيطان، وبذلك يكون هناك انتصار للإرادة الفلسطينية والعربية بشكلها الكامل والتام ، فالاتفاق انتصار لفلسطين فلا منتصر على الساحة الفلسطينية إلا من ينتصر لفلسطين وللإرادة الفلسطينية.
 
* أستاذ جامعي – فلسطين –غزة

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات