الأحداث العاصفة والجارية على المستوى الفلسطيني ،وما يحدث في قطاع غزة على وجه الخصوص ،ليس بالأمر المفاجئ للإدارة الامريكية ، فهي وضعت خارطة طريق ينص احد بنودها ويشكل عملي على الاحتراب الفلسطيني ، وما حديث “رايس” عنا ببعيد ، حيث اعتبرت الأحداث والاقتتال في غزة دليلا على عدم قدرة الفلسطينين على ادارة شؤونهم وحكم أنفسهم بأنفسهم وبالتالي وضعهم تحت الوصاية ، ولكن ليس وصاية دولية من النوع القديم ، بل وصاية تكون من نتائج الفوضى الخلاقة التي تنادي بها .
ولا يوجد عاقل من بيننا لديه القدرة او يستطيع القول باعفاء الادارة الامريكية مما يحصل في غزة والضفة ، فهي التي ارادت انتخابات تشريعية وديمقراطية على النمط الغربي لنشر فكرها وحضارتها ، وهي التي رفضت نتائجها مع اقرارها بنزاهتها ، بل وعملت على احكام الحصار على الحكومة التي شكلتها حركة حماس ،وضغطت على الدول الاوروبية لتتبعها في سياستها ، وأمرت الدول العربية ذات الانظمة السنية ان تحاصر وتقاطع حكومة سنية في لعب مكشوف ومفضوح على قضية سنة وشيعة، فلو كانت الانظمة العربية تؤيد السنة على الشيعة لأيدت حكومة حماس التي انتخبها شعبها ، ولكنها تتاجر بشكل مفضوح بهذه العصبية العمياء ارضاء لامريكا ، حتى لو كلف ذلك مقتل الآف من الابرياء في العراق .
وان كانت الاحداث في غزة ومحاولة نقلها الى الضفة ليس بالامر المفاجئ للادارة الامريكية ، فان الامر المفاجئ لتلك الادارة هو القدرة العالية لصمود حكومة حماس امام الحصار الخانق وانقطاع الرواتب واضراب الموظفين ، واخيرا الاحتراب الداخلي الفلسطيني الذي انتظرته امريكا طويلا ، والتي هي الورقة الاخيرة لدى هذه الادارة .
فمن كان يصدق ان منظمة قامت على تحرير فلسطين وقدمت قافلة من الشهداء والاسرى والجرحى وكان لها الدور الكبير في وضع القضية الفلسطينية على سلم اولويات الفعل الدولي ، تفقد بوصلتها في لحظة ترهل وتيه وضغط داخلي وخارجي، وتنقاد بشكل غريب وعجيب ،وتدع الى الاقرار بشروط الرباعية والاعتراف بالشرعية الدولية في الوقت الذي فيه الاحتلال لا يلقي لها بالا ، وهل جاهد وناضل الثوار والمجاهدين ليروا دولة الكيان الغاصب تنعم بالامن على ارض مسلوبة وعلى حساب كانتونات فلسطينية يتحكم الاحتلال بفتحها واغلاقها متى شاء…. ؟!
فصيل السلام الذي زرعته بريطانيا العظمى في نهاية ثورة 1936، والذي شوه الثورة واغتال ونهب وخرب ، ونجح في انهاء اعظم ثورة كادت تنجح لولا خبث ومكر بريطانيا العظمى التي عرفت من اين تؤكل الكتف ، هذا الفصيل كانت مصلحته مرتبطة مع الانتداب المجرم فراوتب عسكرييه من الانكليز ، وهو تصنّع الوطنية والسلام العادل القريب من القلوب ومصلحة الشعب الفلسطيني ، كل هذه الشعارات كانت غطاء له حتى ساهم بشكل كبير في انهاء الثورة الفلسطينية ، وهذا الفصيل هل يعود من جديد ونعود للوراء معه ، ولكن باسماء اكثر ابراقا واشعاعا من المصالح العليا للشعب الفلسطيني الى ايفاء متطلبات المجتمع الدولي…..
واذا كان للباطل صولة فللحق صولات وجولات، واذا صال بعض من تاجر بالقضية عبر الفساد ، فانه حان الوقت لمعالجة هذا الفساد واعادة تصويب الاوضاع الفلسطينية وتصحيحها وعلى رأسها اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس سليمة تراعي التغيرات الحاصلة على الساحة الفلسطينية ، وهذا منوط بجهود كل الخيرين والشرفاء المخلصين من حركات النضال والجهاد الفلسطيني خاصة فتح وحماس ، وهذا يستدعي خروج وتفعيل الشارع الفلسطيني نحو وحدة فلسطينية حقيقة ووقف تدهور الاحداث للتفرغ في التصدي للهجمة على الاقصى ، وضرورة ان يخرج كل حوار ولقاء كما اللقاء في مكة بتفاهمات معينة توقف حالة الاحتقان والاحتراب الغير مقبولة على الاطلاق ، والتي تسيئ لسمعة قضيتنا العادلة.
والمصالحة الفلسطينية ليست بالامر الصعب ، بل هي سريعة التحصيل فما يجمع الحركات الفلسطينية الكثير الكثير ، ولا يفرقها شيئ غير تدخلات الاحتلال وامريكا في الشأن الداخلي الفلسطينية ، وبوادر الانفراج قد لاحت من مكة ،وهي خطوة في الاتجاه الصحيح ، وما على الجميع الا ان يخلصوا نياتهم لله ويتقوا الله في شعبهم ، وان يشحذوا الهمم، من اجل وحدة الصف الفلسطيني وتصويب الاوضاع الداخلية، والانطلاق بسفينة التحرير الى بر الامانعبر كنس الاحتلال .