الثلاثاء 13/مايو/2025

مع من مورس التجويع والإقصاء والحصار قبل حماس؟!

سميح خلف
تعامل الإعلام وبسطحية شديدة مع واقعة حصار الشعب الفلسطيني بمبرراته بأن أتت حماس إلى سدة الحكم والوزارة ، وتعامل السياسيون أيضا والاستراتيجيون والمحللون مع هذه الواقعة وكأنها كانت الفريدة من نوعها في الساحة الفلسطينية .
 
وسيان كان هذا الحصار في عهد حماس أو بوادره التي اتخذت فيها عدة اجراءات وأبوعمار في حصاره عندما أعلنت السلطة بأن ” لارسون” شخصية غير مرغوب فيها ، وحينما أراد أبوعمار أن يعدل من المعادلة السياسية في الصراع مبتعدا عن كل المنظرين الأوسلويين ، وفي الحقيقة يبقى هذا الحصار هو حلقة ثانية أو ثالثة مما تعرضت له حركة النضال الوطني الفلسطيني من سيكلوجيا البرامج المعادية ، وإن تعاملت أمريكا وحلفاؤها وأتباعها مع حصار الشعب الفلسطيني ككينونة كاملة تحت الإجراء فهناك ما تم من حصار وضغوط بكافة أنواعها المادية والمعنوية تجاه الثوار و المناضلين في حركة التحرر الوطني الفلسطيني .
 
ولا أريد هنا أن أتحدث عن عملية الجذر الذي تعرض لها اليسار في داخل حركة فتح والتي آلت إلى عدة انشقاقات وتبعات أثرت على الكينونة النضالية لحركة التحرر الوطني .
 
ومراكز القوى في حركة فتح ليست بالجديدة ، بل هي قديمة مورست أخلاقها على كثير من أسر الشهداء والجنود والمناضلين وما اكثر الملفات التي تتحدث عن هذا السلوك الذي يأتي على صعيد المسلكية الأخلاقية السيئة أو على صعيد المسلكية السياسية أو الأمنية الرديئة والتي ترتبط بمفاهيم إقليمية لطبيعة الكادر في حركة التحرر الوطني .
 
وأذكر بعض القضايا الهامة بمؤشراتها ومدلولاتها التي حدثت في فترة الثمانينات وحينما حدث الإنشقاق كان بمثابة ذريعة للتخلص من كثير من المناضلين الذين هاجروا إلى دول أمريكا اللاتنية وغيرها ، وكانت ذريعة لقطع رواتبهم عن طريق الدائرة المالية بقيادة فؤاد الشوبكي “ربنا يفك أسره” وجميع أسرانا ، فمنهم من تعرض لأن يمارس عملية التجارة في الأسواق ومنهم من عمل عتالا ومنهم من عمل مدرسا ومنهم من بدأ يبحث بطريقة التسول ، لا لذنب اقترفوه بل لأنهم منهم من حارب التوجه السياسي ومنهم من حارب الفساد الإقتصادي كالرشوة وحارب السمسرة والمشاريع شبه الخادعة التي كانت ترصد لها أموال ، ومنهم من حارب قادة عسكريين كانوا يبتلعون ثلاثة أرباع موازنة القوات ، ومنهم من حارب استغلال النفوذ في عمليات أخلاقية تجاه أسر مختلفة ، ومن يريد أن يأخذ تفاصيل أكثر فعليه بالرجوع لملفات الشهيد “عاطف بسيسو” وما تحمل من بلاوٍ تجاه هؤلاء القادة الذين تحكموا في مصير كثير من كوادر حركة فتح وابناء العاصفة سابقا، وكثير منهم انقطعت صلته بجيش التحرير الوطني بتهم ملفقة أعدتها أجهزة الأمن ومرتزقوها المأجورون من كم من التقارير المشوهة والمزورة أيضا ، وهذا لم يأت من فراغ بل كان البعد أمنيا سياسيا لكي تحسم القضايا في داخل حركة فتح ومؤسساتها لما يسمى تيار أوسلو ولكي يضعف الجانب الممانع في داخل الأطر الحركية ، واعتقد أن هذا النهج الإقصائي مازال قائما وهناك صخور ووديان وجبال وضعت أمام الكوادر لكي لا يتمكنوا من العودة إلى أطر جيش التحرير أو الأطر المؤسساتية في داخل حركة فتح .
 
ولقد أذهلني اليوم في برنامج إذاعي الساعة الثانية في إذاعة فلسطين بمداخلة للأخ (( أبوخالد العملة )) ومكتوب في أسفل الشاشة أنه يتحدث من منطقة الخليل ، واسترجعتني الذاكرة  إلى رسالته المشهورة التي قدم فيها الإعتذار وهو يطلب صك الغفران ، وكانت كل معرفتي أنه في سوريا وفوجئت أنه في الخليل ، فكيف وصل أبوخالد العملة إلى الخليل في ظل هذه الأجواء الأمنية وانقطاع خطوط الإتصالات مع الجانب الإسرائيلي إذا كان هذا صحيحا .
 
وهل قبل صك الغفران من أبوخالد العملة ليعود إلى أرض الوطن ، وهل مطلوب من كل الكوادر الممانعة التي تتلظى بنار الشقاء في الخارج أن تقدم صك الغفران لتقول أن الباطل حق والحق باطل وهل أيضا أن الرسالة التي تنفي الرسالة الأولى من أبوخالد العملة أصبحت هي المشكك فيها بعد سماع صوت أبوخالد العملة من مدينة الخليل تحت وصف (( اللواء المتقاعد )) .
 
مهزلة تتبعها مهزلة ، ليس على حماس أو على قوى الممانعة فقط ، فأصبحت قضية رأس المال ومراكز احتوائه وتسخيره هي القادرة على البرمجة الفاعلة في داخل أطر حركة فتح.. ؟
 
أعتقد أنه سؤال لا يحتاج لإجابة.
 
لقد قالوا في أوراقهم الصفراء أن هذا الكادر أو ذاك كان يريد أن يدبر إنقلابا على أبوعمار، وفي الحقيقة كانت كل الأمور تسير نحو محاربة بعض الشخصيات القائدة لما تمارسه من عمليات اخلاقية بحق المقاتلين وأسرهم وبحق تمويل القوات وسرقتها وكانوا يوهمون الأخ أباعمار بأجهزتهم المقنعة المرتبطة اقليميا بأن هؤلاء الأشخاص هم خطيرون على أبوعمار ، اثبتت الأيام أن هؤلاء الكوادر وبعد وفاته أنهم أكثر وفاء بكثير منهم لأبوعمار.
 
واستحضرتني قصة قصيرة :كان احد الكوادر في عدن له مواقفه الثابتة من قيادة تلك القوات الفاسدة وفي إطار توحيد قوى حركة فتح في داخل هذا المعسكر استدعوا هذا الكادر إلى غرفة الأركان بتهمة تشكيل تنظيم لحركة فتح في قوات جيش التحرير ، وقطع راتبه اكثر من عام ، واتهم أنه يتعامل مع أبوجهاد …!.
أليس ذلك يعطى مؤشرات لمن يريد أن يبحث في مشاهد الأمور ومنذ زمن؟ وأخيرا أخذ قرار بنقله إلى بغداد عند عزام الأحمد وبالطبع هذا الكادر لمن ينفذ لأسباب كثيرة تخص حياته وقضايا أخرى وبقي رغم قطع راتبه يناضل مع إخوته في داخل القوات ضد تيار الفساد ، واعتقد أن أقرب إنسان مطلع على تلك الأمور بتفاصيلها الأخ عباس زكي ، الذي كان متعاونا في مرحلة من المراحل فقط ، من أجل عملية إقصاء لتلك القيادة لحسابات لديه فقط وليس على قاعدة الصواب و الخطا ، وتحالف معه هؤلاء الضباط مرحليا أيضا ، ولمعرفتهم بسر التعاون بين تلك المجموعات والسيد عباس زكي ، وجدير بالذكر أن أحد القيادات التي كانت لفترة قريبة عن قوات الحرس الوطني في السلطة وأقيل على المعاش في عهد أبومازن ثم استدعي كمستشار للرئيس برتبة لواء ، بعث رسالة لهذا الكادر يدعوه للالتحام مع مجموعة “غزة”متهما الضابط بأنه يعمل مع تيارات نضالية لا تخدم مصالح تيار غزة على حسب وصفه ، وكانت تلك الرسالة عن طريق ضابط اسمه “علي أبوعمرة” وحينما رفض الضابط الذي يعمل لأطر حركة فتح فقط وللقطاع الغربي أتت رسالة اخرى من هذا اللواء الذي لا يستحق أن يكون عريفاً لأفقه العنصري الإقليمي التشرذمي ، وقال له : قل لهذا الضابط أنك ستصبح منبوذا من قيادتنا ولن ترى أي رتبة عسكرية أو موقع مؤثر.
وفعلا صدق تهديده ، فلقد كان سيادة اللواء ومعاونوه ومأجوروه حجر عثرة من أن يلتحق هذا الضابط بالقوات للعودة للوطن ، ومازال في شوارع الغربة ودهاليزها وعذاباتها…!؟
    
والحديث يطول في مثل تلك القضايا ، والأدلة أيضا تطول
 
أستطيع القول الآن قبل ان يحاصر الشعب الفلسطيني وقبل أن تحاصر حماس لقد حوصر كوادر حركة فتح بكافة أنواع الحصار لا لذنب إلا لأنهم تمسكوا بالنظام وبالأدبيات وبالأخلاق وبالمبادئ والمنطلقات، ولذلك لقوا هذا المصير ، وهذا له مدلوله فقد جردوا حركة فتح من قواها الفاعلة في أطرها ومؤسساتها باعتبارهم ديمومة العمل المؤثر ، وبعد ذلك انفردت الدوائر المعادية والمأجورة في محاسبة الكيانية الفلسطينية برمتها وبمحاصرة حماس لكي يرفع الشعب الفلسطيني الرايات البيضاء وأن يكون مصغيا ومنفذا للإملاءات وأن تفرغ حركة فتح من تجربتها وكوادرها ومبادئها وأخلاقها.
واقول كلمة اخيرة ان للتاريخ كلمة ولذلك كتبت

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات