الثلاثاء 13/مايو/2025

حماس ومسلسل الاتهامات

خليل الصمادي
لم تتهم أي حركة فلسطينية أو عربية بالعمالة والتبعية لأحد مثل ما اتهمت به الحركة المقاومة الإسلامية ” حماس” فقد جوبهت الحركة منذ نشأتها إلى يومنا هذا بسيل من الاتهامات الباطلة والتي لا أساس لها من الصحة .
 
فمع انطلاقة الحركة عام 1987م والاتهامات لا تهدأ يوما ، ولعل الذين فوجئوا بقوة الحركة منذ بداية انطلاقتها هالتهم الشعبية العريضة التي تتمتع بها وكأن القوم ذهلوا من قوة تنظيمها وانتشارها السريع ، والسبب في ذلك أنَّ القوم بعيدون عن واقع المجتمع الفلسطيني وإفرازاته وتاريخه النضالي وتاريخ حركاته السياسية والدينية أو أنهم يظنون أن الميدان لا يتسع إلا لقواهم وليس العمل مسموحا إلا لهم وحرام على غيرهم لا سيما إن كانت الحركة الجديدة العريقة بحجم حماس، وأن كل من يعمل وينجح بعمله لا بدَّ أن يكون عميلا أو مأجورًا!!
 
وفي نظرة سريعة لكيل الاتهامات للحركة ،نجد العجب العجاب بل التناقض والاضطراب فمنذ الانطلاقة الأولى للانتفاضة حاول جهات عدة التعتيم على الحركة وأخبارها وسرقة فعالياتها ولكن يبدو أن حماس فرضت نفسها على الساحة الفلسطينية، وأصبحت رقما صعبا ولا سيما للذين ظنوا أنهم يسيرون فعاليات الانتفاضة من تونس وأن لا أحد غيرهم يعرف النضال والمقاومة.
 
فبدأ الاتهام الأول أن الحركة عميلة ” للشين بيت” وما أدراك ما الشين بيت إنه جهاز الأمن إسرائيلي الداخلي المتخصص بمراقبة العرب من أهل فلسطين وأغلب عناصره من المستعربين وهو من أشرس الأجهزة الإسرائيلية، ولكن بعد أن فرضت الحركة نفسها على المجتمع الفلسطيني بقوة وصارت تتمتع بشعبية كبيرة ولا سيما بعد إجراء بعض الانتخابات الطلابية والمهنية وحصولها على أكثر من نصف المقاعد رأى القوم أن اتهام الحركة بالشين بيت أو الشابك أو الموساد، لا يليق بهم لأنهم في الحقيقة يتهمون نصف الشعب بالعمالة لإسرائيل فاخترعوا اتهاما آخر .
الاتهام الآخر هو  ” قبائل الزولو” نسبة للسكان الأصليين  في جنوب إفريقيا والتي يتهمهم البعض بالغوغائيين والمتخلفين، وقد جاء ذلك الاتهام من أرفع القيادات الفلسطينية آنذاك وترافق مع ظهور الأخبار عن تلك القبائل ورفضها للمحتل الأبيض، وشاءت إرادة الله في تلك الأثناء أن تبعد سلطت الاحتلال في أواخر عم 1992م 415 ناشطا فلسطينيا إلى مرج الزهور بينهم 339 من حماس و16 من الجهاد الإسلامي وتبين للناس أن أغلب المبعدين منتمون للأوساط الثقافية والعلمية المهمة في المجتمع الفلسطيني فمنهم أساتذة الجامعات ومنهم الأطباء والمهندسون والعلماء والخطباء وغيرهم من الفعاليات الاجتماعية المرموقة، وعندها وجد القوم أن اتهامهم بقبائل الزولو لا يليق بهم أي الطرفين الطرف الذي يتهم قد يفقد صدقيته، والطرف المتهم الذي عرفهم الناس على شاشات التلفزة رجال وأي رجال.
 
عاد المبعدون إلى أرض الوطن مرفوعي الرأس بعد أن سجلوا انتصارا قضائيا وشعبيا قل مثيله في عالمنا العربي، وبدأت الحركة في الانتشار إعلاميا عربيا وعالميا بالإضافة إلى الانتشار الفلسطيني داخليا وخارجيا وترافق ذلك مع العمليات النوعية التي قام بها أبطال القسام في عدد من المواقع دخل الأراضي المحتلة .
 
وبالرغم من أنَّ الحركة أثبتت صدقيتها وشعبيتها داخليا وخارجيا إلا أن الاتهامات لم تتوقف فجاء اتهام الحركة هذه المرة بالعمالة للسعودية ، وظنوا أن كل من يرفع شعارات إسلامية لا بدَّ أنَّ يكون عميلا للسعودية ، وقد سئل أحدهم ما الدليل على عمالتهم للسعودية قال: إنهم يرفعون في مسيراتهم ومظاهراتهم المصاحف المطبوعة في مجمع الملك فهد بالمدينة المنورة!! ونسي القوم أن المملكة وزعت ملايين النسخ من هذه المصاحف على مستوى العالم كله.
 
 برزت الحركة على الساحة الأردنية ، ولا سيما بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال أبي الوليد ، وترافق مع ذلك عدة حوادث سياسية هامة أهمها الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين رحمه الله برعاية أردنية ملكية ، عندها بدأ القوم يتهمون الحركة بالعمالة للأردن من أجل تصفية حسابات قديمة مع حركة فتح ، وكثرت التحليلات والأقاويل والتصريحات النارية، ووفي خضم هذه الاتهامات حدثت القطيعة بين الأردن وحركة حماس وأخرج قادة الحركة إلى خارج الأردن في نهاية القرن الماضي!!
 
ماذا يفعل القوم لقد صاروا في حيرة من أمرهم أيعقل أن تتهم حماس بالعمالة للأردن وقد أغلقت مكاتبها وطرد أعضاؤها ؟ 
طبعا لا أحد يصدق هذا إذا لا بد من اخترع قوى أخرى لكيل الاتهامات.
 
بعد أحداث 11 أيلول 2001 وجد بعض المغرضين الفرصة سانحة للتخلص من حماس نهائيا ، لا سيما أن الولايات المتحدة الأمريكية ستضرب بيد من حديد كل أعضاء القاعدة ومن يتبع لها فوجهت التهمة لحماس بالتبعية للقاعدة ولكن عجز المدعون عن إثبات أي دليل على صدق اتهامهم، بل كُشفت نواياهم المغرضة .
 
خلال تلك الفترة مرت الحركة في أسوأ أوضاعها فقيادتها بين عدة عواصم عربية بعيدين عن وسائل الإعلام ، والإدارة الأمريكية والغربية تبحث عن علاقة بين القاعدة وحماس حسب نصائح ذوي القربى، بعد مدة من الزمن رأت الحركة نفسها في دمشق بعد أن أغلقت في وجهها الأبواب العربية وبالفعل صارت دمشق ملاذا ومركزا لقيادة حماس ، عندها رأى القوم أن يتهموا الحركة بالعمالة لدمشق وبدأ سيل الاتهامات وكأن دمشق غريبة اللسان والوجه ونسوا أنهم مروا يوما في دمشق وشربوا من مائها وصرحوا أنهم تعلموا من نضالها.        
 
وجد القوم أن يضيفوا لدمشق حليفا آخر احتياطيا علَّ الضغوط على سوريا تجعل الحركة خارج دمشق فيقعون في مأزق آخر، فوجدوا أنَّ إيران هي الشماعة القادمة ولكنهم لم يصبروا ولا سيما بعد الزيارة الناجحة لرئيس الوزراء إسماعيل هنية لطهران، ومن سوء الحظ أنَّ الزيارة تمت خلال اشتداد المجازر المروعة للفلسطينيين في العراق من قبل المليشيات الصفوية،و تم بعدها بأيام قليلة إعدام الرئيس العراقي صدام حسين بطريقة بشعة من قبل المليشيات نفسها فوجد القوم أن الفرصة سانحة لكسب التأييد الشعبي لهم، ولحقن الناس ضد حماس، فعلت أصواتهم باتهام حماس بالعمالة لإيران وبالتشيع، وكاد القوم يجزمون أن غزة والضفة امتلأت بالحسينيات وأن خالد مشعل ما هو إلا آية الله ولكن دون عمامة!!
 
ماذا بعد إيران؟ طبعا ستكون اتهامات كثيرة ، ولكن منْ يصدق ؟ لأن الاتهامات كلها باءت بالفشل والدليل الوحيد أن الشعب الفلسطيني أعطى ثقته للحركة التي يعتقد أنها ليست عميلة إلا لله ثم للشعب الذي تعمل من أجله.
*خليل الصمادي – عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين / دمشق

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات