عاجل

الثلاثاء 13/مايو/2025

حريق الإسلامية.. أبلسة التفكير.. وحقد التنفيذ ..وسفاهة الترويج

د. حسن أبو حشيش
كثيرة هي الدمعات التي سالت من عيني وعديدة هي المواقف التي أدمت قلبي ومختلفة هي الحوادث والذكريات التي حركت مشاعري وأحاسيسي وكان للجامعة الإسلامية نصيب في ثلاثة مواقف أساسية من ذلك : الأول حين شاركت في حفل التخرج منها كخريج عام 1996م حيث كان الموقف مهيبا ومحركا لكل المعاني الجميلة وخاصة الفخر والاعتزاز والانتماء. والثاني حيث شاركت في حفل تخرج لمئات الطلبة ولكن بصفتي رئيس لقسم الصحافة فيها وعضو كلية الآداب عام 2005 م حيث كانت هذه المشاركة هي الأخيرة بصفتي الرسمية لأني بعدها انتقلت للعمل في وزارة الإعلام كوكيل مساعد وكم شدني الموقف بشكله الحضاري ومضمونه المتميز وشعرتُ حينها بغربة فائقة لخروجي من هذا المكان الزاخر بكل معاني الإباء والعزة والكرامة والشموخ والعلم والتقدم والنجاح والوحدة والسلم السياسي والاجتماعي.أما الثالث: حين علمت وشاهدت كيف جعلوا الجامعة هدفا لنيرانهم الجاهلة وقذائفهم الحاقدة واعتبروها ترسانة نووية وضعوا الخطط لاقتحامها وحرقها ونهبها.
 
فأي دموع وأي آلام تلك التي من المكن أن تشفي غليل كل غيور في هذا البلد الطيب . إن الاعتداء على الجامعة الإسلامية على مدار ثلاثة أيام متتالية سواء بالحصار أو بإطلاق النار والقذائف على مبانيها أو بالاقتحام والحرق والنهب أو باستمرار الحصار وجعلها تحت مرمى النيران… أعاد للذاكرة حريق مدينة القاهرة في عهد الاحتلال البريطاني وحريق بغداد على يد المغول والتتار وتدمير الحضارة .
 
إن الجامعة الإسلامية صرح علمي شامخ بناه مخلصو الشعب والأمة بأموالهم وعرقهم ودمائهم وجهدهم وعقلهم وسواعدهم وحريتهم. شعر به وانتفع به كل الشعب الفلسطيني على مدار ثلاثين عاما فكان من بين خريجيها القادة من كافة الفصائل والعلماء والمدرسون والسياسيون والإعلاميون والوزراء والشهداء والمقاتلون والأسرى والأمهات… وقدمت الجامعة الإسلامية الخدمة المعرفية والفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للمؤسسات الرسمية والأهلية والأمنية…
 
صحيح أن الأوضاع التي صاحبت هذه الجريمة البشعة هي أوضاع خلاف وأزمة تناقضات سياسية وميدانية إلا أن مستوى التفكير في الاعتداء واتخاذ قرار الهجوم هو مستوى شيطاني حقير بل فاق تخطيط إبليس لان إبليس أحيانا يكون ذكيا في نشر الفساد الأمر الذي افتقده من أخذ هذا القرار لأنه ينم عن غباء واضح وتورط في وضح النهار.
 
ولعل الأكثر غباء هو هذا الحقد غير المسبوق في تنفيذ القرار فمن المؤكد أن المجرمين لا علاقة لهم بالكتاب الذي حرقوه ولا بالحاسوب الذي نهبوه ودمروه ولا بمقاعد وقاعات التدريس الذي حرقوها ولا بجمال الطرقات والحدائق التي شوهوها… ولربما كانت معلوماتهم أنها ليست صرحا علميا نعم إن الذي يصل به الأمر أن يُغيب الضمير والعقل ويُنفذ الأوامر صماء كما هي من السهل عليه أن يقتل حتى والده أو أخاه أو جارة دون ذنب أو جرم أو خطيئة. والذي أعتبره قمة الغباء والاستهتار بعقولنا وعقول الرأي العام هو تفاهة وسفاهة التبرير فإليكم ما ردده الإعلام المتساوق من المنفذين: “أن الهجوم على الجامعة كشف كميات ضخمة من السلاح” “وكشف خبراء إيرانيين ” “وكشف معامل ومختبرات متفجرات” ” وكشف جثث محنطة لقوات التنفيذية ” ” وأن أفراد حماس يلبسون ملابس حرس الرئيس ويقومون بتنفيذ عمليات حرق للجامعة ولبقية الجامعات لإلصاقها بحرس الرئيس “.
 
لا غرو في ذلك فمن يقف وراء هذا المستوى يريد فلسطين تحت ولايته الجديدة خالية من الحضارة ومن الضمير ومن العقل والتفكير. وإنني إذ أعتبر ما يحدث من خلاف وإسالة دماء وأزمة عامة واقع مرفوض ونطالب ونعمل مع الجميع لإنهائه وإغلاقه فإنني أعتبر الاعتداء على المؤسسات التعليمية والخدماتية وخاصة الجامعة الإسلامية مسألة بالغة التعقيد ويجب ألا نضعها في ميزان مواقع أمنية هنا وهناك هي طرف في الخلاف لان الجامعة وإن تديرها حماس إلا أنها لكافة أبناء الشعب في الداخل والخارج وهي ليست طرفا في الخلاف من قريب أو بعيد.
 
لا أدري ماذا ستقول حركة فتح للأجيال والتاريخ وهي ترى بعضا ممن ينتسبون إليها يعيثون في الأرض فسادا ؟! ماذا ستقول بعض وسائل الإعلام التي تكذب وتقلب الحقائق وتبرر حريق الجامعة؟! وماذا سيقول الرئيس أبو مازن الذي زار الجامعة وأشاد بوطنيتها وعموم خدمتها وهو يرى بعضا من حرسه يدمرونها ؟! أين ضمير ووطنية الناطقين الإعلاميين وبعض النواب وهم يُفندون لماذا كان الحريق ؟! أين صوت المجتمع المدني والفصائل التي ساوت بين الضحية والجلاد وبين صرح علمي يُخرِج بنائيين وبين بعض الأماكن الأمنية التي عجزت عن تحقيق الأمن على مدار اثني عشر عاما وباتت تُخرِج هدامين. إن حريق الجامعة الإسلامية جريمة نكراء ووصمة عار خالدة في جبين الجناة والمجرمين وسيلفظهم التاريخ وستعود الجامعة منارة للحضارة كما لفظ التاريخ كل الذين تآمروا عليها خلال مسرتها وبقيت هي شامخة.
 
بقي أن أقول أن التجرؤ على المساجد والجامعات والوصول لتهديد المشافي … يُعبر عن حقارة ودونية في التفكير والسلوك. وإنني لا أطالب لجان تحقيق لأنها هراء بل أطالب بصحوة ضمير والتوقف عن مساواة الضحية بالجلاد والبحث في مكنونات الأحداث لا الوقوف عند مضامين الدعاية السوداء المفحمة والنتنة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات