هل أبقيتم ما يمكن استهدافه؟؟!!

عشر سنوات كانت عمر حركة فتح في السلطة، منذ أن جرت الانتخابات الرئاسية والتشريعية في عام 1996، وتوقفت بعدها عملية تداول السلطة رغم المطالبة الشعبية والدولية بذلك. وخلال تلك الفترة، ورغم الجرائم التي ارتكبتها أجهزة الأمن الفتحاوية بحق مجاهدي الشعب الفلسطيني، إلا أن حالة الهدوء سادت وميزت تلك الفترة، ولم نشهد أي عمليات تصفية أو تخريب، أو محاولات لزعزعة الأمن إلا من بعض الفئات التي يسري الفلتلن في جسدها كسريان الدم.
حالة الهدوء التي سادت لم تكن أجهزة الأمن هي اللاعب الأساسي فيها، ولم تصنع هي دور البطولة في تنفيذها، بل كان بالإمكان الانقلاب على السلطة من أول يوم لدخولها، خصوصا مع وجود تيار معارض قوي للأساس الذي تشكلت عليه السلطة، وغياب قطاع واسع من الفصائل الفلسطينية عن دائرة صنع القرار السياسي والأمني. إلا أن المرحلة التي ميزت تلك الفترة كانت تتسم بالعقلانية، والمعارضة الإيجابية الواعية، التي ركزت من عملياتها النوعية ضد الاحتلال، وأوقعت الخسائر الفادحة فيه، وتحملت كل الويلات في سبيل مصلحة شعبها، ما بين اغتيالات واعتقالات على أيدي قوات الاحتلال، وأيضا الأجهزة الأمنية.
وبعد أن تكررت الانتخابات وأفرزت تيارا جديدا في الحكم، وأقصت حركة فتح عن الكرسي الذي تربعت عليه منذ عشر سنوات، انقلبت المعادلة رأسا على عقب، وتحولت فتح من السلطة الكاملة، إلى جزء من السلطة، وجزء من المعارضة، إلا أن هذه المعارضة لم تكن أبدا كما صرح مسؤولو فتح بأنها ستكون إيجابية، وتكميلا لدور حماس في السلطة، ومن أجل المحافظة على المصالح الوطنية.
فتح وبعد اليوم الأول للانتخابات بدأت تعد نفسها للعودة إلى الهيمنة الكاملة على السلطة، وهذا حق مشروع لأي فصيل، إن سلك في ذلك الطرق الديمقراطية، إلا أن ما لاحظناه كان عكس ذلك. فبعد أن بدأت سلسلة سحب الصلاحيات من الحكومة الفلسطينية، وتحويلها إلى الرئيس ومنظمة التحرير الفلسطينية، بدأت عمليات التخريب الممنهج للمؤسسات العامة الفلسطينية.
فكان الاعتداء على مقر المجلس التشريعي والحكومة الفلسطينية، ثم استهدفت مباني وزارات عدة وحرقت بالكامل أو أجزاء كبيرة منها، ثم استهدفت المكاتب التي كان يعتقد مستهدفوها أنها تنتمي بشكل أو بآخر لحماس أو أعضاء في حماس، وتطور الأمر أكثر ليطال المساجد التي لها الحرمة والقدسية، وانتهى الأمر باستهداف الجامعات وحرق مبانيها ومكتباتها، واستهداف أستاذتها بإطلاق النار أو الاختطاف.
الخطوط الحمراء التي كانت مرسومة في ذهن المواطن الفلسطيني، والتي كان يعتقد أنها ستكون بعيدة عن أي خلافات حزبية أو مصالح شخصية، وجدت نفسها في واجهة الصراع والاستهداف. وذرائع استهدافها دائما موجودة، رغم أنها لا تنطوي على عقلية المواطن الفلسطيني، فاستهداف المساجد بحجة أنها ثكنات عسكرية، واستهداف الجامعة الإسلامية بحجة وجود مصانع للأسلحة ومخازن للذخيرة، أقرب ما يكون إلى الهزلية وسذاجة الطرح وضعف التبرير.
فالمساجد كانت دائما البؤرة الأولى في تخريج الاستشهاديين والمجاهدين، إلا أنها كانت دائما المربي والمعد على المستوى الفكري والعقائدي، ولم تكن في أي يوم بؤرة لنشاط عسكري. وحتى لو افترضنا أن حماس كانت تحاول أن تجعلها كذلك، فدور العبادة لم تكن مقصورة على فصيل أو تيار بعينه، بل يؤمها أبناء حماس وفتح وجميع المسلمين، فكيف كان باستطاعة حماس أن تنقل الأسلحة إلى المساجد في ظل وجود مصلين لا ينتمون لها، ويعتبرون المساجد أمكان للعبادة فقط؟.
ومن ذاك الجاهل الذي يمكن أن يصدق أن الجامعة الإسلامية كانت ستسمح ببناء مصانع ومخازن للأسلحة تحت مبانيها، وهي تعلم أنها كانت ستقصف من قبل الاحتلال قبل أن تهاجمها قوات أمن الرئاسة إن فعلت ذلك. والجامعة الإسلامية تعتبر صرحا تعليميا شامخا على مستوى الوطن والعالم العربي، تسعى إلى تعزيز مكانتها ومنافستها للجامعات الأخرى، لا إلى إلحاق الدمار والخراب بها.
ولو افترضنا أن هذا الطرح صحيح، فلماذا تم استهداف مكتبة الجامعة في أول هجوم نفذه عناصر أمن الرئاسة، إن كان الهدف هو فقط مصادة السلاح، والحفاظ على رسالة الجامعة التعليمية بعيدا عن أي نشاطات عسكرية؟. ومن أين حصلت قوات حرس الرئيس على معلومات عن أماكن تواجد مثل هذه الأسلحة؟.
استهداف المساجد كان آخر ما يمكن أن يحدث، واعتبر على مدار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي جريمة حرب تنفذ بحق دور العبادة، إلا أنه الآن أُسقط من بند الجرائم التي ينفذها الاحتلال بعد أن صارت تستهدف من قبل من ينسبون أنفسهم إلى المقاومة. وبعد أن كان طلبة الجامعات يناضلون من أجل الوصل إلى مقاعدهم الدراسية، في أثناء إغلاقها من قبل الاحتلال، صارت اليوم تستهدف دون مراعاة لمكانتها، ولدورها في بناء المجتمع.
الهدف الذي يسعى إليه مستهدفو المؤسسات العامة هو إظهار حماس والحكومة في صورة العاجز عن حفظ الأمن، وحماية الشعب الفلسطيني ومؤسساته وممتلكاته. أما استهداف المساجد والجامعات ورجال الدين والأساتذة فلا يمكن أن يحمل في مضمونه سوى رسالة واضحة يهدف مرسلوها إلى إخراج الدين من جوهر الصراع مع الاحتلال، وتدمير أقوى سلاح بين الفلسطينيين في مواجهة عدوهم والمتمثل في التعليم، وهو يمثل انعكاسا واضحا لما تقوم به أطراف خفية في العراق، حيث قتل عشرات العلماء، وهاجر المئات منهم بحثا عن الأمن.
لكن السؤال الذي لا أجد له إجابة حتى الآن، أنه وبعد أن استهدف كل محظور، وبعد أن عم الخراب على أيدي مثيري الفتنة، ماذا بقي من الخطوط الحمراء؟، وما الذي يمكن أن يستهدف في الأيام القادمة، في ظل استمرار حالة الفوضى والفلتان، وسعي أطراف عدة إلى استمرارها وإذكاء نار الفتنة؟.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...