ماذا لو أخذتني مستشارا لك يا فخامة الرئيس عباس..!
بداية سأقول لك لا تضع المعايير الإقليمية والدولية في دائرة إهتمامك الأولى بل اصغ جيدا إلى المعايير الداخلية وما تحمله من متغيرات يجب التعامل معها بواقعية أكثر ، ولأنها هي مصدر القوة وهي صاحبة منطق فرض الإرادة الفلسطينية.
نقطة النجاح ومعيارها ما ستحققه من توافق وطني ووحدة وطنية إجماعها يكون ليس على ضبابية الموقف الأمريكي وهلامية وخداع الموقف الإسرائيلي .
اسمع لي جيدا يا سيادة الرئيس ، التاريخ لا يمكن أن يعود للوراء ، ولو تغنينا بأمجاده فستبقى تلك الأغاني عبارة عن أبواق خادعة إذا لم نحقق منها ما نستفيد به من معالجة لقضيانا الداخلية .
اسمع لي يا فخامة الرئيس ، اذهب إلى حماس وأنت ممتلك التجربة الواسعة في حركة النضال الوطني الفلسطيني ، ولا تجنح بها إلى أماكن دروب الحفر والمستنقعات فشعبنا ومنذ أوسلو دخل من مستنقع إلى مستنقع يهدد بالحرب الأهلية وانعكاساته السيكلوجية على البنية والنسيج الإجتماعي الفلسطيني و الثقافي برمته .
اسمع لي يا فخامة الرئيس ، أنت لاجئ ومن مخيمات اللجوء ولا يعنى الثراء أن يتخلى الإنسان عن اصول مشكلته ودوافعها وأسابها ،أعتقد أن لديك وفي أعماقك الشعور كلاجئ بائس في مخيمات الضفة وغزة أو في مخيمات اللجوء او في أراضي الغربة وعذاباتها .
أعتقد أنك تحس بذلك أحيانا ولو امتلكت كل كنوز الأرض فستبقى لاجئاً اخطتفت أرضك من غزاة العصر .
إذهب إلى حماس وإلى جميع الفصائل ، واترك المشعوذين والمتعولمين الذين يديرون الدفة على جناحيهم ليسطعوا قليلا في سماء التاريخ ، ولذلك هم يستغلوا أمجاد التجربة الفلسطينية ليحققوا ذاتهم ولو كانت بالحرب الأهلية والصراع على الحكم ، وليحققوا أيضا بعض ما وعدوا به جهات إقليمية ودولية بأنهم أصحاب القوة الخارقة وأنهم نقطة الإجماع ونقطة الحسم ، هؤلاء يا فخامة الرئيس عبارة عن زوبعة في فنجان في مسار التاريخ ، فالحكم دائما لحنكة الحاكم في أن يكون خارج نطاق المصالح الضيقة ومفاهيمها ، فالوطن أكبر وكتابة التاريخ أكبر وأهم .
إسمع لي يا سيادة الرئيس ، أنت تعلم قبل غيرك وإذا لم تعلم فهي مصيبة أكبر أيضا ، فتح لا جدال عليها ، فتح لا جدال على تجربتها ، فتح لا جدال على موقعها في الكينونة الفلسطينية ، ولكن أي فتح يا فخامة الرئيس ؟ فتح التي تتطلع لكل الشعب الفلسطيني وليس لفئة أو لطائفة أو لعشيرة أو لأفراد شكلوا مراكز قوى فيها ، فعظمة فتح في تاريخها وشهدائها وأسراها ، أما الباقون فإذا كانوا على العهد فهم البررة وإذا تخلوا تحت أي معيار من معايير الحسابات الدولية والإقليمية فهم الخاذلون والمتخاذلون ، فحينما انطلقت حركة فتح لم تصغ عمليا للواقع الدولي ولا للإقليمي كحسابات تعيق طريقها ، بل أخذتها معيارا كيف تبدأ وكيف تنهض وكيف تحقق الذات الفلسطينية ، هكذا هي حركة فتح يا فخامة الرئيس ، ليس بتحريف المسار وانحرافه وليس بتسلق مراكز القوى العاتية على إرادتها وعلى إرادة كوادرها ، فهل نحن فعلا يا فخامة الرئيس عولمنا حركة فتح ، وإذا عولمناها هل يعنى ذلك أن تكون أقدارها محكومة بواجهات لها حساباتها الخاصة وليس حساب الوطن ، ففتح المضمون والشعار والأخلاق والمبادئ والإهداف تتنافى مع كل هذه المرقعات السياسية التي تجرنا إلى خنادق لا تصوب واجهاتها نحو العدو .
اسمع لي يا سيادة الرئيس ، اذهب إلى حماس والجهاد الإسلامي والقيادة العامة والشعبية والقوى الوطنية الأخرى وقل لهم هاهي فلسطين بين يديكم وأنا واحد منكم فهناك وضوح كافٍ بين الحق والباطل ، ولقد قلت المسافات بينكم والمسافات الباقية ما هي إلا قضايا ناتجة عن معيار الخصوصية الفصائلية لحماس أو فتح ، فلقد قبلت حماس بالدولة الفلسطينية على حدود 67 ولقد قبلت حماس بمعايير المحاسبة في الساحة الفلسطينية ، فلنطوع خلافاتنا من أجل فلسطين ليس من أجل حسابات إقليمية كما ذكرت سابقا .
نصيحة فخامة الرئيس ، فتح تريد إعادة نظر في مسيرتها الآن وطريقة إدارتها فإذا كنت أنت الأخ وأحد الإخوة التاريخيين فاصغ جيدا لما يتحدث به كوادر الحركة وليس متسلقوها ، وليس كل من يلتفوا حولك وهم كثيرون وتوريطيون أيضا ورداحون كذلك ، ففتح أكبر من أسلوب الردح ، فتح قادت الجماهير الفلسطينية بقناعتها وقداتها بتوفر المصلحة في التحرير لجميع فئات الشعب الفلسطيني .
ليس عيبا أن تزود مؤسسات الرئاسة بالأسلحة ، ولكن العيب أن يتحطم جدار الثقة بينكم وبين حماس ويتحطم جدار الثقة بين الأخ وأخيه أو بين الإنسان وبني عمومته أو جيرانه وليدخلوا في محل المواجهة الدموية ، لا لشئ إلا أن كونداليزا رايس وعدت أو أولمرت وعد أو الرباعية إجتمعت .
أنتم تتحدثون عن الخطوة النهائية في خارطة الطريق ، وإسرائيل وأمريكا والرباعية تتحدث عن تنفيذ الشق الأول منها وهو الشق الأمني وتصفية سلاح المقاومة ، هل يا اخي أبو مازن يوجد إنسان عاقل يوقع على شيك وعلى بياض ؟ وماذا تحقق للشعب الفلسطيني من أجل أن يفعل ذلك ، هل من أجل مئات الحواجز أو من أجل المسجد الأقصى الذي وشك على الإنهيار نتيجة عمليات الحفيرات الإسرائيلية ، هل نوقع على الوهم أم نكون أكثر واقعا بأن نخرج بورقة سياسية إجماعية لكل فصائل العمل الوطني ، ونتحدث بقوة لنقول هذه هي مطالبنا السياسية ، على إسرائيل أن تنسحب من الأراضي التي أحتلت عام 67 وعلى إسرائيل أن تخلي مستوطناتها وعلى إسرائيل أن تفرج عن الأسرى والمعتقلين ، وعلى إسرائيل ألا تتنكر لحق العودة للاجئين وعلى إسرائيل أن تعترف بدولة فلسطينية متصلة جغرافيا وعلى إسرائيل أن تفك سيطرتها على مصادر المياه وأجوائنا ومياهنا وبرنا المقر في المجلس الوطني وفي وثيقة الإستقلال .
هنا ستكون حسن النية وسيكون هناك جدار الثقة القوي بينكم وبين حماس وفصائل العمل الأخرى ، وعلى إسرائيل إذا كانت تريد السلام عليها أن تقر بما ورد ، ففي حركة التاريخ وحكمها وفي حكم الصراع لسنا بالخاسرين ، فالمجتمع الإسرائيلي والمؤسسات الإسرائيلية في انهيار مستمر وخاصة بعد أن فقدت قيادتها التاريخية وإسرائيل ظهرت عليها ملامح الإنهيار بوضوح الشمس ، فلا تكن سياستنا محافظة على هذا الوجود المعرض للإنهيار ، فشعبنا الفلسطيني ونضالاته وتاريخه جذوره في الأرض الفلسطينية إلى أعماق أعماق جوف الأرض ، فلا أحد يستطيع أن يختزل التاريخ ولا أحد يستطيع أن يدمر إرادة الشعب الفلسطيني ، هذا الشعب الذي صمد على مدار أكثر من 50 عام أمام كل محاولات طمس شخصيته وثقافته وتاريخه فهو شعب الجبارين ، شعب العظماء ، شعب الصابرين والمرابطين ، فلا تجعلوا من سياستكم جدارا واقيا يحمي إسرائيل من بوادر انهيارها .