المستنقع المرفوض… من يستدرج من ؟

يخطئ من يعتقد ولو للحظة أن أي انتصار على الأرض لأحد طرفي الصراع الدائر بين حركتي حماس وفتح يمكن أن ينهى المشكلة أو يساهم في حلها . إن أي انتصار من هذا النوع هو خسارة صافية لشعبنا الفلسطيني رغم قناعة البعض بأننا ذاهبون إلى حرب أهلية وأن المشكلة المزمنة بين الحركتين لا يحلها سوى تطور من هذا النوع وليكن ما يكون وأن الحرب بهذا المعنى أفضل لو خيضت بالجملة بدل أن يخوضها الطرفان بالمفرق ويدفع ضريبتها المواطن المغلوب على أمره . ورغم أن هذا قد يجد قلة يائسة تؤيده إلا أنه يعبر عن مسألتين ، الأولى حجم الإحباط واليأس من إمكانية وقف الاقتتال من جهة ، والثانية الرغبة في معاقبة الطرفين حتى ولو كان ذلك بسفك المزيد من الدماء منهما .
إن الانقلاب الكبير الذي فاجأ الجميع بفوز حماس وبهذه النسبة وتشكيلها الحكومة بمفردها قد أصاب البعض بصدمة كبيرة ، فمن غير مصدق لانتقال السلطة لأيدٍ جديدة ، إلى مصدق ويعرف عقابيلها ويستعد للانقضاض عليها مرة أخرى ، وهذا ما سمعناه على ألسنة البعض ممن تعودوا على امتيازات السلطة وهيبتها الاجتماعية وعائداتها المالية .
وفى المقابل تصرفت حماس بالفوز بطريقة تنم عن بساطة مفترضةً أن شفافية العملية الانتخابية ونظافتها كافيان لتشكيلها الحكومة منفردة إذا ما أصر الآخرون على رفض شروط حماس وما تعرضه ، وغير معتقدة أو تتصور أن حصاراً من هذا النوع يمكن أن تواجهه على هذه الخلفية ، لدرجة أن تصريحات قادة حماس ذهبت بعيداً في تفسير التفويض الشعبي وأن الأمر لا يعدو كونه ممارسة لحق الحكم وحمل الأمانة وأن على الجميع أن يلتحق بركبها أو يتنحى جانباً على الأقل إن لم يقدم لها يد العون ويساعدها في حمل هذه الأمانة والتي وصفها الأخ خالد مشعل بأنها تكليف شرعي من الله لا يجوز التخلي الآن عنه بعد قبوله .
وبين الرفض لنتائج الانتخابات وخصوصاً بعد بدء الحصار الظالم والقاسي ، والعمل على إفشال تجربة حماس من جانب بعض أجنحة حركة فتح والذي أصبح معروفاً للقاصي والداني ، وبين الموقف العصيب الذي وجدت فيه حماس نفسها تحكم ولا تملك مفاتيح هذا الحكم ناهيك عن ميزاته ، بدأ العد التنازلي لما وصلنا له اليوم ، فالمرارة من جانب الإخوة في فتح يقابله الغضب والإحساس بالغدر الذي تتعرض له حماس رغم نجاحها الباهر بشكل شرعي ونظيف .
لقد نبه الكثير من المراقبين والمحللين إلى أهمية المعالجة الفورية لهذه الحالة بوضع آليات لمواجهة احتمالات الصدام ، وبذل كل الجهد لتشكيل حكومة ائتلاف وطني بأي ثمن لمنع تدهور الوضع ولاستيعاب واقع جديد وغير مسبوق ، لكن كل الجهود سواء لوضع الآليات أو لتشكيل حكومة وحدة وطنية ذهبت أدراج الرياح، وأخذت مفاعيل التوتر والقلق وردات الفعل تتصاعد وتتطور والكل يتحدث عن استحالة نشوب حرب أهلية بطريقة غريبة كمن يخدع نفسه ، مع أن كل الظواهر والوقائع على الأرض تشير إلى جدية هذا الاحتمال ، وقد أشار له أحد الأصدقاء ممن عاش في قطاع غزة وحضر وعايش ظروف الانتفاضة الأولى ، ومن ثم شاهد وعايش ظروف نشوء السلطة ونجاح حماس ونماذج الصراعات العائلية والفصائلية .
لقد أكد هذا الصديق ومنذ أكثر من سنة ونصف إن لم نقل أكثر بأن الحرب الأهلية واقعة لا محالة ، وقد دهشت من حديثه واستفسرت منه عن هذا اليقين فأجاب بأن الفلتان على كل الأصعدة وصل إلى حدوده القصوى ، وأن عدم القدرة على ضبط الأمور سيوصل حتماً لهذه النتيجة ، وأن عدم وجود أي رادع جدي لوقف العنف الاجتماعي والفصائلي وردات الفعل تجاه المشاكل سيؤدى لوقوع هذا المحظور .
كان هذا قبل نجاح حماس في الانتخابات فما بالك وقد فازت حماس وسرقت الأضواء والمجد ممن تعودوا عليه واستمرؤوه ولو على حساب الشعب ، مضافاً لهذا أن أي استقرار سيعنى حتماً سقوط الفاسدين وملاحقتهم قضائياً وإغلاق كل بوابات الارتزاق والسمسرة على قضية الشعب الفلسطيني ، ومن تلوثت أيديهم بأموال قذرة أو بدماء الكثير من ضحايا غدرهم وعمالتهم للعدو .
لقد تضافرت عدة عوامل لإذكاء النار بين القيادة القديمة والجديدة ، ولا نبالغ إذا قلنا أن التربة كانت مهيأة للصدام على خلفية حيف وإهانات لحقت بالعديد من قيادات حماس وكوادرها على أيدي الأمن الوقائي وأجهزة السلطة القديمة ، وفى المقابل إحساس بان الوقت قد حان للتشويش على الجديدة وتعليمها درساً في فن الحكم يتعلق بخطأ ما كانت تفعله حماس في السابق ويحرج السلطة ويضعها في تناقض دموي مع الكيان الصهيوني والذي يشكل الطرف الآخر في اتفاق اوسلو أو ما أسماه الراحل عرفات بسلام الشجعان والذي خلق للكثير من المتسلقين والسماسرة مصالح ومكاسب لم يعد ممكناً التخلي عنها .
ومع تطور الحصار وامتداده وعدم قدرة حماس في ظل هذا الحصار على الوفاء بالتزاماتها كحكومة، وخصوصاً في الجانب المالي والمخصصات ، فقد وجدت بعض الأطراف أن الفرصة قد واتتها للانقضاض مجدداً على النجاح الحمساوى وإفراغه من مضمونه . وللأسف لم ينتبه هؤلاء إلى عملية الاعتقال والمنع والحصار الذي تمارسه إسرائيل على الحكومة الوليدة مما يضع سلوكها تحت الشبهات ويجعل من ادعائها الحرص على قوت الشعب ولقمة عيشه كلاماً في الحق يراد به الباطل ، وهذا تعرفه حماس ويعرفه كل مراقب محايد لما جرى ويجرى .
وبرغم إدراك حماس ولو متأخرة حجم المعضلة التي تواجه ، وحجم المشروع الوطني الذي تصدت لحمله عن كاهل المتعبين أو المفرطين كما تسميهم ، فإنها لم تبادر لوضع برنامج محدد للخروج من المأزق، بل تساوقت مع اللعبة في تحدٍ ظاهر لفتح ولسلطة الرئيس مما أضعف قدرتها على إبقاء وتيرة التناقضات تحت السقف الذي تريد ، وأفلتت الأمور من يد قيادتها ولم تعد هذه القيادة مهما حسنت نواياها قادرة على وقف الصدامات الدموية و ردات الفعل التي تطال بالضرورة قسماً من أعضائها وكادراتها الميدانية .
ولابد هنا من استحضار حوار جرى مع الأخ الدكتور أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بعد أن تحدث عن حرمة الدم الفلسطيني مستعيناً بحديث الرسول الكريم حول حجم الخطيئة في قتل الأخ المسلم أو ابن الوطن ، وقد رددت عليه في هذا الأمر منوهاً بأن كل فتاوى الدين والتحريم والوعظ لا يوقف الصدام ووقوع ما نخشاه ، وأن الأفضل أن نضع آلية لوقف الاحتكاك ولجم تداعياته إن وقع ، وقد رد الأخ الدكتور بالموافقة على ما طرحت ، لكن الحال بقى على ما هو عليه وانتهينا الآن إلى حال يصعب فيه وضع مثل هذه الآليات أو مجرد الاتفاق على منع التجول في المناطق الساخنة لحين معالجة ما جرى وتخفيف منسوب الاحتقان والعودة للحوار الأخوي الهادئ والرصين بعيداً عن الإثارة والتحريض .
إن الأيدي الأمريكية الصهيونية غير خافية في لعبة الموت التي تدار فوق أرضنا وبين أبناء شعبنا ، مما يقتضى من كل مدعي للوطنية أو الحرص على مصلحة الشعب أن يلقى السلاح جانباً وأن يغلق فمه عن التحريض وتحميل الطرف الآخر مسؤولية ما جرى ويجرى تمهيداً لاعتداء يرجو له التفهم من قبل الناس ، وبدون إدراك لذكاء شعبنا وقدرته على معرفة الحقيقة ، وتمييز أصحاب المصلحة في هذه الجريمة .
لقد سجل شعبنا تجارب غنية في الوحدة والتضامن ، بل في التضحية من اجل الأخ وقبوله بما يحمل من أفكار ومواقف سياسية ، هذه التجارب يجب أن يستحضرها كل الأخوة الكتاب والمثقفين الذين يقفون اليوم على مفترقات صعبة ومعقدة ، كما عليهم رفع الصوت عالياً لوقف الاقتتال ، وإدانة كل أشكال التحريض مهما كانت المبررات التي تساق لتبريره ، وهنا لابد من إرسال نداء لكل الناطقين الإعلاميين والرسميين بتوخي الحذر الشديد والنزاهة الوطنية فيما يطلقوه من تصريحات ، يكون ثمن الخطأ فيها من دماء أبنائنا .
إن تجربة جنين القسام كما عرفناها وشاهدناها ومن خلال أقلام بعض أبنائها ممن نتواصل معهم ، تمثل نموذجاً مشرفاً للمنهج الذي ننادى بالتزامه في الساحة الفلسطينية ،وتعميم روحه على طرفي الصراع الدامي والمؤلم في أرضنا، وبين أبناء شعبنا، عله يكون منتجاً لحالة تآلف بين الإخوة وحملة السلاح . من منا لا يذكر معركة جنين وحصارها الهمجي وتدمير مخيمها على رؤوس ساكنيه ؟ هل يتذكر الأخوة في حماس وفتح كيف كانت اللحمة بينهما في المواجهة والتعاون ؟ هل يعلمون أن إخوتهم في جنين ما زالوا على العهد كما في تلك الأيام الدامية من العام 2002 ، وكيف استشهد البعض من هذا الفصيل لأجل حماية الآخرين من الفصيل الآخر وكيف تحولت تلك الأيام الحزينة إلى أيام عز وفخار بتعاون الإخوة وتصديهم المشترك لعدوهم المشترك ، وهل يعلم الجميع أنه برغم كل ما يجرى لم تقع ولا أي حادثة تذكر في جنين بين طرفي الصراع ، وأن هناك مجلة محلية تصدر بالمشاركة بين فتح وحماس وان هذه المجلة تحمل شعاري الحركتين وتقسم أوراقها مناصفة ليقول كل طرف ما عنده حول قضيتنا الوطنية بدون حساسية أو خوف من الآخر ؟
إذن هناك نموذج . والنموذج الآخر من بيت حانون والذي ما زال دم أبنائه البررة غضاً ، وكيف توحدت الجهود بما فيها حركة نسائنا الماجدات لوقف الحصار وحماية مناضلينا من الموت المحتم على يد العدو الإسرائيلي المدجج بالسلاح والمغطى دولياً بالفيتو الأمريكي .
وعشرات النماذج في كل أنحاء الوطن ومن المعتقلات الصهيونية ، وهل هناك من ينكر وحدة أسرانا وتعاليهم عن كل المرارة والجراح خلف القضبان ودعوتهم للوحدة ووقف النزف ، بل وتهديدهم بالاضطراب عن الطعام حتى تتوقف المهزلة ويثوب العابثون إلى رشدهم ؟
ربما يقول قائل أن هناك استدراج من جانب هذا الطرف للطرف الآخر ، عبر استفزازه باغتيال هنا وخطف هناك … إلى آخر هذه المعزوفة النشاز لتبرير استمرار الحال الذي نراه ، لكن الأمر الذي أصبح ضرورياً للجم الاندفاع المميت باتجاه حرب أهلية بالجملة وعلى نطاق واسع، يتمثل في أن يعلن أحد طرفي النزاع توقفه التام عن الرد، أو بالأحرى قراراً بعودة الناس الى بيوتهم والتزامها ، ويمارس ذلك بشكل علني وتحت رقابة طرف ثالث من باقي الفصائل ، ويليه مباشرة إعلان الطرف الآخر ذات الشيء، لتخلى الشوارع لقوات من الطرف الثالث معززة بالشرطة فقط ، ولتبدأ بعد ذلك حوارات البرنامج الشامل بما فيه تشكيل حكومة الوحدة الوطنية
إن تعويل اي طرف على الدعم الخارجي سيكون في غير مصلحته ولا مصلحة التهدئة وإنهاء المشكل الذي نسعى جميعاً لحله ، بل سيكون عامل توتير ويحقق أهداف العدو ومن يدعمه في المنطقة وخارجها ، وسيجعل من إمكانية الوصول لحل أمراً شبه مستحيل .
لقد كتبنا قبل هذا العديد من الآراء في مقالات تتناول سبل حل التناقض والمشاكل بين الحركتين بما في ذلك اقتراح الطلاق الديمقراطي على قاعدة التسليم بحقوق الآخر من كلا الطرفين وإكمال المدد القانونية للرئاسة والحكومة .
واليوم فان وقف الاستدراج من كلا الطرفين يمثل مدخلاً صحيحاً للحل ، ويكبح جماح المتوهمين بتحقيق اي انتصار على الطرف الآخر أو فرض أجندته الخاصة على الساحة الفلسطينية ، ولا بد من التسليم بأن مصالح الطرفين تتحقق فقط بحل متوازن يحترم نتائج الانتخابات ، في مقابل فهم أعمق وسلوك منسجم مع ه
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الثاني خلال ساعات .. أمن السلطة يقتل مسنًّا في جنين
جنين - المركز الفلسطيني للإعلامقتلت أجهزة أمن السلطة -اليوم الثلاثاء - مسنًّا، وأصابت آخرين بإطلاق نار مباشر في الحي الشرقي بمدينة جنين، بعد ساعات...

حماس: قرار برلمان بروكسل تمكين للعدالة الدولية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أشادت حركة حماس بقرار برلمان بروكسل مطالب الحكومة الفيدرالية بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية...

القسام يشتبك مع قوة صهيونية ويجهز على سائق آلية عسكرية شرقي غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الثلاثاء، الاشتباك مع قوة هندسة صهيونية، والإجهاز على سائق آلية...

470 ألف فلسطيني بغزة قد يواجهون جوعاً كارثياً من المرحلة الخامسة حتى سبتمبر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام رجح تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إن يواجه 470 ألف شخص في قطاع غزة، جوعاً كارثياً (المرحلة الخامسة...

شهيد بقصف مسيّرة إسرائيليّة دراجة نارية في جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شخص، اليوم الثلاثاء، إثر قصف من مسيّرة إسرائيليّة على بلدة حولا جنوبيّ لبنان، في استمرار للخروقات...

الصحة تعلن ارتفاع عدد ضحايا الإبادة بغزة إلى 52908 شهداء
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، اليوم الثلاثاء، ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 52908 شهداء و119721 مصابا منذ 7 أكتوبر/...

أمن السلطة يقتل الشاب رامي زهران في مخيم الفارعة
طوباس - المركز الفلسطيني للإعلام قتلت عناصر أمن السلطة، الشاب رامي زهران بإطلاق نار مباشر -اليوم الثلاثاء- في مخيم الفارعة شمال الضفة الغربية....