الأربعاء 07/مايو/2025

براك أيالون: دلالات التباهي بالجرائم

براك أيالون: دلالات التباهي بالجرائم

التنافس على زعامة حزب العمل الإسرائيلي التي ستجرى بعد حوالي شهر يكتسب أهمية خاصة، وذلك ليس لأن هناك أي احتمال أن يعود هذا الحزب للعب دوره الريادي، الذي لعبه في حياة الدولة العبرية على مدى العقود الثلاثة الأولى من عمر هذه الدولة، بل لأن هوية المتنافسين على قيادة هذا الحزب تكشف طبيعة الفضاء السياسي الذي تتحرك فيه إسرائيل.

صحيح أن هناك خمسة مرشحين سيتنافسون على زعامة هذا الحزب، لكن التنافس الحقيقي يحتدم بين رئيس الوزراء الأسبق إيهود براك، ورئيس المخابرات الداخلية الأسبق عامي أيالون. وهذا بحد ذاته يحمل دلالات فارقة يتوجب على العرب والفلسطينيين تحديداً أن يعوها. فحزب العمل الذي لازال بعض العرب يراهن عليه في طرح مواقف أكثر مرونة من ناحية سياسية، مقارنة بالأحزاب الإسرائيلية الأخرى، يصر على طرح نفس البضاعة وحتى بدون تغليف جديد.

فهذا الحزب يعود ليتصدره الجنرالات الذين كل ما يفتخرون به، ويرون أنه سيشفع لهم أمام ناخبيهم هو سجل الجرائم البشعة التي نفذوها ضد الفلسطينيين والعرب. فإيهود براك لا يترك فرصة دون التباهي بماضيه كجنرال وكقائد لوحدة التصفيات الخاصة في جيش الاحتلال، ويصف بالتفصيل كيف كان يطلق النار على رؤوس المرشحين للتصفية من فلسطينيين وعرب. ليس هذا فحسب، بل أن براك في كراس دعائي يصف كيف كان يستمتع عندما يتطاير بياض عيون الذين يقتلهم بعد أطلاق الرصاص على رؤوسهم من الخلف.

أما عامي أيالون، فأنه لا يترك فرصة دون تذكير كل من يستمع له أنه عندما كان قائداً لوحدة الكوماندو البحرية التابعة لجيش الاحتلال، قتل من العرب والفلسطينيين أكثر من كل اليهود الذين قتلوا في عمليات المقاومة التي نفذتها حركة حماس. فإذا كانت هذه ” الإنجازات ” التي يرى المتنافسون على زعامة حزب العمل أنهم يستحقون الفوز على أساسها، فأن يدلل على بؤس الرهان العربي والفلسطيني على متغيرات السياسة الداخلية الإسرائيلية. فواضح تماماً أن أي نتيجة ستسفر عنها الانتخابات التمهيدية التي سيتم على أساس نتائجها تحديد هوية الزعيم الجديد لحزب العمل لن تكون في صالح النخب العربية والفلسطينية التي لازالت تراهن على دور حزب العمل الإسرائيلي في تسوية مستقبلية للصراع. لكن من الأهمية هنا الإشارة إلى عدة نقاط بالغة الأهمية على هامش التنافس على زعامة حزب العمل:

1-كما حدد ذلك بشكل واضح وصريح بنيامين بن اليعازر، وزير البنى التحتية وأحد قادة حزب العمل، فأن التنافس على زعامة حزب العمل، يعني التنافس على هوية وزير الحرب الجديد الذي من المتوقع أن يخلف وزير الحرب الحالي عمير بيريتس، على اعتبار أن زعيم حزب العمل هو الشخص الذي يتوجب أن يشغل منصب وزير الدفاع في حكومة إيهود أولمرت بناء على اتفاق الشراكة الحكومية. وواضح أن خسارة بيريتس في التنافس على زعامة الحزب مؤكدة كما تدلل جميع استطلاعات الرأي، من هنا، فأن الذي سيتولى منصب وزير الحرب سيكون براك أو ايالون.

ويتمنى أولمرت أن يفوز في هذه الانتخابات براك بسبب خبرته الطويلة في مجال الأمن، ولأنه سبق له أن شغل مناصب عسكرية وسياسية هامة، منها رئاسة هيئة الأركان ورئاسة الوزراء ووزارة الدفاع. وأولمرت الذي يتعرض لنقد شديد بسبب الفشل في حرب لبنان، يأمل أن يجلس إلى جانبه في الحكومية شخصية ذات خلفية عسكرية وسياسية غنية مثل تلك التي يملكها براك. بكلمات أخرى، فأن حزب العمل سيواصل القيام بمهمة ” متعهد الأعمال القذرة ” في مواجهة الفلسطينيين والعرب. فوزير الحرب هو الذي سيتولى الإشراف على العمليات الحربية وإعداد الدولة لمواجهة ما يعتبر في الدولة العبرية مخاطر إستراتيجية.

وأن كان براك يحاول إقناع أعضاء حزب العمل بالتصويت له عبر تذكيرهم بماضيه الإجرامي في مواجهة الفلسطينيين والعرب، فأن علينا أن نتصور الاستعداد الذي يبديه مثل هذا الشخص في الذهاب بعيداً في الجرائم التي يمكن أن ترتكب؛ مع أن المرء لا يحتاج الاستغراق في التوقعات، فقد كان براك رئيساً لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي في انتفاضة الحجر الأولى، حيث أصدر أوامره الصريحة بتكسير عظام الفلسطينيين وهو الذي دافع بقوة عن عمليات طرد وإبعاد قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى “مرج الزهور” في العام 1991.

وعندما اندلعت انتفاضة الأقصى في العام 2000 كان براك رئيساً للوزراء ووزيراً للحرب، وقد تولى شخصياً التخطيط لعمليات الاغتيال والتصفيات، ومن ضمن ذلك إصراره على قتل المقاومين عبر تدمير المنازل فوق رؤوسهم. إذن نتائج التنافس على زعامة حزب العمل أياً كانت، فأنها تعني مواصلة هذا الحزب لعب دوره الإجرامي.

2- اللافت جداً أن المتنافسين على زعامة حزب العمل لا يعرضون بدائل سياسية حقيقية، في مواجهة سياسة ” إجلس ولا تفعل شيئاً “، التي يتبعها أولمرت في التعاطي مع القضية الفلسطينية. فلا أحد من المتنافسين احتج على تعاطي أولمرت السياسي، ووعد بإخراج الحزب من حكومته كرد على هذا التعاطي. من ناحية ثانية، فأن أولمرت سيوظف وجود قادة حزب العمل في حكومته في إجراء اتصالات وهمية مع السلطة الفلسطينية ومع دول في العالم العربي، وهي المهمة التي يتقنها قادة حزب العمل، وذلك من أجل الظهور أمام العالم وكأن علاقات إسرائيل والعالم العربي تسير في الاتجاه الصحيح.

3- بات في حكم المؤكد أن الفضاء السياسي والحزبي في الدولة العبرية يخضع لهيمنة اليمين واليمين المتطرف، فحزب العمل لم يعد يرى في نفسه منافساً على زعامة الدولة، وكل ما يصبو إليه زعماؤه هو لعب دور وظيفي في إطار الحكومات الإسرائيلية. والذي يؤكد ذلك بشكل جلي وواضح هو استطلاعات الرأي المتواترة التي تؤكد أنه في أي انتخابات قادمة، فأن قوى اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل ستحقق فوزاً ساحقاً.

أن الذين يتوجب عليهم استخلاص العبر من الحراك الحزبي الإسرائيلي، هم العرب، وتحديداً الفلسطينيين. فإسرائيل التي تقودها قوى الإجرام والتطرف، يتوجب مواجهتها بجسم عربي منسجم مع ذاته، لا تنطلي عليه لعبة تغيير الوجوه المتسارعة في الحلبة السياسية الإسرائيلية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات