حالوتس فدية أمن إسرائيل فهل يكون تشيني فدية أمن النفط؟

في كل مرةٍ تعرّض أمن “إسرائيل” الى تهديد، سارعت أمريكا الى نجدتها ودعمها وتأمين غلبتها على أعدائها. أمريكا فعلت ذلك وتفعله دائما لأنها ربطت دائما بين أمن “إسرائيل” وأمن النفط. ف “إسرائيل” القوية المتفوقة تُسهم في حماية أمن النفط. كذلك فإن أمن النفط المحروس أمريكيا يشكّل ضمانة استراتيجية واقتصادية لأمن “إسرائيل”.

شعرت “إسرائيل” مطلعَ الثمانيات من القرن الماضي بأن منظمات المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان شكلّت خطراً متنامياً على أمنها، فإجتاحت لبنان العام 1982 بضوء اخضر أمريكي. غير ان إندلاع المقاومة اللبنانية عطّل مخططها الرامي إلى تحويل لبنان جرماً يدور في فلكها، فإضطرت الى الإنسحاب بعدما سارعت أمريكا (وفرنسا) الى حماية مؤخرتها المتقهقرة بإنزال قوات من مشاة البحرية على شاطىء ضاحية بيروت الجنوبية.

تصدّت المقاومة اللبنانية للقوات الأمريكية والفرنسية وألحقت بها خسائر فادحة (اكثر من 300 قتيل في اقل من شهر واحد) ما اضطرها الى الإنسحاب بعد توليف إتفاق بين واشنطن ودمشق جرى بموجبه إجلاء الوجود العسكري الفلسطيني عن لبنان في مقابل وضعه تحت الوصاية الأمنية (والسياسية) السورية.

بعد أقل من عشر سنوات على إدعاء “إسرائيل” تهديد المقاومة الفلسطينية لأمنها واجتياحها لبنان، استشعرت أمريكا أن قوة العراق المتنامية تهدد أمن النفط فاستدرجت نظام صدام حسين إلى اجتياح الكويت، ثم قامت وسط حملة تعبئة وتجييش دولية بالانقضاض عليه مطلعَ العام 1991 وإجلائه عن الكويت ومحاصرته بالعقوبات الاقتصادية.

إذْ أحسّت أمريكا بأن العراق يوشك على ان ينجح في الإفلات من مفاعيل الحصار والعقوبات بإجراء اتفاقات مجزية لمناطق تجارة حرة بينه وبين كل من سوريا والأردن ومصر، اخترعت خرافة حيازته أسلحة دمار شامل وانقضت عليه العام 2003 واحتلته بعدما اقتلعت نظام صدام.

غير ان المقاومة العراقية أفسدت على أمريكا مخططها الداعي إلى جعل العراق، تحت ستار بناء نظام ديمقراطي في ربوعه، منصةَ إنطلاق لتعزيز هيمنتها على المنطقة. وكان سبق إحتلال العراق ورافقه وأعقبه صعود لافت في قدرات إيران مكّنها من أن تصبح قوة إقليمية مركزية. فوق ذلك، استفادت إيران من تعثّر الاحتلال الأمريكي للعراق فمدّت أجهزتها الأمنية ونفوذها السياسي إلى محافظات الجنوب ومن ثم إلى بغداد العاصمة الأمر الذي مكّن أنصارها – وبعضهم وكلاء مشتركون بينها وبين أمريكا – من الفوز في الإنتخابات النيابية.

في هذه الأثناء خرج إلى العلن مشروع إيران الطموح لتخصيب اليورانيوم وبناء قدرة نووية قد تتطور لاحقاً إلى إمتلاك أسلحة ذرية. ذلك كله أشعر أمريكا بأن تنامي قدرات إيران كقوة إقليمية مركزية يهدد هيمنتها على المنطقة وقد يشكّل خطراً على أمن النفط، فقررت تعديل استراتيجيتها على نحو يمكّنها من استدراك نزفها المتعاظم في العراق كخطوة لا بدّ منها لمواجهة إيران سياسياً وعسكرياً.

من هذا السرد المقتضب لتطور الأحداث في المنطقة نلاحظ أموراً خمسة: الأول، هناك تزامن بين الخطر الذي تشكّله المقاومة في لبنان على أمن “إسرائيل” والخطر الذي تشكّله المقاومة في العراق (فضلاً عن صعود إيران كقوة إقليمية) على أمن النفط. الثاني، وجود ترابط بين أمن “إسرائيل” وأمن النفط بدلالة تزامن الخطرين اللذين تشعر “إسرائيل” وأمريكا بأنهما يهددانهما. الثالث، ان أمريكا كانت تسعى دائما إلى تأمين إنفراد “إسرائيل” بضرب الجهة أو الدولة التي تشعر بأنها تهدد أمنها وذلك بمنأى عن أي تدخل خارجي – عربي أو دولي – لمساءلتها أو مجابهتها، في حين انها كانت تحرص على تعبئة اكبر عدد من الدول العربية وسَوْقها لمواجهة الجهة أو الدولة التي تهدد أمن النفط أو تتهمها هي بذلك. الرابع، عدم حصول الدول العربية التي دعمت أمريكا في محاربة الجهة أو الدولة التي تهدد أمن نفط على أي كسب أو منفعة لقاء خدماتها من طرف واشنطن. الخامس، عودة أمريكا اليوم الى استخدام الأسلوب نفسه في تعبئة الدول العربية ضد إيران بما هي، وفق تقويم واشنطن، الخطر الذي يهدد أمن النفط في الحاضر والمستقبل. وهو الأسلوب القائم على إعطاء “الخطر” السوفييتي (قبل انهيار دولته) والعراقي والإيراني أولوية مطلقة على الخطر “الإسرائيلي” بل على الخطر الذي تشكّله الولايات المتحدة نفسها على الأمن القومي العربي والمصالح العربية بإنحيازها السافر إلى “إسرائيل”.

كان الأمر ليهون لو ان الدول العربية حصلت على كسب سياسي أو منفعة إقتصادية لقاء محالفة أمريكا ودعمها في حروبها ضد الجهات أو الدول التي زعمت أنها هددت أمن النفط. لكن واقع الأمر يشير إلى العكس تماما. ذلك ان الدول المتحالفة مع أمريكا كانت تتكبد خسائر اقتصادية وسياسية جرّاء حروب أمريكا في المنطقة وانحيازها المتواصل ل “إسرائيل”.

حتى لو اعتبرنا ان إيران تتدخل في العراق لمصلحة فئة من الشعب العراقي ضد أخرى، فإن المسؤول عن ذلك هي أمريكا بصفتها سلطة الاحتلال وصاحبة القرار الأول والأخير في مجريات الساحة العراقية. وليس أدل عن مسؤولية أمريكا في هذا المجال من التعثّر والفشل اللذين انتهت اليهما سياستها الرعناء في العراق وفلسطين ولبنان.

في العراق، إنكشفت أكاذيب إدارة الرئيس بوش حول امتلاك نظام صدام أسلحة دمار شامل، ووجود علاقة بينه وبين منظمة “القاعدة”. وكان من شأن سوء تقدير الموقف، قبل الحرب وبعدها، ان غرقت قوات أمريكا في مستنقعات العراق الأمر الذي حمل الرئيس الأمريكي، بعد طول عناد وتردد، إلى إقالة وزير حربه دونالد رامسفلد. وها هو اليوم يعاود الفعلة نفسها في العراق مرة أخرى وسط صعوبات وتحديات تشي بفشل اكبر وربما بهزيمة مدوّية. فهل تراه يكون نائب الرئيس ديك تشيني، داعية الحرب على إيران، فدية أمن النفط المزعوم تهديده في قابل الأيام من قبل طهران؟

أما في “إسرائيل” فقد جرى تدفيع رئيس الأركان الجنرال دان حالوتس ثمن الفشل الذريع في حرب “إسرائيل” العدوانية على المقاومة اللبنانية بل على لبنان كله، بشراً وشجراً وحجراً. فهل تراه يكون رئيس الحكومة إيهود اولمرت، المحال على التحقيق الجنائي في فضيحة خصخصة بنك ليئومي، فدية امن “إسرائيل” المزعوم تهديده من قبل المقاومة اللبنانية صيفَ العام الماضي؟