الأحد 07/يوليو/2024

هذا التصريح بأن إسرائيل أمر واقع

هذا التصريح بأن إسرائيل أمر واقع

صحيفة الخليج الإماراتية

تصريح خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، بأن “إسرائيل” أمر واقع أثار قلق فصائل المقاومة الفلسطينية، بينما تشهد الضفة والقطاع المحتلان لغطاً حول لقاءات بعض رموز حماس في أوروبا، تبدو كأنها إعادة إنتاج لقاءات بعض رموز فتح التي انتهت إلى توقيع اتفاق أوسلو. إذ بينما أكد إسماعيل رضوان، الناطق باسم حماس، أن ليس هناك أي تغيير في سياسة حركته تجاه “إسرائيل” والاعتراف بها، حذر د. رباح مهنا، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، من كون تصريح مشعل دليل صفقة حول حكومة الوحدة الوطنية بوساطة أمريكية. ولما كان القول بأن “إسرائيل” أمر واقع قد وظف في تبرير الاعتراف بالكيان الصهيوني والتطبيع معه، فإن ذلك يستدعي الوقوف مع هكذا توظيف في محاولة بيان تناقضه مع حقائق واقع الصراع العربي الصهيوني .

وألاحظ بداية أنه ليس كل ما هو أمر واقع يعتبر مشروعاً وقابلاً للتسليم به والقعود عن مقاومته، فالسرقة والدعارة والفساد والاستغلال والاستبداد وأمثالها من الجرائم، أمور واقعية وقديمة قدم العمران الإنساني، ولا يخلو منها مجتمع على وجه الأرض، غير أن وجودها، وغيرها من الشرور غير مقبول من الإنسان السوي، الذي لا يقر إلا ما كان مشروعاً وغير متسبب بضرر. فهل هذا ينطبق على “إسرائيل” حتى يكون وجودها كأمر واقع يبرر الاعتراف بها والصلح والتطبيع معها؟

قد يقال: ألم تُقم “إسرائيل” استناداً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (181) وهي منذ العام 1949 عضو في المنظمة الدولية، وتعترف بها أغلبية دول العالم، إلا أنه في موازاة هذا الواقع، الذي لا ينكر، واقع آخر تتنكر له “إسرائيل” ولا تعترف به. فقرار التقسيم أوصى بإقامة دولة عربية على 44% من أرض فلسطين، وبرغم ذلك اغتصبت “إسرائيل” حوالي 50% من نصيب العرب. ثم إن قبولها عضواً في الأمم المتحدة إنما جاء استناداً لإقرارها بروتوكول لوزان الموقع في 12/12/1949، الذي ألحقت به خريطة التقسيم، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194) بعودة اللاجئين واحترام حقوقهم واستعادتهم ممتلكاتهم. ولقد اعتبرت “إسرائيل” توقيع العرب بروتوكول لوزان اعترافاً رسمياً بها، إلا أنها لم تعترف للعرب بما وقعت هي عليه، بامتناعها عن الانسحاب لحدود التقسيم، وتنفيذ القرار (194). أليس هذا أمراً واقعاً في مستوى واقع قبولها عضواً في الأمم المتحدة بموجب القرار (273) في 11/12/1949؟

وفضلاً عن ذلك ف “إسرائيل” ليست بالدولة طبيعية النشأة والدور، إذ لم يقمها يهود لهم وجودهم الطبيعي والتاريخي الممتد في فلسطين، وإنما هي مشروع استعمار استيطاني عنصري أقامته القوى الاستعمارية كحاجز بشري غريب بين جناحي الوطن العربي باعتماد تهجير أغلبية عرب فلسطين قسراً من وطنهم، وإحلال ضحايا النازية من يهود أوروبا محلهم بدل إعادتهم لأوطانهم بعد هزيمة النازية. وما كان وجود الأنظمة العنصرية والمشروعات الاستيطانية مبرراً لقبولها وإضفاء المشروعية عليها، أو السكوت عما تجسده من عدوان على حقوق الآخرين. كذلك كان موقف أغلبية الشعوب وأحرار العالم تجاه النظامين النازي والفاشي ومشروعات الاستيطان العنصري في الجزائر وروديسيا وجنوب إفريقيا. فضلاً عن أن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني متميز عن سابقيه بكون جريمة التطهير العرقي في صلب استراتيجيته. ولقد مارسها بقرار رسمي في حرب 1948/1949 إذ طرد 60% من الشعب العربي الفلسطيني، بحيث شكلت أراضي من هجرهم قسراً 92% من مساحة كيانه سنة 1949.

والتجمع الاستيطاني الصهيوني ليس مجمعاً على رفض تفعيل القرار (194) بعودة من سبق له تشريدهم فحسب، وإنما هناك قطاع غير يسير من ساسته ومفكريه يدعو لتهجير غالبية عرب الأرض المحتلة سنة 1948 فيما يقرر بني موريس، أبرز المؤرخين الجدد، أن خطيئة بن جوريون التاريخية أنه لم يستكمل عملية التطهير العرقي في حرب 1948-1949 بطرد جميع عرب “أرض اسرائيل”. أليست استراتيجية التطهير العرقي من بعض الأمر الواقع “ال إ سرائيلي” الراهن؟

ثم إنه في مواجهة التجارب الاستعمارية اعتبرت المقاومة مشروعة في القانون الدولي. ودائماً نظر لمقاومة الاستعمار الاستيطاني العنصري باعتبارها النقيض النافي مشروعية واقع الاغتصاب العنصري وأداة تصفيته. ومن هنا يدرك ربط الاعتراف ب”إسرائيل” باشتراط إعلان نبذ المقاومة، بل وتشويهها بنعتها بأنها “إرهاب”. وحين يصدر هكذا إعلان عن قيادي في حركة المقاومة فإنه بذلك لا يدين تاريخه وحركته فحسب، وإنما يسوغ شطبه وحركته من معادلة الصراع ما إن يحقق التحالف الأمريكي – الصهيوني غايته من الاعتراف وإدانة المقاومة. وفي تجربة الراحل ياسر عرفات مثال جدير بالا ينساه أو يتجاهله أي مقاوم عربي. فالرئيس الراحل تعدد ناصحوه ومطالبوه بالاعتراف بالقرار (242) لتسقط الإدارة الأمريكية الحظر عن الاتصال بالمنظمة وحوارها. وذلك ما فعله بخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف صيف 1988، ويومها دان “الإرهاب”. وحين امتنع عن المضي في مسلسل التنازلات، كما أراده الرئيس كلينتون أن يفعل، لم يعد يعتبر شريكاً في “عملية السلام”، وفرض عليه الحصار. وتدعي بعض المصادر أنه جرى تسميمه في محبسه، وأن بعض من تربوا على يديه شاركوا في الجريمة .

وخلال الأسبوع الذي صدر فيه تصريح خالد مشعل، وفي لقاء مع فضائية الجزيرة، نبه د. عزمي بشارة قادة فتح وحماس إلى أن ما يمكن عرضه في المرحلة الراهنة أقل بكثير مما عرض على الرئيس الراحل في كامب ديفيد ورفضه لتناقضه مع الثوابت الوطنية. وقد جاء ما رشح من أخبار واشنطن، قبل وصول وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس للمنطقة، أن مشروع “الدولة” الفلسطينية المجسد لرؤية الرئيس بوش عبارة عن قطاع غزة وما هو خارج جدار الفصل العنصري في الضفة ومن دون القدس. أليس ما نبه إليه د. بشارة ورشح من أخبار واشنطن من بعض الأمر الواقع “الإسرائيلي” الراهن؟

وآخر ما ألاحظه أنه منذ عشرينات القرن الماضي اعتاد الصهاينة التعاطي مع القرارات الدولية، كما المبادرات والتصريحات العربية، بقبول ما يعتبرونه في مصلحتهم ورفض ما عداه. وعليه يحذر بهجت أبوغربية، المناضل العربي المخضرم، من خطورة التصريحات غير محسوبة العواقب، ويوصي بالاقتداء بحكمة الفلاح الفلسطيني، الذي عندما ينزل إلى سوق المدينة لبيع بعض خرافه يمتنع عن عرض سعر لها مهما حاول المشتري ذلك مصراً على أن يسمع عرضه أولاً، وبعد أن يحصل على السعر الذي يرضاه يقر الصفقة. فهل يقتدي صناع القرار العربي بحكمة الفلاح الفلسطيني؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات