الثلاثاء 06/مايو/2025

حرية القتل وديمقراطية الإبادة

حرية القتل وديمقراطية الإبادة

شاءت أمريكا أن تضع نفسها فوق القوانين والشرائع، بل فوق سائر البشر، ومعها إسرائيلها بطبيعة الحال. من ثم عمدت كل منهما إلى إطلاق العنان لجنودها في التصرف بمصائر البشر الآخرين حسب هوى كل منهم ومزاجه وحالته النفسية والعقلية دونما خشية من حسيب أو رقيب أو محكمة دولية، فجاءت التوجيهات والتعليمات المنبثقة عن (ثقافة) العدوان والنزعات البدائية الهمجية المستمدة من تعاليم التلمود القديمة ونظريات مفكريهم المعاصرين المنحرفة المتعالية الحاقدة على سائر البشر مبتدأة بالعرب والمسلمين في المرحلة الراهنة.‏

الحرية أمريكياً وإسرائيلياً‏

اقتل من شئت… وبأي عدد أحببت… كالعصافير اصطياداً… صوِّب بندقيتك أو رشاشك.. أطلق صاروخ طائرتك أو مدفع دبابتك من أي عيار حتى لو كان الهدف طفلاً (كمحمد الدرة وإيمان وهدى) وكانت قوة القنبلة قادرة على الإطاحة ببناء كامل تسوية بالأرض.‏

ولتذهب أشلاء الطفل في الفضاء بدداً، ولينتشر دمه رذاذاً كغيمة حمراء، ولا يبقى من جسده ما يدلُّ على أن هذا كان طفلاً بشرياً ابناً لأناس كانوا يخشون عليه لفحة حرٍّ في يومٍ قائظ أو لسعة برد في يوم شتاء قارس.‏

الشيء نفسه في وسعك أن تفعله مع أي رجل حتى لو كان طاعناً في السن، على أعتاب القبر، عائداً من صلاة الفجر –وليس من عملية فدائية- عاجزاً عن الحركة (كالشيخ ياسين). أو كانت امرأة حاملاً، فلتضع وليدها عند الحاجز، وليذهبا معاً إلى الجحيم، فهذا سوف يحمل بندقية ذات يوم لو تركناه ينمو ويكبر فيغدو (إرهابيّاً) يرفض احتلالنا ووجودنا فوق أرضه كأبويه وسائر أهله من قبل…! لك الحرية في أن تفعل بهم ما تشاء ولن يحاسبك أحد، ولن يجرؤ على انتقاد صنيعك أحد.. حتى قومه أنفسهم، لن يجرؤوا على أكثر من الشجب على استحياء والاستنكار الأقرب إلى الاعتذار في أسوأ الأحوال.‏

ديمقراطية القطب الأوحد‏

لا ريب أن الامبراطور بوش حريص على الديمقراطية، وعلى نشرها في ربوعنا، تؤرقه في صحوه ومنامه، وتعكر عليه صفو إجازاته في تكساس، هو ومن معه ممن يطلقون على أنفسهم –إمعاناً في التضليل- تسمية (المحافظون الجدد) وهم ليسوا محافظين ولا هم جدد. هم عصابة قديمة جذورها ممتدة إلى أسلافهم منذ التلمود ومزامير داوود، هم إباحيون مستبيحون للدماء والحرمات والحقوق والإنسانية عامة، فعلى أي شيء تراهم يحافظون؟ مصطلحاتهم العجيبة إياها، والأعجب أن يتبناها الآخرون، ومنهم الكثير من وسائل إعلامنا العربية والإسلامية. مصطلح ملتبس آخر لا يعني سوى (المحافظة) على بقاء إسرائيل موجودة وقوية بما يفوق سائر القوى المواجهة لها لمجرد الدفاع عن أوطانها وناسها وحقوقها. بل والقوى التي يمكن أن تظهر للوجود في قابل الأيام في منطقة (الشرق الأوسط الكبير..!).‏

الديمقراطية هذه عندهم تتجلى أروع صورها فيما يجري في العراق وفلسطين وأفغانستان، في غوانتانامو وأبو غريب والسجون الطائرة، وشواطئ غزة ورمال جباليا وهربيا وسفوح رام الله ونابلس وأوابد الخليل والقدس. الموت للجميع سواء. كل الناس في هذه الديار يمكنهم أن يموتوا بمساواة تامة.. عادلة وشاملة..!‏

وإن اختلفت أساليب الموت وأدواته بدءاً بالرصاصة حتى القنبلة المحشوة باليورانيوم المنضب. بدءاً بالقتل.. انتهاء بالتجويع… من الطفل حتى إلى الرجل.. من الفتاة إلى المرأة.. من الإنسان العادي بائع البسطة حتى رئيس السلطة بالتسميم.. ألم يقل شاعر منا: (تنوعت الأسباب والموت واحد..!؟).‏

المهم في هذه الديمقراطية المثالية أن صندوق الاقتراع هو حفرة القبر حيث يتساوى الجميع تحت التراب كأسنان المشط..!‏

أما أولئك الذين لم يواتهم الحظ حين ذهبت أشلاؤهم بدداً في أرجاء الفضاء ولم يخطوا، بطبيعة الحال (بمتعة) الدفن فلهم الله العلي القدير.‏

أما عن الإبادة الجماعية ففي حين تؤمن أمتنا بأن من قتل نفساً مؤمنة بالله وبحقها في الحياة تجنياً وعدواناً فكأنما قتل الناس جميعاً يؤمن أولئك بأن القتل الجماعي هو الحل الأمثل للمسألة (الديمغرافية)، ونجاح مشروع الترحيل (الترانسفير) لكي تخلو لهم الأرض من أصحابها، تطبيقاً لنظرية (الفوضى البنّاءة) الأمريكية –الإسرائيلية، ولمبدأ مكيافيلي (الغاية تبرر الوسيلة). والإبادة هنا لا تعني القتل وحده بالاغتيال والقصف بل تدمير وسائل الحياة والعيش من مزارع وبساتين ومصادر مياه وسائر أوجه النشاط البشري، وخلق ظروف تستحيل معها الحياة الإنسانية في هذا العصر.‏

الغاية المنشودة من كل ما يجري الآن هي أن يفضي الحصار والقتل والترويع والتجويع إلى وضع الفلسطينيين أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما: إما الموت تحت وابل القصف والتدمير إضافة إلى الحصار والتجويع والترويع، وكلها ممارسات إجرامية إرهابية بامتياز تجري في ظل صمت شبه عالمي، مطبق ومريب، وإما الرحيل عن البلاد بحثاً عن ملجأ وملاذ. وقد تذهب إلى القول بأن ما يجري في العراق على أيدي الأمريكيين والإسرائيليين (ومن معهم في الداخل ودول أوربية)ليس إلا أحد جوانب وبنود المخطط نفسه بقصد صرف الأنظار إلى مايجري هناك عما يجري في الأرض المحتلة. أمريكا وإسرائيل تعملان معاً بتنسيق تام هنا وهناك لتحقيق هذا الهدف، وربما بقيادة واحدة هي من يطلقون على أنفسهم تسمية (المحافظون الجدد) إياهم. وهم –كما بات معروفاً للجميع- إسرائيليون ويهود أمريكيون يدينون جميعاً بالولاء لإسرائيل دون أي جهة أخرى، وهمهم الأكبر (أولاً): “المحافظة على (إسرائيل قوية) مرهوبة الجانب مؤثرة في مجريات الأحداث وربما مسيِّرة وموجهة لها في منطقة ما أسموه هم أيضاً بالشرق الأوسط الكبير إغفالاً، بل محواً لهوية شعوبها الضاربة في القدم، قدم التاريخ. و(ثانياً) : حماية أمن إسرائيل ومستقبلها على حساب شعوب المنطقة بإثارة الحروب ونشر الفوضى والدمار في أرجائها مما يمكن إسرائيل العيش على أنقاضها. الأنموذج العراقي ماثل للعيان. وما الموقف المتعنِّت، الاتِّهامي المغرض نحو إيران، والدأب على تحريض المجتمع الدولي لتبرير العدوان المبيَّت عليها إلا من أجل هذه الغاية نفسها.‏

غير أن مخططاتهم وما تهدف إليه شيء وإمكان تنفيذها على أرض الواقع شيء آخر. وهاهي بوادر فشلها، بعد انكشافها أمام العالم آخذة في الظهور يوماً بعد يوم. والفلسطينيون صامدون مرابطون لن يبرحوا أرضهم أياً كانت الظروف بعد كل تضحياتهم التي قلما تعرض لمثلها شعب من شعوب الأرض. كما أن وعي شعوب المنطقة سوف يحبط هذه المخططات. أما الرأي العام العالمي فقد بدأ يعي مدى التضليل والنفاق والكذب في الجانب الأمريكي-الإسرائيلي- البريطاني الأمر الذي سوف يفضي مستقبلاً إلى الانتفاض على هؤلاء إنقاذاً للعالم من احتمالات دماره لو قيض لهم البقاء في مواقعهم وبالتالي تنفيذ مخططاتهم التلمودية الإجرامية التي لن ينجو أحد من عواقبها لو أتيح لها أن تتحقق.‏
 
* جريدة الاسبوع الأدبي العدد 1038 تاريخ 13/1/2007

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

48 شهيدا و142 جريحا في غزة خلال 24 ساعة

48 شهيدا و142 جريحا في غزة خلال 24 ساعة

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الثلاثاء، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 48 شهيدا، و142 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...