الأحد 11/مايو/2025

هل هناك طبخة سرية خلف جولة رايس في المنطقة..؟!

عماد عفانة

لم يقصر السياسيون وقادة وممثلي مختلف القوى والفصائل وحتى المحللون والكتاب والصحفيون في إبراز الرفض الفلسطيني لجولة رايس الصامتة ومحاولاتها الفاشلة في تسويق الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة. كما لم يقصروا في الإشادة برفض الرئيس عباس لهذا العرض الأمريكي المفلس.

غير انه وبنظرة فاحصة يمكن قراءة أسباب ونتائج أخرى لجولة رايس لمنطقة الشرق الأوسط غير تلك التي أبرزتها وسائل الإعلام.

فكوندا رايس لا بد كانت تعلم وقبل قدومها إلى منطقة الشرق الأوسط برفض الرئيس محمود عباس لما كانت ستطرحه من دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، الامر الذي عبر عنه الرئيس عباس في كلمته التي ألقاها في مهرجان انطلاقة حركة في رام الله.

فلماذا أصرت رايس على عرض الفكرة رغم علمها بالرفض الفلسطيني لها.!!

واذا كان القرار الفلسطيني هو الفيصل في قبول أو رفض أي أفكار أمريكية تعرض لحل القضية الفلسطينية، فلماذا توجهت رايس إذا إلى الأردن ثم عادت لمقابلة اولمرت.!

وهل كانت رايس تنضج طبخة سياسية وأمنية أخرى غير تلك التي عرضتها على الرئيس عباس!! وهل ما عرضته على الرئيس عباس كان مجرد طحن للهواء بغرض التعمية والتمويه على الطبخة السرية الأمنية التي جاءت من اجلها!!.

وهل لزيارتها لكل من السعودية والكويت اللتان تعتبران الممولان الرئيسيان للمشاريع الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط علاقة بإنضاج طبخة رايس السرية.!

هذه التساؤلات المشروعة يمكن الإجابة عليها من خلال العديد من الشواهد:

أولا: جولة رايس لم يكن الهدف منها الحصول على موافقة فلسطينية على دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، بقدر ما كانت من اجل الترويج لإستراتيجية بوش الجديدة، هذه الإستراتيجية التي تتقاطع مع الأهداف الإسرائيلية بخصوص القضية الفلسطينية، والتي ليس من أولوياتها البتة إقامة دولة فلسطينية ولو بحدود مؤقتة بقدر أولوياتها في تصفية القضية الفلسطينية عبر تأجيل وتسويف وترحيل أي حلول متعلقة بها، ففي علم السياسية لا شيء يدوم بقدر الشيء المؤقت.

عملا ان احد اهم محاور استراتجييه بوش الجديدة هي :

-إطالة امد المفاوضات السياسية الفلسطينية الإسرائيلية إلى حين إنضاج ظروف دولية مواتية لفرض حلول ترضي ربيبتها إسرائيل، وعليه فليس في وارد اسرائيل الموافقة اصلا على دولة فلسطينية ولو بحدود مؤقتة..

-استنساخ العنف الذي يجتاح العراق ونقله الى عدد من الساحات المجاورة في محاولة لتشتيت التركيز على المأزق الأمريكي في الساحة العراقية، عدا عن إجبار هذه الدول المهددة بنقل العنف الى ساحاتها مثل سوريا وايران، الى العمل بجدية على عدم التدخل في الساحة العراقية بما يؤجج العنف فيها.

وقد يقول قائل انه ليس لفلسطين ناقة ولا جمل فيما يجري في الساحة العراقية، فما جدوى تأجيج العنف في الساحة الفلسطينية، لذى نقول وكما أسلفنا ان المصالح الامريكية تتقاطع مع المصالح الاسرائيلية، هذه المصالح التي تقضي بالعمل على خنق حماس واسقاط حكومتها، هذا الهدف الذي يتقاطع مع مصالح جهات فلسطينية تسعى بقوة لاستعادة مناصبها ونفوذها السابق، عدا عن اشغال الفلسطينيين بصراعاتهم، عن مقاومة اسرائيل، فضلا عن امنية اسرائيل في تولي حكومة فلسطينية جديدة يشغل فيها ابطال التنسيق الامني السابق مواقع قيادية يتمكنوا من خلالها من قوى المقاومة ويكفي إسرائيل مؤونة شر القتال..

ثانيا: جولة رايس التي خصت بها المناطق الفلسطينية وإسرائيل جاءت بعد جولة من الفوضى الخلاقة التي قام بها أزلام أمريكا في الساحة الفلسطينية، هذه الفوضى التي نجح ازلام أمريكا من خلالها في إثبات قوتهم وقدرتهم على إرباك الساحة الفلسطينية وفي خلخلة الأرض من تحت إقدام الحكومة الفلسطينية التي بات إسقاطها على سلم أولويات الإدارة الأمريكية، وعليه فجولة رايس وطبختها السرية كان من أهم أهدافها ان تشد على أيدي أزلامها في الساحة الفلسطينية، وان تؤكد على استمرار فصول الفوضى الأمريكية الخلاقة لإسقاط الحكومة وخنق حركة حماس، لذى شملت جولة رايس الاردن من اجل تأمين مزيد من الدعم والإسناد السياسي والمعنوي وستستهدف زيارتها لكل من السعودية والكويت من اجل تأمين مزيد من الدعم المادي لأزلامها عدا عن وعد بوش بتقديم أكثر من 80 مليون دولار لتقوية الرئيس عباس وأجهزته الأمنية، ليس لمحاربة إسرائيل بالطبع وإنما لمحاربة حماس.

ولنا ان نتوقع أن تفتح العديد من الدول العربية أبوابها لعدد لا يحصى من البعثات الأمنية والعسكرية الفلسطينية بغرض التدريب وتلقي الدعم والإسناد، وهو الأمر الذي صرح به للجزيرة عقب لقاء عباس رايس القائد الجديد غير المعلن لهذه الأجهزة. 

ثالثا: كما يبدو ان من أهداف جولة رايس العمل على تلميع الرئيس عباس وإعادة البريق السياسي له كزعيم وطني من خلال رفضه لعروض أمريكية، خصوصا بعد ما علق به من أدران الصراع مع حماس وما وجه له من اتهامات بالمشاركة في حصار الحكومة ومحاولة إسقاطها وفي تورط المقربين منه في حملة الفوضى الخلاقة التي اجتاحت الساحة الفلسطينية خصوصا ساحة الضفة الغربية التي لمسلحي فتح سيطرة تامة عليها، واتهامات حماس بانطلاق مجموعات التخريب والفوضى من مقر المقاطعة في رام الله.

رابعا: وبناء على ما تقدم وليس من باب التفاؤل او التشاؤم لنا ان نتوقع ما يلي:

اولا:فشل جولة الحوارات الجارية الآن بين فتح وحماس في الداخل والخارج لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وان لا تعدو كونها فرصة لالتقاط الأنفاس وتنظيم الصفوف وحشد الطاقات استعداد لجولة أخرى من المواجهات الميدانية.

ثانيا: أن تستأنف حملة الفوضى الخلاقة في الساحة الفلسطينية بشكل أكثر عنفا وتنظيما، وان تأخذ اشكالا اخرى اشد خطور وتنسيقا.

ثالثا: التجنب الإسرائيلي التام للتدخل في الصراع الفلسطيني الفلسطيني، وتجنب القيام بأعمال عسكرية لافتة في الضفة وغزة كي لا تحرف بوصلة الصراع الداخلي باتجاهها، الأمر الذي تعززه أقوال ديسكن في اجتماع الحكومة الإسرائيلية الأخير بعدم وجود أي نية إسرائيلية للقيام بعمل عسكري ضد قطاع غزة –عكس ما يشع إعلاميا- وإشادته بالدور المصري في ضبط الحدود والحد من عمليات تهريب السلاح للقطاع.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات