الجمعة 05/يوليو/2024

العام الجديد.. سحب داكنة في الأفق

العام الجديد.. سحب داكنة في الأفق

صحيفة الشرق الأوسط

لا يبشرنا استهلال عام 2007 بخير، والسحب الداكنة التي تتجمع في أفقه تباعاً هذه الأيام والألاعيب التي تمارس على مسرح السياسة في المنطقة، خير دليل على أن القادم لا يبعث على الاطمئنان، ويستوجب درجة عالية من اليقظة والحذر.

خذ مثلاً زيارة السيدة رايس وزيرة الخارجية الأمريكية للمنطقة، وكلامها عن «تنشيط عملية السلام» والعودة إلى التلويح بحكاية الدولتين المتجاورتين، الفلسطينية والإسرائيلية، ذلك أن أي مبتدئ في علم السياسة، أو حتى قارئ للصحف اليومية يصعب عليه أن يبتلع الكلام، ولا بد أن يتشكك في صدقيته لأول وهلة. فنحن لا نعلم أن القضية الفلسطينية لا تحتل أية أولوية في اهتمام الإدارة الأمريكية، التي لا يهمها ولا يعنيها أن تقام الدولة الفلسطينية إلا إذا كان في ذلك مصلحة إسرائيلية، و”إسرائيل” تعمل جاهدة على الأرض لكي لا تقوم لتلك الدولة قائمة، وإن لم تمانع في إقامة هياكل كاريكاتورية عاجزة تعلق عليها لافتة الدولة.

وفضلا عن أن “إسرائيل” لا تريد طرح ملف الدولة، فإن توازنات المنطقة لا تضطرها إلى ذلك، إذ إنها لا تواجه ضغوطاً من أي نوع تدفعها إلى تبني ذلك الخيار، ثم إن محيطها العربي «مرتاح» إلى الوضع الراهن، ومتجاوب معه إلى حد كبير، و«أصدقاؤها» في ذلك المحيط لم يعربوا عن استنكارهم للوضع الراهن أو استيائهم إزاءه، وما برحوا يفتحون أذرعهم مرحبين بالقادة الإسرائيليين في عواصمهم، بل إن هؤلاء القادة أصبحوا يسمعون مدائح من بعض القادة العرب، لا يكادون يسمعونها في بلادهم، والإطراء الذي سمعه إيهود أولمرت في إحدى العواصم العربية التي زارها أخيراً، خير دليل على ذلك. إذ في حين أشارت استطلاعات الرأي إلى تدهور سمعته السياسية وندد أقرانه بفشله، ورغم أنه عين في وزارته السيد ليبرمان الذي يكن درجة عالية من الاحتقار للعرب والعداء للفلسطينيين، رغم ذلك فقد امتدحه أحد القادة العرب، وقال إنه طيب ومخلص وابن حلال وجدير بالثقة والاحترام!

ولماذا نذهب إلى المحيط العربي، ونحن نجد نفس الظاهرة في الدائرة الفلسطينية ذاتها، ذلك أن جناح «السلطة» لم يعد مشغولاً لا بالدولة ولا بمصير القضية، وإنما شاغله الأول هو كيف يمكن إقصاء الحكومة التي شكلتها حماس وإفشالها، ومن يتابع الصور المنشورة عن لقاءات أبو مازن رئيس السلطة، لا تفوته ملاحظة أنه يظهر صارماً ومتجهماً في كل لقاء يعقده مع رئيس الوزراء إسماعيل هنية، في حين تراه دائماً فرحاً ومنشرحاً ومتهللاً حين يصافح السيدة كوندوليزا رايس أو يعانق رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وقد قرأنا أخيراً أنه تحدث عن صعوبة اجتماعه مع هنية في عمان، في حين إن الأمر من جانبه سهل للغاية ومرحب به دائماً إذا كان المطروح هو اجتماعه مع أي مبعوث إسرائيلي أو أمريكي.

إذا كان «الهوى» الفلسطيني على هذا النحو، فهل يصدق عاقل أن يكون الوقت الراهن هو المناسب لتنشيط عملية السلام، والإعداد لإقامة الدولة الفلسطينية؟

إذا كانت الإجابة بالنفي، وأحسبها كذلك، فلماذا بدأت السيدة رايس جولتها في المنطقة بزيارة تل أبيب ورام الله؟ – روي أن للزيارة هدفاً أساسياً، هو تخدير العالم العربي وإيهامه بأن واشنطن جادة في إيجاد حل للصراع العربي – الإسرائيلي، وهي التي تدرك أن قضية فلسطين هي مفتاح حل مشاكل المنطقة، وهذا التخدير مطلوب لإجراء جراحة أخرى في العراق الذي يشكل ملفه الهم الملح والعنصر الضاغط على السياسة الأمريكية في الوقت الراهن، بعدما تدهورت الأوضاع الأمنية في بغداد، وأدت إلى تدهور الوضع السياسي للرئيس بوش وبطانته.

واشنطن مشغولة بورطتها في العراق، ولم يعد الملف الفلسطيني ضمن أولوياتها، وغاية ما تريده من ذلك الملف أن يستخدم لصالح إخراجها من ورطتها. وهي أكثر من يدرك أن 2007 هو عام حسم مستقبل وجودها في العراق، ومستقبل المشروع النووي الإيراني، والأول مطلب أمريكي ملح، والثاني مطلب إسرائيلي بامتياز، الشرط الأساسي لتحقيق هذين الهدفين هو تسكين المنطقة بوسائل عدة، من خلال توزيع مختلف أنواع المهدئات والمخدرات السياسية، التي تحمل أسماء من قبيل «خريطة الطريق» وتنشيط عملية «السلام» وإقامة الدولة الفلسطينية.. إلخ.

من بوابة فلسطين، ستدلف السيدة رايس إلى موضوع العراق، والإشارات القادمة من واشنطن تدل على أنها تريد من الدول العربية عدة أمور، فالدول النفطية مطلوب منها أن «تسهم» في تغطية ما يعجز الرئيس الأمريكي عن تمريره من نفقات لتمويل حملته في العراق، من الكونجرس ذي الأغلبية الديمقراطية، والدول غير النفطية سوف يقترح عليها أن تسهم في إرسال قوات إلى العراق تحت أي مظلة، إذا ما تطلب الأمر ذلك، خصوصاً أنها تتجه الآن إلى تصعيد حملتها العسكرية هناك، لتخوض حربين وليس حرباً واحدة. الأولى ضد الميلشيات ومن تسميهم «الإرهابيين»، والثانية ضد الحضور والنفوذ الإيراني المتصاعدين داخل العراق. وهذا النفوذ لا تتمثل خطورته فقط فيما يحققه من توسع لصالح إيران، ولكنه أيضاً يهدد الوجود الأمريكي ذاته، وهذا التهديد يفترض أن يصبح أشد خطورة في حالة ما إذا جرت محاولة إجهاض المشروع النووي الإيراني، من خلال عمل عسكري، وهذا العمل حتى إذا كان إسرائيلياً، فإنه لن يتم دون مشاركة أو موافقة أمريكية.

إزاء ذلك الاحتمال، فالمطلوب أمريكياً الآن تفجير الصراع السني – الشيعي، وإذكاء هذه العملية بكل السبل، بحيث يهيأ المناخ المناسب لطرح فكرة الهلال السني في مواجهة الهلال الشيعي، وذلك يستدعي احتشاد الدول السنية «المعتدلة» في المنطقة للقيام بهذا الدور، وقد رشحت بعض الدول العربية بقيادة ذلك الهلال السني، وهناك حديث متواتر عن ضم تركيا إلى ذلك الحشد، باعتبارها دولة سنية (أخيراً تذكروا أنها سنية!) – لكن أغرب ما في هذا السيناريو أن “إسرائيل” مرشحة بقوة للانضمام إلى المعسكر السني المفترض. وكان الإسرائيليون قد لمحوا إلى ذلك أثناء محاولتهم اجتياح لبنان في الصيف الماضي، حين قالوا إن العملية التي قاموا بها هناك تلقى رضاً وتأييداً من بعض الدول العربية، الأمر الذي دفع عدداً من المحللين العسكريين في الدولة العبرية إلى الحديث صراحة عن أهمية إقامة تحالف بين “إسرائيل” وتلك الدول العربية، لمواجهة مستويين من الخطر، أولهما الخطر الإيراني، والثاني خطر الأصولية الصاعدة في المنطقة.

لكي تضغط من أجل تمرير السيناريو، فإن واشنطن حاولت ابتزاز الدول العربية من خلال التلويح بأن الهزيمة الأمريكية في العراق – إذا تحققت – فإنها ستعد هزيمة للدول العربية «المعتدلة»، لأنها ستفتح الباب واسعاً لتنامي الخطرين الإيراني الشيعي، والأصولي المتطرف، والمطلوب في هذه الحالة أن يتوازى التصعيد العسكري في العراق، مع تصعيد آخر في المواجهة بين السنة والشيعة. الأمر الذي يعني أننا بصدد موسم قادم للحرائق. قد لا يفوز فيه الأمريكيون، ولكن “إسرائيل” هي الفائز الأكبر لا ريب، والعرب هم الخاسرون في كل الأحوال، إلا إذا حدثت مفاجأة ليست في الحسبان.

ما يثير الانتباه في هذا الصدد، أنه في الوقت الذي نرشح فيه المنطقة لتكون مسرحاً لحرائق كبرى، فإن بعض الأقطار العربية تشهد تصعيداً موازياً في معادلات الصراع الداخلي، فالصراع الحاصل في لبنان لا يخفي أمره على أحد، فضلاً عن أن له خلفيات وخيوطاً موصولة بسيناريو الحرائق الكبرى، والصراع في فلسطين بين فتح وحماس سينطبق عليه نفس الكلام. وفي مصر صراع متصاعد بين السلطة من ناحية وبين حركة الإخوان المسلمين من ناحية وبين السلطة، وبين قوى المعارضة السياسية من جهة أخرى بسبب التعديلات المقترحة لدستور البلاد. وفي السودان صراع لا يراد له أن يهدأ، سواء في دارفور أو حتى مع شركاء الحكومة في الجنوب. وفي تونس، صراع بين السلطة ومعارضيها، الذي وجدناه يتراوح بين القمع السياسي وبين الاشتباك المسلح.

وإذا يمَّمنا البصر إلى أبعد نحو الجنوب، فسنجد أن الصومال بصدد الدخول في جولة أخرى من حلقات الصراع الداخلي المستمر منذ 15 عاماً، وذلك بعد اجتياح القوات الأثيوبية له. وإسقاط نظام المحاكم الإسلامية، وتوقع لجوء قوات المحاكم إلى حرب للعصابات، بدأت مقدماتها بالفعل، المدهش في ذلك الصراع أن الغزو الإثيوبي تم بناء على ترتيب وغطاء أمريكيين، ووسط سكوت مستغرب من جانب العالم العربي والإسلامي. رغم أن الصومال عضو في الجامعة العربية. كما أنها تشكل إحدى بوابات ومنافذ الإسلام إلى أفريقيا، وإخضاع ذلك البلد للنفوذ الأثيوبي – الأمريكي، وربما الكيني أيضاً، يعني سحب هويته ومحاولة قهر انتمائه العربي والإسلامي، بقدر ما يعني تحويله إلى بؤرة للغضب مرشحة للانفجار في أي وقت.

هذه بعض المؤشرات التي ظهرت في الشهر الأول من العام، فما بالك بأحد عشر شهراً أخرى قادمة؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

١١ عملاً مقاوماً في الضفة خلال 24 ساعة

١١ عملاً مقاوماً في الضفة خلال 24 ساعة

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام سجل مركز معلومات فلسطين "معطى" 11 عملاً مقاوماً، توزعت بين اشتباكين مسلحين، وتفجير عبوة ناسفة، واندلاع مواجهات...