الأحد 11/مايو/2025

بعد انطلاقة فتح.. حماس: ماذا كانوا يريدون من انطلاقتها؟؟

نور الدين النابلسي

مع انقضاء السابع من يناير الماضي مرت آخر الاحتفالات الجماهيرية بذكرى انطلاقة فتح ال 42 بهدوء و دون أي تنغيص يذكر على مسيرها بالمجمل، وقد اختار كاتب هذه السطور مراقبة هذه الاحتفالات أولاً لينتقل بعدها إلى التعليق على ما واجه حماس في ذكرى انطلاقتها الفائتة و التي لم يمض على انقضائها شهر من الزمان.

فما إن بدأت حماس بالحشد الشعبي الجماهيري السلمي للاحتفال بانطلاقتها حتى انطلقت الاستهدافات التوتيرية ضد هذه الجموع إن من حرس الرئاسة في رام الله أو من بعض البنادق المارقة في نابلس.

هذه الاستهدافات و إن تقنعت بغطاء الفلتان العفوي و التوتر الميداني اللحظي كانت بعيدة كل البعد عن الصدفية أو العفوية، ولكنها انتقلت لتشكل استهدافاً سياسياً في لحظة تكتيكية محددة بغاية واحدة و هي محاولة حرمان حماس من حاضنتها الجماهيرية ومن مظاهر الالتفاف الشعبي حول خياراتها السياسية الوطنية و الداخلية.

كل ذلك لم يأت وليد اللحظة،لأن الفلسفة القانونية و السياسية التي تقوم عليها أركان الأزمة الوطنية الحالية و جذور التوتر السياسي تتمفصل حول مكون واحد -و لربما للمرة الأولى منذ سنوات- هو مفهوم التمثيل الحقيقي للرغبة و الإرادة الشعبية، فقوة وجود حماس في الحكم تكمن في تمتعها بغالبية انتخابية ساحقة، في المقابل فإن جوهر قرار السيد أبو مازن بالانتخابات المبكرة أيضاً يتمحور بعيداً عن أي مسوغ قانوني باللجوء إلى الإرادة الشعبية.

إذن فالضعف السياسي لمشروع حماس لا يتم إلا بسلخها عن دائرتها الشعبية التي منحتها الشرعية بالأساس،ومن جهة أخرى تقوي زيادة التفضيل الشعبي الخيار السياسي للسيد أبو مازن حتى لو لم يتم تفضيله قانونياً أو دستورياً. ومن هنا كان لزاماً حرمان حماس من اللجوء إلى جماهيرها وقمع من حضر منهم، والترويج لفكرة أن ما تقوم عليه كتلة التغيير و الإصلاح الآن من غالبية برلمانية عبر أصوات ناخبيها لم يعد له وجود بدليل غياب أي مظاهر للالتفاف الشعبي حول هذا البرنامج و المشروع.

وفي الجهة الأخرى و تراكماً على الفهم السابق ،و بعد محاولة تفويت الفرصة على حماس باللجوء إلى جماهيرها ، جاءت الخطوة التالية بلجوء فتح إلى الحشد الجماهيري في ذكرى انطلاقتها، متجاوزة الضعف و الهرم و الهزال التنظيمي الذي تعاني منه و لا يختلف عليه اثنان عبر تكريس لغة ( أنا و أخوي على ابن عمي..)، بمعنى أن الآن ليس أوان الحديث في ذكرى فتح عن ضرورة التخلص من الفاسدين،ولا التجديد الديموقراطي في فتح،بل و شطب أحد أهم مقررات اللجنة المركزية بعقد المؤتمر الحركي من الخطاب ( السياسي- اللاسياسي كما أراده السيد دحلان) في ذكرى الانطلاقة.

استطراداً على هذا الخطاب الذي شكل الرافعة الأخيرة لاستثمار ما سبق ذكره من قمع رسمي و فلتاني لجماهير حماس، وحشد تحريضي لجماهير فتح ،فقد أظهر السيد دحلان ( عراب خطاب فتح في ذكرى انطلاقتها) سطحية لا تصدق في قولبة و تشكيل خطاب فتح ال 42…. أيعقل أن فتح بعد  42 عاماً لم تعد تمتلك خطاباً سياسياً _مهما اختلفنا مع مضامينه-؟؟ أيعقل أن فتح بعد تجريبها الطويل بما أصابت و بما أخطأت ليس لديها رؤية إقليمية أو دولية للصراع اللهم إلا الوعيد بلغة الصاعات( تفسير الصاعات : جمع صاع ، صاعين..الخ) داخلياً؟؟

إن خلو خطاب السيد دحلان- والذي لا زلت أثق بأنه بعيد عن خطاب الكثيرين من أبناء فتح- من أية رؤيا استراتيجية أو تكتيكية يدفع للاستنتاج بأنه كحامل لبرنامج انتخب على أساسه للمجلس التشريعي يضع أجندة الصراع الداخلي بنداً وحيداً على أجندته دون أي التفات لأهم استحضارات القضية الوطنية المتمثلة بالاحتلال وما يرتبط بها من قياسات إقليمية و دولية و قبل كل ما سبق أدوات ووسائل التوافق الوطني الداخلي.

إن خلاصة دور الشارع الفلسطيني صاحب المشروع الوطني وحامل الهم الأول و قياساً إلى فهمنا لحساسية دوره، خلاصة هذا الدور أن يلعب المركز الفصل و أن يقول الكلمة الحسم ، لا عبر انجراره في طحن أهلي ولا عبر التعبئة الدموية، ولكن و بكل وضوح عبر الكف على الأيدي المنفلتة و الانحياز الشعبي و المجتمعي و الوطني للخيار الأصلح الذي يحفظ له الثوابت و يخرج به إلى حالة اتحاد وطني تسير على سكتي حكومة وحدة وطنية للسلطة و منظمة تحرير مستعادة حيوية على أسس وثيقة الوفاق الوطني.

انطلاقة حماس ال 19 قد مرت سراعاً يدفعها إلى ذلك هراوات حرس -17 في رام الله و رصاص منفلت في نابلس، ووراءها أو قبلها فلا فرق، مرت انطلاقة فتح ال 42 سراعاً أيضاً يدفعها هذه المرة صوت فيه ما ينذر بكثير من الهراوات والرصاص ، فعسى رحمة الله أسبق.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات