المطلوب تثبيت المطالب من حماس
لحركة حماس خصوم سياسيون وأعداء خارجيون ،وهناك من يقدم لها النصح من حملة الأقلام أو من فعاليات فكرية أو اقتصادية أو شعبية بغض النظر عن صدق النوايا من عدمه،ولوحظ أن حماس تتفاعل بوتيرة قوية أو ضعيفة أو مترددة مع ما يقدم لها من نصائح أو ما يعرض عليها من أفكار وخطط وبرامج،وبعد أن فازت حماس في الانتخابات التشريعية قبل عام وشكلت الحكومة الفلسطينية الحالية زادت النصائح والأفكار والضغوط بطبيعة الحال،لأن حماس لم تعد مجرد حركة سياسية لها أيديولوجيا ،بل باتت تشكل الرأس الثاني في النظام السياسي الفلسطيني.
إن ما تطلبه بعض القوى والجهات ذات التوجه السلفي أو القومي أو غير ذلك من حماس واضح تقريبا ويتلخص في البعد عن اللعبة السياسية برمتها واستئناف الأنشطة العسكرية وبقوة ضد إسرائيل والتمسك بجوهر الشعارات التي رفعتها الحركة منذ تأسيسها ،والإصرار على القتال حتى النصر والتحرير مهما كلف الثمن وبلغت التضحيات دون أي مرونة أو حتى تهدئة أو هدنة طالت أو قصرت،والبعض يطلب علنا من حماس وضع بعض الجهات الفلسطينية مع إسرائيل في ذات المربع المعادي.
هذه قوى ليست مؤثرة كثيرا ولكنها تميزت بوضوح الموقف وثباته وطرحت بلا تردد وباستمرار “ما يتوجب” على حماس أن تفعله؛لكن الرأس الثاني في النظام السياسي الفلسطيني ممثلا بحركة فتح ومؤسسة الرئاسة ومعهما اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والذين يشكلون عاملا هاما في استقرار الأوضاع الداخلية الفلسطينية ويمكنهم مضايقة حماس أو مساعدتها لو أرادوا يمتازون بعدم الثبات في ما يطرحونه على حماس من أفكار أو إلى أي حد يريدون منها التنازل أو إبداء المرونة.
وصفوا خطاب حماس وفكرها “بالانغلاق واللاواقعية” وانتقدوا بشدة سلوك جناح حماس العسكري تجاه إسرائيل وتبنوا نظرية استغلال إسرائيل ومن خلفها أمريكا لتوجهات حماس وشعاراتها كي تتنصل من أي التزام نحو الفلسطينيين وتمعن في سياسة الرفض والتجاهل لقرارات الشرعية الدولية.
لقد انتقدوا حماس لعدم مشاركتها في عملية “بناء الوطن والمؤسسات” عبر اعتزالها للمشاركة في السلطة،ثم شاركت حماس في السلطة فجدت مطالب أخرى تتولد عنها قائمة مطالب كلما استجابت حماس أو وافقت كليا أو جزئيا على قائمة مطالب سابقة،وقد توافقت الفصائل على هدنة أو تهدئة والتزمت حماس بذلك بإقرار إسرائيل ،فجاء الرد على ذلك باتهام حماس بالتخلي عن المقاومة ورمي السلاح والتوجه نحو الكراسي و”عسل السلطة”، صحيح أن الرئيس محمود عباس لم يقل ذلك تصريحا ولا تلميحا لأن استراتيجيته واضحة بهذا الخصوص ، لكن هذا الكلام أو الاتهام يجري تداوله في مختلف الأوساط الفتحاوية ويردد قادة أو ناطقون باسم فتح أن حركة فتح هي التي تقاوم وتتصدى وحدها للاحتلال ،علما بأن التهدئة كانت بتوافق فلسطيني وبرعاية مصرية، وعندما أعلنت حماس أنها في حلٍّ من التهدئة ونفذت عملية “الوهم المتبدد” التي كان من نتائجها أسر الجندي جلعاد شاليط ،عادت الاتهامات لحماس بأنها تسببت في قيام إسرائيل بتنفيذ هجمات أدت إلى سقوط مئات من الضحايا وقطع الكهرباء وهدم المنازل،وكأنهم كانوا يتوقعون أن ترمي الطائرات الإسرائيلية الأزهار والورود على غزة بدل القنابل والصواريخ،وهم نفسهم الذين غمزوا من قناة حماس لتوقفها عن العمل العسكري فترة طويلة نسبيا!
وفي المجال السياسي يبدو الحال مشابها؛فحاليا هناك توافق بين جميع الفصائل الفلسطينية على إقامة دولة فلسطينية في حدود عام 67 خالية من المستوطنات متواصلة ذات سيادة وتشمل شرقي مدينة القدس كعاصمة،وخطاب حماس في هذا السياق واضح أكثر من أي وقت مضى، ولكن الاتهامات أو الانتقادات تظهر وبقوة،خاصة بعدما تردد عن أفكار أو وثيقة أوروبية-حمساوية حول هدنة لخمس سنوات مع انسحاب جزئي من الأراضي المحتلة،فقد بدأت تعلو أصوات مثل “أول الرقص حنجلة” وأن هذه البداية فقط وأن حماس قبلت بعد كل ما حل بالشعب الفلسطيني من دمار بما كانت تصر على رفضه و”تخوّن وتكفر” من يقبله من أطراف فلسطينية أخرى،وطبعا سارعت حماس إلى نفي وجود هكذا وثيقة وعلت أصوات شعارات رفض الاعتراف بإسرائيل وغير ذلك.
إن مقولة أي فصيل فلسطيني للآخر خاصة فيما يتعلق بحماس وفتح بأنه قبل أو تبنى رأي منافسه في نهاية المطاف سيؤدي حتما إلى غضب ذلك الفصيل وزيادة ملحوظة في “تعنته السياسي” وتنصله حتى مما تم التوافق عليه،لأن كل فصيل له برنامجه الخاص الذي يعتبره متميزا أو مستقلا عن الفصائل الأخرى ولكنه يقبل الحوار للتوصل إلى قواسم مشتركة ليكون الجميع قد حقق بعضا من رؤاه السياسية ،أما أن يقال بأن حماس تبنت برنامج فتح فهذه وصفة أكيدة لارتداد حماس إلى مربع ما كان يوصف بالخطاب العاطفي أو الغير واقعي والعكس صحيح أيضا،فلكل برنامجه وللجميع قواسم مشتركة متفق عليها تقريبا.
إن هذه الحالة من عدم الثبات في ماهية المطلوب من حماس كي تكون مع الجميع في قيادة السفينة أدت إلى حالة من التخبط والإرباك وزادت التوتر على الساحة الفلسطينية،وبعض الشخصيات المستقلة والمتابعين للوضع اتهموا من ينتقد مرونة حماس السياسية الملحوظة في الفترة الأخيرة بأنهم معنيون ببقاء حماس في خانة الرفض،ولعل تراكم الانتقادات وتناقض المطالب الموجهة من جهات من حركة فتح قد زاد من ريبة وشكوك حماس ودفع بها إلى توجيه الاتهامات وزادت من تصلبها ردا على هذه السياسة.
التفسير الجاهز للاثبات فيما يطلب من حماس وتناقض المطالب الذي لا يخفى على أحد هو أن الأمر طبيعي لأننا نتحدث عن حركتين كبيرتين(حماس وفتح) وكل منهما معنية بتسجيل النقاط على الأخرى والظهور أمام الجماهير بالأحرص على مصالح الشعب الفلسطيني؛حتى لو كان هذا التفسير صحيحا ودقيقا فمن المفترض أن هناك وثيقة وفاق وطني وقعت عليها حماس مثلما وقعت فتح والجبهتين والجهاد والمبادرة…فلا داعي للاستمرار في هذه السياسة مطلقا.
وإذا كان لا بد من مطالب موجهة من فتح ومؤسسة الرئاسة إلى حماس وإلى الحكومة التي تقودها فيفترض بل يتوجب أن تكون مطالب واضحة وثابتة،وليست متناقضة وتتكاثر بالانشطار أو الانقسام الخلوي مثلما هي منذ مدة؛ فهل مطلوب من حماس المشاركة في العملية السياسية أم لا؟وهل مطلوب منها الاستمرار في العمل العسكري أم التزام التهدئة؟وهل مطلوب منها الحوار مع الأوروبيين وغيرهم لتبادل الآراء أم الابتعاد بالمطلق عن هذه السياسة؟وما حدود المرونة المطلوبة من حماس؟ كل هذه الأسئلة وغيرها يجب أن تكون الإجابات عليها واضحة وأيضا ثابتة لا متغيرة ومتناقضة وخاضعة للمناكفات والمزايدات الفصائلية القائمة على التنافس.
وفي حال تم تثبيت المطالب فإن على حماس أن تعلن و”بثبات مرن” ما تقبله وما ترفضه وما تتحفظ عليه كي يمكنها مع منافسيها الانتقال بالمركب الفلسطيني إلى مرحلة جديدة،كي لا نظل في حالة “مكانك سر” بسبب اللاثبات في المطالب أو عدم الوضوح في الرد عليها.
* سري سمور- جنين – فلسطين
(عضو تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين)