الأحد 07/يوليو/2024

كيف نحل أزمات الشرق الأوسط في 48 ساعة؟

كيف نحل أزمات الشرق الأوسط في 48 ساعة؟

صحيفة الحياة اللندنية 12/1/2007

لنتصور، ولو للحظة، أن ملاكاً كريماً قادراً على أن يلوح بعصا سحرية فوق الشرق الأوسط، قد حل مكان رئيس عنيد مولع بالقتال في البيت الأبيض. ومكان مجلس أمن للأمم المتحدة عاجز، وأوروبا منقسمة على نفسها، ومكان حكومة إسرائيلية لا يتوقف أعضاؤها عن الشجار، ومكان عالم إسلامي غارق في الاضطراب، ولنتساءل، ما الذي يمكن أن يفعله هذا الملاك (ذكراً كان أم أنثى) على اعتبار أن الملائكة لا جنس لها !

قد يبدأ الملاك في لبنان، لأن أزمة هذا البلد، على رغم كل المظاهر، هي أسهل حلاً من سواها، إذ يبدو أن جوهر الأزمة هو في كون الطائفة الشيعية المتمركزة، في غالبيتها، في جنوب لبنان، وفي ضاحية بيروت الجنوبية، قد حرمت من حقها المشروع في المشاركة في سلطة الدولة. لقد أهملتها الحكومة المركزية، بعد أن حصل لبنان على استقلاله منذ ستين عاماً، وهمشتها، ولم تمنحها ما تستحقه من تمثيل في المؤسسات الرسمية، وهي اليوم تطالب باسترداد حقوقها المشروعة .

إن التمييز الذي عانى منه الشيعة يبرز اليوم بشكل أوضح بعد أن أصبحوا يشكلون أكبر طائفة في لبنان، وبعد أن نجحوا، فعلياً، ووحدهم، في الدفاع عن لبنان، ضد الهجمات والاختراقات الإسرائيلية المتكررة منذ عام 1970 وحتى الآن. لقد بقي جنوب لبنان الميدان الرئيسي، في كل المواجهات العربية – الإسرائيلية، وكان الشيعة هم ضحايا الاختراقين الإسرائيليين للبنان في عامي 1978 و1982 كما كانوا الضحايا خلال الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان الذي دام 22 سنة، والهدف الرئيسي لحرب إسرائيل على «حزب الله» في الصيف المنصرم .

إن الميثاق الوطني اللبناني لعام 1943 – وهو الاتفاق الذي حدد اقتسام السلطة بين الموارنة والسنة، والذي تم تعديله في الطائف عام 1989 – لم يعد يعكس الحقائق والوقائع الديموغرافية والسياسية في لبنان، حالياً، والمطلوب هو ميثاق جديد يوفر تمثيلاً أفضل لكل الطوائف في مؤسسات لبنان الرسمية .

يتوجب على لبنان، نظرياً، أن يقرر إلغاء النظام الطائفي كلية، لأنه كان سبب الكثير من النزاعات، ليحل مكانه نموذج جديد يقوم على «المواطنة العلمانية» التي تجيز لأي لبناني – ذكراً كان أم أنثى، مسيحياً كان أم مسلماً – أن يصل إلى أرفع مركز وموقع في السلطة .

وكان الرئيس السابق أمين الجميل قد اقترح في كانون الثاني (يناير) عام 1986 أن يتم إنشاء منصب نائب لرئيس الجمهورية مخصص للشيعة، ولكن لم يؤخذ باقتراحه، واليوم هناك حاجة ماسة لإجراء إصلاح أكثر راديكالية، لتجاوز النزاعات الأيديولوجية العقيمة التي تمزق لبنان حالياً .

ولا يجوز أن ينظر إلى هذا الإصلاح المنشود على أنه تهديد للطوائف اللبنانية الأخرى، ولا على أنه يستهدف مصالح القوى الخارجية، بل على العكس تماماً، إذ إن تكريس الوحدة الوطنية اللبنانية هو إسهام كبير ورئيسي في تحقيق الاستقرار في المنطقة بأسرها .

وسيحتاج الملاك، بعصاه السحرية، أن يركز اهتمامه على علاج العلاقات اللبنانية السورية التي تعرضت، في السنتين الأخيرتين، إلى التخريب والعطب، إذ لا يمكن التفكير في الفصل الدائم بين دمشق وبيروت، ذلك إن البلدين، «المنحوتين من ذات الجسد» لا غنى لأحدهما عن الآخر: هناك، وعبر الحدود المشتركة، روابط ووشائج، عائلية وإنسانية وتجارية، كثيفة وعميقة بحيث يستحيل إجراء الطلاق بين البلدين. ولكن لا بد من إصلاح الأخطاء المرتكبة، للتغلب على العداء المستحكم بين البلدين، ولا بد من معاقبة المسؤولين عن الجرائم والتجاوزات في البلدين، وعلى سورية أن تعترف بسيادة لبنان واستقلاله، وعلى لبنان أن يعترف بمصالح سورية الاستراتيجية القائمة على رفض وجود قوى معادية في بيروت، ترى فيها دمشق تهديداً لأمنها القومي .

وقد ينصح الملاك، على الأغلب، أن يجتمع المسؤولون الكبار في البلدين – على مستوى وزاري رفيع – وفي أقرب وقت، وفي بلد محايد مثل سويسرا، لوضع نهاية رسمية لخلافاتهما، وللتوصل إلى صيغة للتعايش المستقبلي. ولابد من إقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين على أساس الحوار، لا الإكراه والقسر، ولا بد من تبادل السفراء بين بيروت ودمشق .

التاريخ والجغرافيا يمليان علينا الإقرار بأن سورية ولبنان مرتبطان «بعلاقة خاصة» استثنائية في المنطقة، والمطلب العاجل والملح هو إقامة العلاقات بينهما على أسس صحية .

*      *

إن تسوية الصراع بين “إسرائيل” والفلسطينيين وسورية قد يتطلب ليس وسيطاً استثنائياً خارقاً واحداً، وإنما مجموعة من الملائكة. المعضلة الحقيقية أن “إسرائيل” كانت عاجزة، حتى الآن، عن تشكيل حكومة، راغبة وقادرة على فعل ما هو ضروري ولازم – أي الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس العربية، وفك المستوطنات، والنزول من هضبة الجولان. على كل، لا يجوز أن تقطع الآمال نهائياً حول هذا الموضوع .

لقد حث الكثير من الإسرائيليين حكومة أولمرت على الاستجابة لنداء سورية المتكرر لإجراء مفاوضات السلام، وبدأ بعض المسؤولين الإسرائيليين يتحدثون عن مشروع السلام العربي الذي أطلق في آذار (مارس) عام 2002، والذي يعد “إسرائيل” بعلاقات طبيعية مع 22 دولة عربية إذا وافقت على الانسحاب إلى حدود 1967، وهذا معناه أن السلام ليس حلماً مستحيلاً .

وكان إيهود باراك، رئيس وزراء “إسرائيل” السابق، قد اقترب كثيراً من التوقيع على صفقة مع سورية عام 2000، وها هو قد عاد اليوم إلى المسرح السياسي، وهو يحاول أن يحل مكان عمير بيريتس في وزارة الدفاع، بل حتى في قيادة حزب العمل الإسرائيلي .

لا يبدو أن باراك يتمتع بشعبية واسعة في “إسرائيل”، ولكن كان لديه متسع من الوقت للتأمل في أسباب إخفاقه في تحقيق تقدم في عملية السلام 1999 – 2000. لقد ضحى بفرصة سنحت له لتحقيق السلام مع سورية، من أجل الاحتفاظ بمائة متر في الزاوية الشمالية الشرقية من بحيرة طبرية. على أية حال، إذا حالفه الحظ مجدداً، فقد تتاح له فرصة جديدة الآن، وهذه المرة، إذا عرف كيف يكون شجاعاً وصاحب رؤيا، فقد يكون قائداً قادراً على أن يخرج “إسرائيل” من حفرتها السوداء .

*    *    *

أما في ما يتعلق بالرئيس جورج بوش، فتؤكد المصادر الموثوقة أن سلوكه يولد اليأس بين الملائكة، إذ إنه بدلاً من حل صراعات الشرق الأوسط، بتشجيع “إسرائيل” على أن تسعى إلى السلام مع جيرانها، وإشراك سورية وإيران في المفاوضات والحوار، يفعل العكس تماماً .

إن جماعة من المسؤولين الأميركيين يعملون في الظل، من وزارة الخارجية، ومجلس الأمن القومي، والبنتاغون، وجهاز المخابرات المركزية، يتآمرون لإحداث تغيير في النظام السوري، بتقديم المساعدات المالية السخية إلى جماعات من المعارضة السورية من جهة، ولخلق العراقيل أمام النظام المصرفي الإيراني، وأمام رغبة بعض الشركات الأجنبية في تطوير واستثمار حقول النفط في إيران، من جهة ثانية .

إن الحرب على العراق هي أكبر هموم بوش، ومن الواضح أنه ليس مستعداً، بعد، للاعتراف بالهزيمة، ولا لوضع حد لمغامرته الكارثية. وتشير كل الدلائل إلى أنه ما زال مصراً على متابعة ما يسميه «استراتيجية النصر» المفلسة، رافضاً أن يستمع إلى النصائح الحكيمة التي يقدمها له فريق بيكر – هاملتون، ومستمراً في عناده الذي يسبب لبلاده المزيد من الضحايا، والمزيد من المال الذي يهدر عبثاً .

ولكن حرب العراق ليست نهاية سوء طالع بوش. إنه يسعى، بتحفيز من بعض صقور المحافظين الجدد، من أمثال اليوت ابرامز وأعضاء في مجلس الأمن القومي، إلى زعزعة «حزب الله» في لبنان، أي إلى إكمال المهمة التي فشلت “إسرائيل” في تحقيقها في الصيف. لقد قامت الولايات المتحدة، بهدف تنفيذ هذه المهمة، بتسليح قوات الأمن الداخلي اللبنانية التابعة لحكومة السنيورة، وبالضغط على ميشال عون زعيم «التيار الوطني الحر»، كي ينهي تحالفه مع «حزب الله» .

ويبدو أن الولايات المتحدة مصممة أيضاً على سحق حركة المقاومة الفلسطينية «حماس»، وهي تقوم بتوفير الأسلحة والتدريب، ودفع عشرات الملايين من الدولارات إلى «فتح»، الموالية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والمنافسة لـ «حماس»، وقد دفعت الولايات المتحدة مصر وغيرها إلى التورط، وتزويد قوات «فتح» بعشرات الآلاف من البنادق، وملايين الطلقات، وكمية كبيرة من الذخائر العسكرية .

وهناك خطة أخرى يعدها اليوت ابرامز ويقوم بتنفيذها على الأرض دافيد وولش، وهو من كبار مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية .

ومثل هذه المخططات ستشعل نيران الحرب، عوضاً عن توفير السلام في منطقة تعاني من الاضطراب، فلا عجب إذا هز الملائكة رؤوسهم يأساً من جنون البشر، بل إن الأحاديث المتداولة تؤكد انهم قد يتخلون عن مهمتهم الاسعافية قرفا .

* كاتب بريطاني متخصص في قضايا الشرق الأوسط .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات