الأحد 07/يوليو/2024

مشروع الدولة الفلسطينية المؤقتة بين الرغبة الأميركية والخلافات الفلسطينية

مشروع الدولة الفلسطينية المؤقتة بين الرغبة الأميركية والخلافات الفلسطينية

صحيفة الحياة 12/1/2007

ها هي الإدارة الجمهورية بزعامة الرئيس جورج بوش تعلن أخيراً تبنيها لمشروع الدولة الفلسطينية المؤقتة، وذلك قبل نهاية ولايتها بعامين، مع العلم أن جوهر الموقف كان كذلك منذ أسس شارون بناءً على المشروع حزبه «كديما» الذي ورثه إيهود أولمرت. بل إن تأييد الأميركيين للمشروع تبدى في خريطة الطريق التي تبدو في جوهرها ترجمة عملية له، فيما جاء كتاب الضمانات المقدم من بوش لشارون، في نيسان (إبريل) 2000 ليؤكد ذلك أيضاً .

والحال أنه ليس ثمة في الأفق السياسي الإسرائيلي غير المشروع المذكور، الأمر الذي تأكد أكثر بعد الدعم الذي حصل عليه من قبل حزب العمل بزعامة بيرتس، فيما سيفقد حزب «كديما» مبرر وجوده في حال تنازل عن المشروع، مع العلم أن ضم اليميني المتطرف ليبرمان للائتلاف الحكومي الإسرائيلي ليس خروجاً عن النص، بقدر ما هو محاولة لتأكيد المضي في ذات المسار بدل الذهاب إلى انتخابات مبكرة يفرضها الوضع المتردي في الساحة السياسية الإسرائيلية .

الآن يجري المضي في المشروع بذات المفردات السياسية القديمة التي استخدمها شارون منذ عام 2000، أيام كان في المعارضة، يوم كان اسمه «الحل الانتقالي البعيد المدى»، وتفاصيله دولة مؤقتة على قطاع غزة وما يقرب من نصف الضفة الغربية أو ما يتركه الجدار الأمني منها. أما الحل النهائي فيمكن الحديث عنه بعد عشر سنوات أو أكثر بعد أن يثبت الفلسطينيون حسن نياتهم. وقد جاء كتاب الضمانات المشار إليه ليرسم معالم ذلك الحل النهائي، بشطبه لحق العودة وتثبيته للكتل الاستيطانية الكبرى، من دون أن يمر على موضوع القدس، وإن بدا الموقف الإسرائيلي منه معروفاً إلى حد كبير، حتى في أكثر طبعاته انفتاحاً كما تبدى في عرض كامب ديفيد صيف العام 2000 .

كان الأصل أن يستمر العمل على تنفيذ المشروع بعد الانتخابات الفلسطينية، وبعد اتمام الانسحاب من قطاع غزة، وذلك بعد تفريغ الساحة الفلسطينية من أهم القادة (الشيخ احمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي، ومن بعدهما ياسر عرفات). وكان المخطط هو تثبيت الوضع السياسي والأمني في قطاع غزة وصولاً إلى جمع السلاح ومنع «الإرهاب»، أي إخراج القطاع تماماً من دائرة الصراع، ولينتقل المشروع بعد ذلك إلى الضفة الغربية، حيث ستنسحب القوات الإسرائيلية إلى حدود الجدار، ولتغدو الدولة المؤقتة حقيقة واقعة، وكل ما هنالك أن للدولة المذكورة نزاعها الحدودي مع جارتها، وهو نزاع مكانه أروقة المفاوضات وليس السلاح والعنف .

كان الموقف بالطبع قد جرى ترتيبه فلسطينياً، لحساب تيار رفض العسكرة، وعموم القادة الذين عارضوا انتفاضة الأقصى أو «عسكرتها» وينسجمون مع الدوائر الأميركية والغربية بشكل من الأشكال، بل تجاوز الأمر ذلك نحو تثبيت الوضع فتحاوياً لحساب ذات التيار، الأمر الذي ما زال يطبخ بعناية، ولتتحول «فتح» عملياً إلى حزب حاكم وليس حركة تحرر وطني، على اعتبار أن التحرر قد وقع، وأن ما يجري سيكون نزاعاً حدودياً بين دولتين، وليس حرباً بين شعب مقاوم وسلطة احتلال .

ما ينبغي قوله هنا إن الفريق المذكور لن يعلن في يوم من الأيام بأنه يقبل المعروض إسرائيلياً، إذ سيواصل الحديث عن الثوابت، لكنه سيقبل في نهاية المطاف بسقف كتاب الضمانات في سياق الحل النهائي، بصرف النظر عن توقيت ذلك الحل، مع العلم أنه يعوّل على ألا تطول الرحلة تبعاً لثقته بالقدرة على تثبيت الوضع الداخلي بحيث يقبل الإسرائيليون الانتقال إلى ملف المفاوضات النهائية سريعاً .

ما أفشل هذه اللعبة برمتها، وأقله أجّلها إلى أمد غير معلوم هو فوز حركة «حماس» بالانتخابات، فيما كان الأصل أن تشارك الحركة فيها من أجل تطبيعها على نبذ المقاومة، فضلاً عن منحها الشرعية السياسية لما سيجري على الأرض، لأن الأصل فيمن شاركوا في الانتخابات أن يلتزموا بنتائجها الواقعية .

منذ ظهور النتائج وقضية القضايا هي إقصاء «حماس» بطريقة ما، وإن تم التوافق على الاستدراج السياسي وصولاً إلى الشطب الانتخابي (الأفضل ديموقراطياً)، الأمر الذي لا يزال قائماً إلى الآن .

أهم ما تخبرنا به الخطة الأميركية الجديدة (دعم الدولة المؤقتة) هو أن القوم لن يصبروا طويلاً على الوضع القائم، فما دام الأمر مرتبطاً باستثمار الإسرائيليين لوجود بوش في الرئاسة، فإن صبرهم لن يطول، فضلاً عن أن واشنطن بجمهورييها وديموقراطييها ستكون في حاجة إلى تسوية ما في الشرق الأوسط أو حتى «وهم» تسوية لأن معالجة الوضع في العراق لا تسمح باستمرار التفجير في الوضع الفلسطيني .

من هنا يبدو الموقف بالغ الأهمية في المرحلة المقبلة، إذ يبدو أن واشنطن ستدفع في اتجاه عزل حكومة «حماس» والتخلص منها ولو بالعنف، وما خطوات الدعم التي يحصل وسيحصل عليها محمود عباس سوى تأكيد على ذلك، وهي خطوات تتمثل في جانب منها بتطبيع الوضع الفلسطيني على تجاوز لغة العنف (الإفراج عن معتقلين، الإفراج عن الأموال المحتجزة، رفع حواجز، استئناف التعاون الأمني، معالجة قضية المطلوبين، دخول المزيد من العمال الفلسطينيين للعمل في الأراضي المحتلة عام 48). أما الجانب الثاني فيتمثل في دعم الوضع الداخلي لعباس، لا سيما في قطاع غزة («فتح» تهمين عسكرياً في الضفة الغربية)، حيث بدأت الأسلحة تتدفق على القطاع لحساب «فتح»، ما يعني أن التعامل مع الوضع قد يجري بالقوة مع «حماس» في الضفة، ربما كي تتراجع في القطاع .

من الصعب الجزم بطريقة الإقصاء التي ستتعرض لها «حماس»، فهناك الانتخابات المرتبة، وهناك الانقلاب العسكري في القطاع من خلال الدعم المشار إليه، وهناك حكومة الوحدة التي لا صلة لها بالوحدة، وإنما بالاستدراج، لكن النتيجة المطلوبة هي ذاتها ولن يتم التراجع عنها بأي حال، بصرف النظر عن التوقيت .

هل سيؤدي ذلك إلى تحقيق المطلوب من طرف الولايات المتحدة والإسرائيليين، وبالطبع من طرف المجموعة المتنفذة في السلطة التي هيمنت على حركة «فتح» وهمّشت أمين سرها فاروق القدومي؟

ليس من السهل الجزم بشيء كهذا في ظل الوضع الراهن، لكن الأجواء العربية والدولية ليست مساندة لحركة «حماس»، وإن بدا الطرف الآخر في أزمة أكبر، في حين نعلم أن متطرفي الإدارة الأميركية لن يترددوا في الهرب إلى الأمام وممارسة المزيد من التصعيد في مواجهة من يريدون تخريب مخططهم، لا سيما وهو مخطط تريده تل أبيب وواشنطن في آن .

على أن مصير الوضع الفلسطيني في ضوء هذا المخطط لن يكون كما يريد صانعوه، ففي الساحة الفلسطينية الكثير من المفارقات التي ستصدم أصحابه، وعلى رأسها روح المقاومة التي تسري في الشارع وفي شباب الفصائل، وهي روح سيكون من الصعب السيطرة عليها، بصرف النظر عن رد الفعل السياسي لـ «حماس» في مواجهة اللعبة .

لن نتحدث هنا كثيراً عن مسلسل الفشل الذي رافق المحافظين الجدد منذ سنوات، ومن ورائهم الإسرائيليين، لكن الأكيد أن الملف الذي يراد له أن يهدأ من أجل العراق وملفات المنطقة الأخرى، سيتأثر بدوره سلباً بالفشل في تلك الملفات، أعني تأثراً يكرس مسار المقاومة والتصدي للاحتلال، وليس التراجع أمام مخططاته .

* كاتب من الأردن .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات