الأحد 07/يوليو/2024

ليس نزاعاً سلطوياً وإنما هو الفوضى الخلاقة

ليس نزاعاً سلطوياً وإنما هو الفوضى الخلاقة

صحيفة الخليج الإماراتية 12/1/2007

فرض على الشعب العربي الفلسطيني، لموقع وطنه الاستراتيجي، أن يكون طليعة أمته في مواجهة التحديات التي تستهدفها، فضلاً عن أنه بقرار دولي حرم السيادة على أرض آبائه وأجداده وممارسة حقه المشروع دولياً بتقرير المصير. وكنتيجة لذلك صار حراكه الوطني وجدله السياسي، منذ بروزهما مطلع عشرينات القرن الماضي، شديدي الحساسية والتأثر بمتغيرات ومستجدات الواقع الدولي والإقليمي، على نحو ليس له مثيل بالنسبة لبقية شعوب الأرض، حتى في زمن العولمة وسقوط السيادة الوطنية لأغلبيتها.

وعليه، فليس علمياً ولا منصفاً اعتبار تفاقم حدة الأزمة بين الرئيس محمود عباس وزمرة أوسلو بقيادته وبين حماس، ولجوء بعض عناصر الطرفين للسلاح مؤخراً، مجرد نتيجة العجز عن الاتفاق على أدوار في سلطة حكم الذات في أرض محتلة وفاقدة أبسط مظاهر السيادة الوطنية، وتناسي أن هذا العجز إنما يعود في أهم أسبابه لعمق وسعة التدخلات الدولية والإقليمية في الجدل المحتدم في الضفة والقطاع المحتلين.

فعلى الرغم من تعدد المفكرين والساسة والعسكريين الأمريكيين الناقدين لسياسة إدارة الرئيس بوش، وخاصة غزوها العراق وفشلها في تحقيق النصر الذي يتباهى به الرئيس، إلا أن التغيرات التي أجراها بين أركان إدارته، والإعلان عن اعتزام زيادة القوات في العراق المحتل، كما في دعم التدخل الإثيوبي في الصومال، وتخصيص 86 مليون دولار لدعم قوات الأمن الموالية للرئيس عباس، ما يدل على عميق ثقة الرئيس بوش بفعالية ونجاح سياسة “الفوضى الخلاقة” في تنفيذ مخطط تمزيق الأنسجة الوطنية العربية، وصولاً لإقامة “الشرق الأوسط الجديد” المشكل من كانتونات عرقية وطائفية ومعازل بشرية فاقدة الشعور الوطني والانتماء القومي، بحيث يتواصل استغلال الوطن العربي موقعاً وموارد وأسواقاً وقدرات بشرية في تمكين مصالح المركب الصناعي العسكري الأمريكي، صاحب الدور الأول في صناعة القرارات الأمريكية على مختلف الصعد .

وفي فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر يحتدم جدل أقطاب المؤسسة السياسية العسكرية حول فشلها المريع في لبنان، فيما تعكس الصحافة شعوراً حاداً بالمرارة تجاه وضوح عجز آلة الحرب الصهيونية عن قهر إرادة المقاومة، وافتقاد قوتها الردعية تأثيرها في الشارع العربي، خاصة لدى الأجيال الشابة المتنامي دورها في الحراك السياسي الاجتماعي وانحياز غالبيتها لخيار المقاومة. وبرغم ما يقال عن الإعداد لعدوان جديد على لبنان في الصيف المقبل لم يعد باستطاعة صناع القرار الصهيوني تصدير أزماتهم بالعدوان خارج الحدود الفلسطينية .

ولأن حصار التجويع لم يحقق غايته بانتفاض الجماهير برغم اشتداد معاناتها ضد حكومة إسماعيل هنية. وحيث فشلت كل المداخلات في حمل حماس على الانصياع لاشتراطات الاعتراف ب”إسرائيل” غير مرسمة الحدود والقبول بالتزامات أوسلو، ولأن آلة الحرب الصهيونية وأجهزة استخباراتها، والمستعربين و”المتعاونين” العاملين في خدمتها، عجزت عن تحقيق أي انتصار، حتى إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليت بعد ستة شهور من أسره من موقع عسكري.

والذي يذكر أنه حين كانت نذر الحرب مع المحور الألماني- الإيطالي تلوح في الأفق، بينما الثورة في فلسطين تشهد تطوراً كيفياً في نوعية عملياتها وشمولها معظم نواحي فلسطين. ولمواجهة المخاطر المتوقعة قررت الحكومة البريطانية في أكتوبر/ تشرين الأول 1938 تصفية الثورة بإشاعة الفتن في ساحتها، ودعم القوات الموجودة في فلسطين بفرقتين جديدتين، فكان أن شكلت عصابات مسلحة من مجرمين أخرجوا من السجون، وزودوا بأوراق تثبت أنهم يعملون مع الإنجليز، كانت أكبرها في منطقتي رام الله وبيت لحم بزعامة مجرم يدعى “أبونجم”، استهدفت المسيحيين في المدينتين وبلدات بيت جالا وبير زيت وجفنا، وتواصلت عملياتها الإجرامية حتى نجح أحد ضباط المخابرات العرب العاملين في فلسطين من السفر إلى لبنان بحجة العلاج، والتسلل لمقابلة المفتي وأطلعه على ما يجري، فأوفد عبدالقادر الحسيني الذي كان يقضي فترة نقاهة في بيروت، للعمل على تصفيتها. فيما أصدرت “اللجنة المركزية للجهاد الوطني” بيان تحذير من الجماعات التي تنتحل صفة الثوار وتمارس عمليات استفزازية (محمد عزة دروزة القضية الفلسطينية ج/ص 211) .

وفي 12/12/1938 خطب فخري النشاشيبي في قرية يطا، بمنطقة الخليل، في مهرجان خطابي، حضره ضباط وموظفون إنجليز، كال فيه شتى التهم للمفتي والقيادة الوطنية وقادة الثورة، ودعا إلى تشكيل فصائل “السلام” لإنقاذ البلاد من الفوضى، وأغدقت الأموال على الذين تولوا ملاحقة الثوار بالتعاون مع الجيش البريطاني. وكان من بين أبرز قادة فصائل “السلام” فخري عبد الهادي، الذي سبق له ممارسة دور قيادي في ثورة 1936، إلا أنه جرى استغلال خلافه مع اللجنة القائدة في دمشق لينقلب على ماضيه الجهادي.

وفي 27/3/1939 قاد فريد أرشيد وحدة بريطانية إلى قرية صانور، حيث كان يبيت قائد الثورة العام عبدالرحيم الحاج محمد، ورفض (أبوكمال) الاستسلام وقاوم حتى استشهد، وعندها أمر قائد الوحدة الإنجليزي بأداء التحية العسكرية لجثمان القائد الشهيد عرفاناً ببطولته .

ووقعت النكبة، وجرى تهجير مواطني 531 مدينة وقرية عربية، وصودرت عقاراتهم، ومن بينهم أغلبية زعماء المعارضة وقادة “فصائل السلام” وغيرهم من المتعاونين و”المعتدلين”، الذين يندر من كان خائناً بطبعه بينهم، في حين تعود دوافع مواقف أغلبيتهم للحرص على مراكزهم الاجتماعية وثرواتهم في مجتمع الالتصاق بالسلطة أياً كانت هويتها عاملاً أساسياً باكتساب الثروة وتحقيق النفوذ الاجتماعي، أو كان ذلك رداً على ممارسات اعتبرت ماسة بمصالحهم ومصالح ذويهم ومحاسيبهم .

والسؤال الأخير: هل أثرياء ثورة فتح و”صقورها” المستنفرة واعون لما آلت إليه أحوال سابقيهم في نهج “الاعتدال”، أم أن الحريصين على تاريخ فتح قادرون على ضبط المسار؟ وهل تمتلك قيادة حماس كفاءة إدارة الصراع بما يجنب شعبها الوقوع في مستنقع “الفوضى الخلاقة” التي تدفع إليها القوى الدولية والإقليمية السائرة في الركب الأمريكي؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات